طلاسم

سرير في العناية المركزة

بقلم: سامح شاكر

سرير في العناية المركزة
سرير في العناية المركزة .. جلس أمامي بوسامته المعهودة رغم ما خطه الزمان على وجهه من آثار حتى ذلك اللون الرمادي الذي امتد ليصبغ شعره زاده وسامة وهيبة ..
نظرت له وهو جالساً قربي واضعاً يده عل مقود السيارة ليتخذ جانباً من الطريق يتنحى بعيداً عن الشارع وقد إرتفعت أبواق السيارات من حولنا في رسالة اعتراض من بعض قائدي تلك السيارات التي نفذ صبر أصحابها ﻷسباب صدقاً لا أعلم لها وجود ولا سبيل لمناقشتها حالياً .

توقفنا بالفعل بجانب الطريق وقد دمعت عين صديقي أحمد وهو ينظر في اتجاه نافذته حتى لا أرى تلك القطرات التي انسابت على وجهه دون إرادة منه ..
نظرت له وقد غاص قلبي هلعاً عليه .. فأنا لم أرى له دمعة واحده منذ أن عرفته ..
هو صديقي المقرب وعلاقتي به ليست علاقة صداقة فقط

فهو جاري وصديق عمري في علاقة امتدت منذ الطفولة حتى الآن .
نعم أخذتنا الحياة والمسئولية ..نبتعد لكننا في النهاية نتلاقى ليبث أحدنا اﻷخر همومه ونستعيد ذكريات الأمس ..

هكذا كنا ولا نزال

صديقي عمري الوحيد الذي ادعي فيه صفة الصداقة ،

فنحن نعيش في أمواج زمنٍ  عاتية ,,

أزاحت في طريقها أغلب العلاقات القريبة منها والبعيد.
نظرت له قائلاً ..
– مالك يا أحمد في إيه ؟؟ أنا قلقان عليك من ساعة ما كلمتني وصوتك متغير.

نظر لي وقد أغرورقت عيناه .. وفي زفرة تهدج معها صوته وعبارات خرجت منه مختنقه قائلاً ..

– تعبان يا سامي بجد .. وعاجز ومش عارف أعمل إيه
قلت له على الفور ..
– لا حول ولا قوة إلا بالله .. فيه إيه يابني ما تقول سيبت أعصابي
أجابني قائلاً ..
– بابا يا سامي ,,

– ماله يا أحمد كفاه الله الشر ، أحمد ماله بابا  ما ترد عليّ ؟؟
ينظر لي قائلاً ,,
– إمبارح بابا جت له أزمة قلبية !!  وزي ما أنت عارف السن .. والتعب اللي جاله مرة واحدة لكن التعب الم ه ده خلاه يقول لأمي,,

– أبعتي هاتي أحمد بسرعة من الشغل شكلي هاموت يا حاجة
وأمي ما كذبتش خبر ,, اتصلت بي على طول .. علشان تبلغني بحالة بابا الطارئة
– استأذنت صاحب الشغل علشان أمشي وهو اللي يسوق عربيته مش أنا

والرجل كتر خيره سابلي العربية.

وقالي إلحق إنت أبوك وخلي العربية معاك وتبقى طمني
المهم  وصلت يا سامي ، كان الدكتور لسه بيكشف عليه …

خلص كشف وخرج قالي ..

– الحاج بيعاني من أزمة قلبية شديدة لازم يتنقل حالاً للعناية المركزة

أجبته أنا: وبعدين يا أحمد؟
– أبداً .. قمت أنا والحاجة نلبسه هدومه بسرعة .. بعد ما الدكتور طلب الإسعاف

وفعلا الإسعاف نص ساعة ووصلت نقلوا بابا على مستشفى (……)
وأنا وأختي وراه بالعربية علشان ماما كانت هي اللي معاه في عربية الإسعاف

أول ما دخلنا المستشفى راحوا به على الطوارئ..
مش هاقولك كم الإهمال والبهدلة اللي إحنا شفناها وكل الناس عرفاها

مش هاقولك إني بقيت أصرخ زي المجنون وأبويا بيموت بين ايديا

“إلحقوه يا ناس ..إلحقونا !!”

وفي الآخر جالنا  شاب صغير لابس لبس التمرجية بشبشب ، في منتهى برود الدنيا سايب الحالة وبيوجه لي الكلام بكبر وغرور وصلف وبيقولي ..

– بتعلي صوتك ليه يا أستاذ إنت؟؟ في إيه ؟؟
ماحستش بنفسى مع الشخص  ده إلا وأنا وباضربه  لكميات واحدة وراء التانية ألعن فيها عجزي وقلة حيلتي .. وألعن الظروف التي خلتني زى البلطجي في موقف زي ده  ..

لم أشعر حتى تجمع الناس من حولي الذين هجموا علي ليبعدوه من بين يدي فقد تحولت لحظتها لوحش كاسر ..

صرخ :مجنون والله مجنون

– بس سيبك من المشكلة دي

خليني في مشكلة الرجل اللي بيموت

-إنت عارف يا سامي الواد اللي بشبشب على حظي المهبب  طلع إيه ؟؟ طلع دكتور الطواريء المسئول!!!

مش هاكملك كم الذل اللي شفته، اللي وصل إني بوست إيديه معتذراً علشان بس يرضى يبص على بابا ويكشف عليه !!

– كشف بالفعل وبعدها طلب رئيس القسم اللي نزل من علياءه من مكتبه متأفأفاً

ناظراً لهذا الطبيب في لوم وتهديد لأنه سحبه لهؤلاء الرعاع اللي هم أحنا !!

علشان يجري كشفا كان كافي إن يقوم به دكتور صغير!! وقال..
– لا الحالة متقدمة وأزمة قلبية وتحتاج نقلها للعناية المركزة على الفور بس في مشكلة!!

أجبته :خير مشكلة إيه يا دكتور ؟؟
– مفيش سرير في العناية المركزة ؟؟
نطقت أنا في هذه اللحظة قائلاً..

– يا نهار إسود ..يعني إيه مفيش سرير في مستشفى للعناية المركزة ؟؟
رد علي أحمد قائلاً..

– إتقل اللي جاي له العجب !!

لتبدأ قصة من أغرب القصص الواقعية التي أبكتني بالفعل
إذا نالت حتى الآن قصتي اهتمامكم …

أرجو أن تكتبوا رأيكم

وسوف أكملها .. لكم في المرة القادمة

إن كان في العمر بقية

#سامح_شاكر

اقرأ أيضاً

لغز جريمة علنية: بقلم محمد عصمت

أين اختفى براين شافير؟

زر الذهاب إلى الأعلى