طلاسمقصص الرعب

قلب الشيطان الجزء الثالث

نعود بالجزء الثالث من قلب الشيطان بقلم الكاتب / أحمد الشمندي لقراءة الجزء الأول هنا ، الجزء الثاني هنا

سمعت قبل كدة عن الإسقاط الأثيري ؟! … طيب الإسقاط النجمي ؟! … طيب بص ، مبدئياً كدة ، هم الاتنين واحد ، والمعلومة بتقول ، إن كل بني آدم ليه هيئة أثيرية في بعد كوني تاني متعلق بالأحلام والتأمل والتخاطر ، وبيتنقل ليها من خلال روحه ، وعلشان يتنقل من هيئته الفيزيائية في البعد اللي إحنا عايشين فيه لهيئته الأثيرية في البعد التاني ، لازم يخضع لمجموعة من التأملات والإيحاءات بطرق دقيقة وعميقة ، سواء كان من خلاله أو من خلال مساعد (ناقل متخصص) ، وبالمناسبة ، مش كل بني آدم يعرف أو يقدر يوصل للإنتقال دة …

الموضوع أقرب لانتقال الروح من عالم الواقع لعالم الأحلام ، والأبحاث اللي اتعملت فيه كتير وعلى مدار قرون ، لكن هل فيه دليل علمي مثبت ؟ هل هو موضوع صحيح ؟ هل ليه شكل تاني غير اللي احنا متخيلينه … الله أعلم …

مشهد رقم ١

  • أحمد .. أحمد ، اصحى يا ابني ، إنت معندكش شغل النهاردة ولا إيه ؟! الساعة بقيت تسعة …

نايم على ضهره ، إيديه على صدره ، فتح عينه فجأة ، واتنفض …

  • بسم الله الرحمن الرحيم ، فيه إيه يا ابني !

أحمد بص لأمه ، وبص حواليه …

  • مفيش يا ماما

اتعدل وقعد على السرير ، وبص على دراعه اليمين …

مشهد رقم ٢

  • بت يا ميريام .. ميريام ، الساعة تسعة يا بنتي ، إنتي مش رايحة الشغل ولا إيه ؟ كل دة نوم ؟! قومي ياللا …

نايمة في وضع الجنين ، إيديها ماسكين في بعض ، مضمومين على صدرها ، قدم رجلها فوق التانية ، فتحت عينيها فجأة ، واتنفضت …

  • فيه إيه فيه إيه ؟! مالك يا بت ؟ بسم الله الرحمن الرحيم ، مالك يا بت بتترجفي كدة ليه ؟

ميريام بصت لأمها ، بصت للأوضة …

  • أنا كويسة يا ماما

اتعدلت وقعدت على السرير ، وبصت على دراعها اليمين …

 

إزيك يا صديقي العزيز ، إيه رأيك في الجزء التاني ؟ عجبك ؟ كنت مستني الجزء التالت ؟ ياللا بينا طيب …

 

قولي صحيح ، صحيت من النوم قبل كدة لقيت علامات في جسمك ؟ وكأنك مخبوط مثلاً ؟ كتير مننا إتعرض خلال الحياة لحاجة زي كدة ، وبيبقى دايماً سببها مش معروف ، وغالباً ما بيكون آثار لخبطة أو كدمة حصلت خلال اليوم ، ومخدناش بالنا منها وقت ما حصلت ، لكن …

العلامات اللي أقصدها ، علامات صوابع واضحة ومكانها أزرق ، وكأن كان حد ماسكك وضاغط بقوة ، لدرجة إن مكان صوابعه ساب أثر …

لما أحمد وميريام قاموا من النوم ، هم الاتنين بصوا على مكان معين في الدراع اليمين ، علشان يلاقوا علامات صوابع واضحة جدا ، في الساعد نفسه وتحت الكوع بشوية ، مكان عضلة الرست كدة …

هم أصلا صاحيين ولا نايمين ؟! ولما صحيوا المرة اللي فاتت ونزلوا اتقابلوا في ريتش كافيه ، هم كانوا صحيوا فعلاً ؟! ولا دة كله حلم ؟! طيب هو حلم فعلاً ولا انتقال أثيري لبعد تاني ؟! …

لما أحمد وميريام وصلوا لغاية البيت الوحيد في نزلة الأموات اللي كان من الواضح إن فيه حد عايش – على عكس كل بيوت القرية اللي كان من الواضح بردو إنها مهجورة – كانوا بيفكروا في الخطوة المنطقية الجاية ، إحنا هنخبط ؟ يا ترى مين اللي جوة ؟ مين الوحيد اللي لسة عايش في النزلة وهي مهجورة بالشكل المرعب دة ؟! وكانت المفاجأة …

