قصة/ أحمد الشمندي
زمان واحنا عيال صغيرة ، كانوا دايماً بيقولونا “متخليش الشيطان يضحك عليك” ويخليك تعمل كذا وكذا وكذا ، ولغاية دلوقتي ، إحنا كمان بنقول لولادنا نفس الكلام ، وكل حاجة غلط بتحصل من شخص كبير أو صغير دايماً بنعنونها ب “وَزِّة شيطان” أو “ساعة شيطان” ، ولما يبقى فيه موقف مع حد كبير أو بين اتنين أصحاب مثلاً ، تلاقي واحد بيقول للتاني اللي هو غضبان أو ناوي ياخد اجراء في الموقف “متخليش الشيطان يلعب بيك” …
مين هو الشيطان ؟ الشيطان يا عم إنت ، اللي هو الشيطان ، أيوة اللي هو مين يعني ؟ عزازيل ولا إبليس ولا الشيطان ؟ كان ملاك من الملايكة ولا هو أصلاً من الجن ؟ هل فعلاً كان على مُلك الدنيا بعد ما قضى على الجن اللي أفسدوا في الأرض بأمر ربنا ؟ …
الأسئلة كتير والإجابات أكتر ، بس السؤال الأهم بقى ، هو إنت قابلت الشيطان قبل كدة ؟! اتعاملت معاه ؟! حسيت فعلاً إنه بيوسوسلك ؟!
– مين اللي چاي هناك دِه
– دِه حراز
– الراجل دِه كَنُّه ملبوس ولا مندوه ، كل ليلتين تلاتة تلاجيه چاي من يَمة الجبل وش الفچر
– ملناش صالح يا بوي ، دِه راجل بوزه فجر ، همله لحاله خليه يغور
– واد مين دِه ؟
– كَنك جالوص طين البعيد ، جولنا ميت مرة حدش يعرفله ناس ، ولا ميته اتبلينا بيه ، كَنُّه طَلع من تحت الأرض
– دة كبير جُوي ، كَنُّه سبعين سنة
– اخرس ياد إنت
الحوار اللي فوق دة كان بيدور في قرية صغيرة من قرى محافظات الصعيد سنة ١٨٣٨ ، كان يوم اتنين غالباً ، أول شهر أكتوبر ، القرية كان موقعها مميز حبتين ، أو خلينا نقول مختلف …
أولاً كانت في البر الشرقي للنيل ، يعني النيل غربها ، وفي الشرق جبل على هيئة تجويف عظيم ، وكأنه بيحضنها ، ثانياً المسافة بين الجبل والنيل كانت كبيرة ، الأراضي الزراعية كانت بتبتدي من بعد خط النيل بشوية ، ولما تديها ضهرك وتبص للشرق تلاقي البيوت بتاعت أهل القرية ، وبعد مسافة اتنين كيلو تقريباً من آخر بيت في البيوت ، تلاقي المدافن ، وبعد المدافن بكيلو ونص كمان ، سفح الجبل …
لما تبص للجبل نظرة عميقة شوية ، تحس إنه شخص قاعد متربع وبيبص على القرية ، الجبل دة من قديم الأزل اسمه جبل شيطان ، مش دة الملفت للنظر ولا دة اللي يحسسك بقبضة روحك لما تسمعه ، الملفت والغريب فعلاً ، إن الجبل دة لونه أسود في منطقة كلها هضاب وجبال جيرية لونها فاتح ، والأغرب من دة ودة هي الحكاية الي بتتقال عنه ، بس قبل ما أقولك الحكاية هقولك اسم القرية … القرية اسمها نزلة الأموات
بيقولك إيه بقى ، الجبل دة أصلا كان شيطان واتحرق واتحجر مكانه ، والمكان دة كان العرش بتاعه اللي بيقعد عليه ، والقرية دي من وقتها وهي ملعونة ، لما تدخل القرية دي يجيلك شعور كدة بالكآبة ، ونفسك يضيق ، لدرجة إنك تصدق إن القصة دي حقيقية ، ومع اسم الجبل واسم القرية ، تحس إنك مش هتخرج منها تاني …
الناس كلها ساكتة ، اللي في الغيط بيزرع ويقلع وهو ساكت ، الستات اللي بتغسل هدوم ومواعين على شط النيل بيغسلوا وهم ساكتين ، واللي ربنا نفخ في صورتهم وبيتكلموا مع بعض ، بيتكلموا بصوت واطي ، ومع المغرب كل اللي بيعمل حاجة بيسيبها وبيروح بيته ، والليل لما بينزل الكل قافل عليه بابه إلا عدد محدود جداً اللي تلاقيه بيتحرك ، أو اتنين قاعدين مع بعض مثلا زي اللي كانوا بيتكلموا فوق دول …
معظم القرية ضلمة سودا ، أضواء خافتة بسيطة وضعيفة أوي باينة من شروخ أبواب بعض البيوت أو الشبابيك …
أنا حكيت حكيت ونسيت أعرفكم بنفسي أنا أحمد حسام ، صحفي مغامر حبتين ، ومعايا زميلتي المصورة ميريام أحمد ، وعقدنا العزم إننا ننزل نعمل تحقيق صحفي مصور في نزلة الأموات ، خاصةً إن المعلومة الي عندي والغريبة جداً ، إن القرية دي مازالت زي ما هي ، ولما سألت عنها ، الرد كان أغرب وأغرب جداً ، دي قرية قديمة ومبقتش موجودة !!!