قبل ما ياخدوا أي قرار ، الباب اتفتح من جوة البيت ، علشان تظهر وراه المفاجأة اللي بتمثل منتهى معاني الرعب والصدمة والحيرة والذهول ، وزي ما تقول قول … حراز

أيوة زي ما قريت كدة ، حراز ، بس في الحقيقة ، المفاجأة مكانتش إن حراز هو اللي فتح ، المفاجأة كانت الهيئة اللي ظهر بيها …

حراز اللي ظهر ورا الباب ، كان على هيئة شيخ وقور ، طاحن في السن ، أشيب الشعر والدقن ، أبيض البشرة ، لابس جلابية بيضا وماسك نبوت بيتسند عليه ، بمجرد ما الباب اتفتح وحراز ظهر ، ابتدا يظهر صوت الهمهمات اللي كانوا بيسمعوه مع مرورهم بكل بيت من بيوت النزلة ، وكأنه طلع كله مرة واحدة ، بس المرة دي ، الصوت كان واضح ومسموع بشكل مبالغ فيه ، وكمان مفهوم ، تلات كلمات خرجوا في نفس الوقت من الاف الأفواه … نزلة الأموات محجورة

وكأنه كان منتظرهم ، الشيخ رجع خطوتين وبابتسامة هادية …

  • حمدلله على السلامة ، أنا منتظركم من سنين !

مذهولين ، مبرقين ، مرعوبين ، بيحاولوا يتماسكوا علشان مياخدوش السكتة القلبية بالأحضان ، أحمد وميريام ابتدوا يتعرضوا لرعشة جسمانية واضحة جداً ، اللي هو إنت مين وازاي وعاوز إيه …

  • من سنين ؟!
  • تعالوا

أحمد وميريام بصوا لبعض ، وطبعاً مكانش أودامهم غير إنهم يدخلوا ، بالرغم من رعب الموقف وعدم منطقيته أصلاً …

البيت عبارة عن صالة وأوضة واحدة ، الصالة فيها كنبة وترابيزة صغيرة وكرسيين ، كلهم من الخشب والخوص ، موجودين على اليمين لما تدخل من باب البيت ، على الأرض فيه حصيرة قديمة ومتهالكة وبردو من الخوص ، تحت الشباك اللي في وش الباب واللي بيبص على المدافن اللي ورا القرية ، فيه زير مية متغطي بغطا خشب وعليه كوز صفيح ، والأوضة على إيدك الشمال وإنت داخل …

  • إحنا فين ؟ وإيه اللي بيحصلنا دة ؟ وليه إحنا ؟ وإنت مين ؟ والراجل اللي شوفناه برة دة مين ؟
  • إهدي يا ميريام ، إهدي

أحمد كان شوية متماسك ، ميريام كانت يادوب ساندة نفسها بالعافية من كتر الرعب والذهول اللي هي فيه من اللي بيحصل حواليها …

  • أنا الشيخ ابراهيم ، واعظ النزلة ، زمان … القرية دي كان إسمها النزلة ، النزلة بس ، بدون أموات ، وفي ليلة من الليالي ، من ييجي ٢٦٠ سنة ، أهل النزلة قاموا قبل الفجر على صوت جهوري ، جاي من ناحية الجبل ، الصوت كان صوت راجل ، صوت ضخم ، قوي ، عميق وبعيد ، كأنه طالع من تحت الأرض ، الجو كان حر جداً على غير العادة ، الناس طلعت كلها من البيوت ، علشان يلاقوا أغرب وأعجب حاجة ممكن أي حد يشوفها في حياته ، الجبل كله مولع نار لدرجة إنه مش باين ، النار دي كان باين فيها ملامح ، والصوت كان طالع منها ، كأنها هي اللي بتتكلم …
  • والصوت دة كان بيقول إيه ؟
  • كان بيقول … السيد يستقر على العرش
  • يعني إيه ؟ مين السيد دة ؟

الشيخ بص لأحمد وسكت شوية ، وكأنه بيفكر يرد ولا ميردش …

  • الشيطان
  • الشيطان ؟! دة بجد ؟!!!

الشيخ بدون ما يرد هز راسه تأكيداً على كلامه …

  • والناس حصلها إيه ؟!
  • الناس كلها أغمى عليها ، ولما صحيوا الصبح ، كانوا ناسيين هم خرجوا من بيوتهم ليه وازاي ولا إيه اللي حصل ، المفاجأة الوحيدة بالنسبالهم كانت الجبل ، إنه بقى أسود زي ما إنتوا شوفتوه ، بعد ما كان لونه نفس لون باقي المنطقة اللي حواليه …

ميريام كانت بتسمع اللي بيتقال وهي في حالة صدمة وذهول ، أحمد شوية كان متماسك عنها زي ما قولتلك ، بس أكيد كان فيه سبب مخليه متماسك كدة بالرغم من إنه بردو خايف ومرعوب …

  • الناس كلها لما فاقت الصبح ، لقيوا واحد جاي من ناحية الجبل ، كان حراز ، حراز دة كان عايش زمان في النزلة لوحده ، مكانش بيكلم حد ولا حد كان بيكلمه ، ولا حد يعرفله أصل ، وكانوا بيقولوا عليه مجذوب ، وملبوس ، ومسحور ، وناس كانت بتقول عليه ساحر ، المهم إنه كان الوحيد اللي بيروح الجبل ويغيب فيه أيام وأسابيع محدش يعرف عنه حاجة ولا بيشوفه ، وفجأة يرجع ، وكان دايماً بيرجع قبل الفجر
  • كان بيروح يعمل إيه ؟
  • حراز الحقيقي مات قبل اللي حصل دة ما يحصل بخمس سنين
  • يعني إيه ؟
  • يعني دة مكانش حراز
  • أومال كان مين ؟
  • الشيطان في هيئتي

الإجابة كانت صادمة بكل المقاييس ، خاصة لميريام ، يعني اللي إحنا شوفناه دة كان الشيطان ! اللي كلمنا وكلمناه دة كان الشيطان ! الشيطان بنفسه ! يا نهار إسود ، الشيطان ، إحنا كنا أودام الشيطان !

  • طيب إحنا إيه علاقتنا بالموضوع دة ؟ وليه إحنا أصلاً ؟ وانت يا شيخ إبراهيم ، إزاي عايش هنا لوحدك ؟
  • أنا مش عايش هنا ، أنا مدفون هناك

لتاني مرة خلال دقايق ، أحمد وميريام بيتفاجؤوا برد صادم خارج حدود الخيال والتوقعات ، بس المرة دي ، ميريام معرفتش تسيطر على نفسها من الرعب ، فقامت علشان تخرج من البيت ، في محاولة للهروب من اللي بتسمعه ، لكن الشيخ إبراهيم مسكها بقوة من دراعها ، وبصوت أقرب للعنف وبلهجة تحذيرية آمرة …

  • لو خرجتي هتموتي ، مينفعش تخرجي دلوقتي

ميريام مع الكلمتين دول ، مكانش أودامها غير الاستسلام بذهول ورعب مفرطين ، فرجعت قعدت مكانها وهي بتترعش بصورة بشعة …

  • الطلسم اللي هيحرر النزلة من سيطرة الشيطان ، اتفتح واتقرا ، وبقى تنفيذه واجب نافذ ، الطلسم دة أنا اللي كتبته قبل ما أموت ، بس مكانش ينفع أنا اللي أنفذه ، من قوته وقوة القائمين عليه ، كان لازم حد تاني يفتحه ويستحضر مفعوله ، وحد تالت هو اللي ينفذه
  • يا شيخ إبراهيم ، يا شيخ إبراهيم ، أنا فهمت كل كلامك ، لكن اللي مش فاهمه ، إحنا مالنا بكل اللي بتقوله دة ، ويعني إيه إنت مدفون هناك ومش عايش وقبل ما أموت ؟!
  • إنتوا أجسادكم لسة نايمة في بعدكم الزمني ، أرواحكم هي اللي اتنقلت لبعد زمني تاني ، علشان تقدروا تيجوا هنا ، وأقولكم تعملوا إيه
  • يعني انت مين ؟
  • أنا روح الشيخ إبراهيم
  • روحه ؟!
  • أيوة
  • طيب ليه إحنا ؟
  • إنت اللي فتحت الطلسم

علامات الحيرة والذهول اللي اترسمت على وش أحمد كانت مرعبة ، عينه كانت هتطلع من مكانها من كتر التبريق في الشيخ ، قلبه كان بيدق وكأنه مركز زلزال ، نفسه كان متسارع وكأنه إعصار …