ملحوظة صغيرة : إحنا في سنة ٢٠٢٠ حالياً وأنا قريت اللي حكيته فوق دة عن القرية دي في كتاب قديم أوي في مكتبة والدي الله يرحمه ويحسن إليه ، مكتوب بخط الإيد سنة ١٨٤٢ ، والحقيقة إن الكتاب دة هو مصدر معلوماتي الوحيد ، وبالمناسبة هي في مكان ما بين سوهاج وقنا شرق النيل طبقاً للخريطة اللي في الكتاب … ياللا تعالوا معانا
– صباح الخير يا أحمد
– إيه يا ميريام ، إنتي جاية مشي ؟ مش ميعادنا خمسة ؟
– الساعة خمسة وعشرة يا أحمد !
– إيه دة بجد ؟!
– لا والله ، تقولش واقف من ساعتين
– ياللا طيب اركبي ، المشوار طويل
– إنت عارف المشكلة في إيه ؟ إني مش هروح الچيم الفترة دي كلها
أحمد بص لميريام وهو بيتحرك بالعربية ، نظرة المشلول الأخرس اللي هو إحنا في إيه وإنتي في إيه ، چيم إيه وبطيخ إيه …
أحمد وميريام اتحركوا من القاهرة الساعة خمسة الفجر ، في اتجاه الصعيد من الطريق الصحراوي الشرقي (طريق الكريمات) ، اللي بينتهي في أسيوط ، وبيبتدي بعده طريق تاني ، يعتبر طريق جبلي أكتر منه صحراوي ، اتجاه سوهاج وقنا …
– احنا كدة عدينا سوهاج يا أحمد صح ؟
– أيوة ، المفروض كدة أودامنا أقل من نص ساعة ، ونلاقي مدخل القرية على إيدينا اليمين حسب الخريطة
– الساعة اتنين ونص
– يا دوب ، احنا كنا قايلين هنوصل على تلاتة تقريباً
– متهيألي اليافطة اللي هناك دي هي
– جهزي بقى الكاميرا ، علشان هنصور من أول اليافطة والمدخل
– يا ساتر إيه اليافطة السودة دي !
– نزلة أموات بقى
– إنت بتهزر ؟! أنا اكتأبت
بص هي حقيقي اليافطة كئيبة ، ومش عارف بني آدم مين اللي عملها بالشكل دة واحنا في سنة ٢٠٢٠ ، عارف غطا الزير الخشب المدور دة ، حاجة زييه كدة ، مدهونة إسود وكأنها محروقة بنار لغاية ما اِسودت – أو يمكن هي متحروقة فعلاً – ومكتوب عليها بخط الإيد اسم القرية بطريقة بدائية جداً وبلون زي لون الرماد ، وكأن واحد حط صوباعه في رماد وكتب بيه على الخشبة …
الطريق كان عبارة عن مدق جبلي صعب شويتين ، ومن الواضح إنه بينقلك من مكان مرتفع وكل ما بتكمل فيه الارتفاع بيقل وبتنزل لتحت ، عربية أحمد سوبارو XV ، فالطريق مكانش مشكلة في حد ذاته …
المشكلة كانت أكبر من كدة بكتيييييييير …
– أحمد أنا خايفة وقلبي مقبوض
– فيه إيه يا بنتي ؟ إحنا لسة عملنا حاجة ولا شوفنا حاجة ؟
– الدنيا بتغمق كدة ليه ؟! الشمس راحت فين ؟!
– إهدي يا ميريام ، تلاقي ال…..