  • أنا ؟! إزاي ؟! إمتى ؟!
  • قلب الشيطان
  • دة كتاب والدي ! الكتاب القديم اللي عندنا في البيت !
  • الكتاب دة أنا اللي كتبته ، وجواه كتبت الطلسم ، وانت اللي قريته ، وانت اللي هتوديه للي هيحرر النزلة من سيطرته ، وهيدمر عرشه
  • يعني إيه هيحررها ؟ هي فين الناس أصلاً ؟
  • الناس ماتت بالطاعون من زمااااان ، أجسادها إتحللت ومتدفنتش ، أرواحها محبوسة ، ولازم تتحرر من سيطرته
  • صوت الهمهمة ؟
  • أيوة … إنتوا في البعد الزمني دة متحصنين منه ، لما ترجعوا احذروا ثم احذروا أي حد يحاول يعطلكم عن مهمتكم ، الكتاب لازم يوصل للشيخ مسعود

أحمد استوعب الموقف ، ودة من حسن الحظ ، ميريام كانت واخداها الدوامة وبتلف في الحلزونة ، تايهة من الذهول والخوف ، الراجل طلع روح ، ومن شوية كانت اودام الشيطان ، حاجة يعني اخر عظمة J

  • هعرف أوصله إزاي طيب ؟ مكانه فين ؟
  • هتعرف … إنتوا لازم تمشوا دلوقتي ، الطلسم ليه مدة زمنية
  • هنمشي إزاي من هنا ؟!

الشيح إبراهيم مردش ، مد إيده ومسك أحمد من دراعه ، ونفس المسكة مسكها لميريام … وفقدوا الوعي

  • ألو
  • ميريام
  • هو اللي إحنا فيه دة بجد يا أحمد ؟!
  • إسمعيني ، أنا لقيت العنوان يا ميريام ، عنوان الشيخ مسعود ، ورقة مكتوبة وموجودة على المكتب يا ميريام
  • يعني دة بجد ؟! مش حلم ؟!
  • دراعي فيه مكان صوابع الشيخ إبراهيم يا ميريام
  • وأنا كمان
  • قابليني بعد نص ساعة في مكاننا
  • أحمد أنا خايفة أنزل من البيت
  • ميريام مفيش وقت للدلع دة ، إحنا لازم نروح للشيخ مسعود دلوقتي
  • طيب يا أحمد ، طيب

طبعاً إنت فاكر الشيخ مسعود اللي اتعرفنا عليه في قصة الرواية الملعونة ، بس هفكرك تاني … القاهرة القديمة ، شارع المعز لدين الله الفاطمي ، وتحديداً حارة برجوان نمرة ٥ ، ورا جامع سليمان أغا السلحدار ، ساكن الشيخ مسعود أبو النصر أكبر وأقدم شيخ في المنطقة ، متخصص في فك أعمال السحر وما شابه ، والدته كانت متجوزة من أكبر قبائل الجن ، قبيلة الميامين (أيوة متستغربش ، متجوزة جني) وبالتالي كانت قوته مختلفة ومتميزة …

  • سلام عليكم
  • وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
  • الشيخ مسعود
  • أيوة يا ابني ، أنا الشيخ مسعود ، إنتوا مين ؟
  • أنا أحمد يا شيخ مسعود ، صحفي ، ودي زميلتي ميريام
  • أعذرني يا إبني ، أنا مش بتكلم مع الصحافة
  • لا يا شيخ مسعود ، إحنا مش جايين بصفتنا صحفيين ، ولا جايين نعمل تحقيق صحفي ولا موضوع صحافة أصلاً ، إحنا جايين ليك برسالة متعلقة بأمر مهم ، مهم جداً
  • اتفضلوا

خلال نص ساعة ، أحمد وميريام كانوا حكوا للشيخ مسعود الحكاية بالكامل ، لغاية نهاية آخر موقف حصل مع الشيخ إبراهيم …

  • ودة الكتاب يا شيخ مسعود
  • بسم الله توكلنا على الله ، قبل ما اخد الكتاب ، لازم تبقوا عارفين إن اللي هيحصل دلوقتي بمجرد ما الكتاب يبقى في إيدي ، مفيش منه رجوع
  • مفيش أودامنا غير إننا نبقى معاك يا شيخ مسعود

الشيخ مسعود مد إيده علشان ياخد الكتاب من أحمد ، وبمجرد ما لمسه ، القلوب اتقبضت ، النفس ضاق ، العيون زاغت … والجميع فقد الوعي

*** إنتهى الجزء التالت ***

 

 

تعليق واحد

  1. كما عودنا دائماً.. يطل علينا الكاتب المبدع احمد الشمندي من جديد بجزء حماسي من رباعية قلب الشيطان ليزيدنا شوقاً و تشويقاً لمعرفة مجريات الاحداث مع ابطال روايته.. في انتظار الجزء الرابع مبدعنا الجميل و تمنياتنا لك دوماً بالمزيد من التألق و الإبداع

زر الذهاب إلى الأعلى