– حاسب حاسب …
وكأن الأرض انشقت في ثانية وطلعته …
مع صرخة ميريام بكلمة حاسب ، وبتلقائية سريعة بدون تفكير ، أحمد داس فرامل بكل قوته وبص أودامه بعد ما كان باصصلها وهو بيحاول يهديها علشان يتفاجئ ببني آدم واقف في نص الطريق ، وبينهم وبينه خمسة متر تقريباً ويمكن أقل ، العربية وقفت قبل نص متر من الشخص اللي واقف ، مع عفرة تراب ، وكأنها عاصفة صحراوية عنيفة …
النفس سريع وصوته عالي ، النبض متسارع ، بيسحب الدم بأسرع ما يمكن ويضخه علشان يحافظ على المخ في أقصى حالات الإنتباه ، وعلى الجسم في أعنف حالات التوتر والتحفز ، العيون مبرقة ، الأعصاب مشدودة ، الضغط عالي ، شحنات من الرعشة بتضرب أحمد وميريام ، مع وقوف العربية ، التراب اللي سببته الفرامل ابتدا يهدى وحركته تقِل ، والرؤية ابتدت تتضح …
راجل في السبعين من العمر تقريباً ، بشرة سودا ، ملامح قاسية تجاعيدها وكأنها خريطة مجسمة ، شعر أكرت جداً ، طوله حوالي ١٨٥ سم ، وزنه ممكن يعدي ال ١٢٠ كجم ، ودة واضح من ضخامة جسمه ، لابس جلابية صعيدي ، لونها أسود ، متربة ، وماسك في إيده نبوت …
أحمد تمالك أعصابه وسيطر على رعشة جسمه وفتح باب العربية ونزل ، في الوقت اللي كانت ميريام قاعدة مش عارفة تلم رعشتها ولا تهدي نفسها ولا حتى تشيل عينيها من على الراجل …
– أنا آسف جداً يا حاج ، والله ما أخدت بالي ، أنا إتفاجئت بحضرتك
بص … الراجل واقف وكأنه تمثال جرانيتي ، تحس إنه مش بيتنفس ، عينيه لونها زيتوني غامق ، ومع لون بشرته الأسود ، وملامحه ، تحس إن السكتة القلبية بتقولك أنا مستنياك أهو وفي شرف استقبالك …
بصوت حجري مبحوح ، قوي ، عميق ، طالع من بطن الأرض …
– النازل مسحور ، والطالع محجور
أحمد تنح ببلاهة طفل ، وصدمة مرعوب ، وقلة حيلة أخرس ، والحقيقة الراجل مدالوش الفرصة ، سابه بمنتهى الهدوء وعداه وهو باصص أودامه ، ومشي في عكس الاتجاه اللي العربية رايحة فيه ، وبالتالي عدا من جنبها ، من ناحية ميريام ، ولما بقى جنبها ، بصلها بنفس الهدوء من غير ما يوقف ، عينه جات في عينها لثانيتين قبل ما يعديها ويكمل طريقه …
أحمد فضل واقف تلات ثواني تقريباً زي ما هو ، لف في اتجاه العربية بالراحة وكأنه مصدوم ، هو بالفعل كان مصدوم ، واتحرك وعينه على الراجل وهو ماشي مديله ضهره ، لغاية ما وصل للعربية وركب …
– قالك إيه ؟ ……. بصلها مذهول ، مرتبك ومحتار
– معرفش ، قال جملة غريبة مش قادر افتكرها
– أحمد أنا مرعوبة ، شوفت عينيه سودا أوي ازاي ؟
– عينيه مش سودا يا ميريام ، عينه لونها زيتوني غامق
– أحمد دة عدا من جنبي وبصلي في عيني ، عينيه سودا أوي
أحمد مردش عليها وفضل باصصلها خمس ثواني تقريباً وهي باصاله مستنياه يقول أي حاجة ، لكن الوقت مكانش في صالحه ، فجأة وبدون سابق إنذار ، صوت خبط عنيف انفجر وراهم جوه العربية بصدى صوت مضاعف ، ميريام صرخت بمنتهى الفزع وأحمد شهق لدرجة الألم ، وبصوا وراهم لمصدر صوت الانفجار ، علشان يتفاجؤا بنفس الشخص واقف ورا العربية وبيخبط بعنف وبانتظام على الجزء الخلفي من سقف العربية وكأنه بيهدها ، وفي حركة لا إرادية أحمد إيده راحت للفتيس وحركه لوضع ال D وداس بكل قوته على دواسة البنزين وطار …
لمدة ربع ساعة كاملة ، أحمد طاير بالعربية ، ميريام لازقة في الكرسي مبرقة ومتنحة وباصة أودامها في اللا شيء …
– أوقف يا أحمد هرجع ، مش قادرة ، أوقف
أحمد وقف العربية بسرعة ، ميريام فتحت باب العربية ونطت منها …
البنت يا عيني من الرعب ومن كتر ما هي مذعورة من الموقف ، جابت كل اللي في بطنها …
أحمد أخد إزازة مية ومناديل ونزل وراها ، وفضل واقف جنبها لغاية ما خلصت وابتدت تهدا ونفسها ينتظم …
– أحمد خلينا نرجع الله يخليك ، أنا هموت من الرعب
– اهدي يا ميريام بس ، هي أول مرة ؟
– أيوة يا أحمد أول مرة ، هو إحنا نازلين الزاوية الحمرا نعمل تحقيق ، إنت شوفت الراجل شكله عامل ازاي ، وعمل إيه ، إنت عارف أصلا إحنا رايحين فين ؟
– إحنا خلاص وصلنا يا ميريام
– وصلنا فين ؟
– النزلة أهي
أحمد شاور وبص في الناحية اللي كانت العربية ماشية اتجاهها ، وبالتالي ميريام بصت مكان ما بيشاور ، وفعلاً ، على مرمى البصر كانت نزلة الأموات واضحة وكان النيل واضح جداً …
الطريق اللي كانوا ماشيين عليه ، بيوصل للنزلة من اتجاه الشَمال أو من بحري بلهجة الصعايدة ، يعني النزلة هتبقى على إيدك الشمال ، ولما تلف شمال علشان تدخلها ، النيل هيبقى على يمينك وهي والجبل على شمالك ، تخيلت كدة الموقع والمنظر عاملين ازاي ؟ ممتاز …
أول ما وصلوا للنيل والطريق لف بيهم شمال ، فجأة العربية بطلت ، وقفت فجأة ، وحلفت ما هي دايرة تاني ، أحمد وميريام نزلوا من العربية ، وأحمد فتح الكبوت في محاولة فاشلة طبعاً علشان يحاول يعرف فيه إيه لكن بدون فايدة ، كل حاجة طبيعية ، لكن العربية وكأنها تحولت لخردة ، لا كهربا ولا ميكانيكا ، فصلت تماماً …
المسافة اللي كانت باقية لغاية ما يوصلوا للقرية ، كانت حوالي اتنين كيلو ، البيوت كانت باينة ، وطبعاً الجبل كان واضح جداً ، والضفة الغربية من النيل كمان كانت واضحة …
– العربية فيها حاجة غريبة ، أول مرة تعمل كدة ، بصي إحنا …
– أحمد
– في إيه ؟
– بص الناحية التانية من النيل !
– مالها ؟ فيه إيه يا بنتي ؟
– القطر فين ؟ فين الأراضي الزراعية ؟ فين الناس ؟ فين الحياة ؟ أحمد إحنا فين بالظبط ؟
– المفروض إحنا بين سوهاج وقنا
– يعني المفروض لما أبص الناحية التانية ملاقيش صحرا كدة
أحمد كان بيتلفت حواليه وهي بتتكلم ، وفجأة عينه اتمسمرت وراها …
– إنت بتبص على إيه ؟ فيه إيه ؟
– الراجل
ميريام بصت مكان ما أحمد كان بيبص وتنحت ، البنت اتخرست حرفياً من رعب المشهد ، الراجل اللي قابلوه في الطريق كان جاي في وشهم ، والحقيقة دة مكانش تحديداً هو سبب الرعب …
الراجل مكانش ماشي على الأرض …
الراجل كان طاير في الهوا وكأنه ماشي …
وبينه وبين الأرض تقريباً نص متر …
أنا مش عارفه اكتب ايه بصراحه ،القصه خلتني اتنح حرفيا ،حسيت نفسي مكان الأبطال، وحاليا مخضوضه، سرد رائع يجعلك تشعر وكأنك في قلب الحدث ،أحسنت
الكاتب الروائي احمد الشمندى
انت حقاً مبدع أجبرتنى على حب ماصنعته وعبرت عنه اناملك من افكار وكلمات كالآلئ تبهر الروح قبل العقل اتمنى لك التوفيق والى الامام
جميله ومشوقه وعلى الرغم اني مش يقرأ الرعب بس بصراحه كل روايات الكاتب احمد الشمندي جميله وممتعه وبتشد القاريء استمر كاتبنا العظيم ومشتاقه جدا للجزء التاني بسرعه لو سمحت
قصة اكثر من روعة والكاتب الاستاذ أحمد الشمندي مبدع وصادق في عمله فجعل احداث كل هذه القصة وكأنها حقيقية من روعة كتابتها 🌹🌹🌹 أتشوق إلى قراءة الجزء الثاني قريباً 🌹🌹🌹
ما هذا الجبروت !! الإبداع اللي يخلي القاريء يتلخبط هو بيقرا كلمات و لا بيتفرج علي مشهد ده اسمه جبروت ..
اتعبت من قرأ لك يا أحمد لأنه ببساطة لن يستطيع ان يقتنع بغيرك… في انتظار الإثارة و التشويق المعهودين من إبداعاتك… أدامكم الله