تاريخحكايات وأماكن

كوتسيكا.. قصة أكبر من محطة مترو

محطة مترو كوتسيكا.. يقع حي كوتسيكا بمحافظة القاهرة في منطقة طرة، حيث تكتسب المنطقة الواقعة في جنوب العاصمة شهرتها من خلال إحدى محطات مترو أنفاق الخط الأول (المرج- حلوان) الواقعة بها، وهنا سنتعرف على سر تلك التسمية:

تيودور كوزيكا

وُلد تيوخاري تيودور كوزيكا في اليونان بالقرن التاسع عشر قبل أن يهاجر إلى مصر في تاريخ غير معروف، ثم لحق به شقيقه بوليخروني.

اختار كوزيكا العيش في القاهرة بدلا من الإسكندرية، التي كانت مقصدًا هامًا في ذلك التوقيت للجالية اليونانية بمصر. واسم كوزيكا مشتق من سيرة مكان سكنه الهيلينيون (حركات حاولت إحياء الشعائر الدينية الإغريقية) في العصور القديمة.

كوزيكا يعمر طرة

اختار كوزيكا منطقة طرة بجنوب القاهرة للسكن بها، حيث شعر بحبه الشديد لتلك المنطقة وأراد تعميرها لينشأ أول مصنع للكحول تحت اسم «سبرتو» عام 1893.

وبات مصنع «سبرتو» المورد الوحيد لصناعة الكحوليات والكولونيا بمصر، حيث زاد إنتاجه مع مرور الوقت لتزيد أعداد الأيدى العاملة المصرية به.

وعُرف عن كوزيكا سخائه الشديد سواء مع المصريين أو أبناء الجالية اليونانية، فقام رجل الأعمال اليوناني بالتبرع بأول سيارة إسعاف لخدمة المرضى بمصر، بعدما اشتراها من فرنسا عام 1916.

كوزيكا والمستشفى اليوناني

تعرض أحد العمال بمصنع كوزيكا لحادث أثناء العمل بانفجار إحدى الغلايات فيه، ليتوفى قبل وصوله المستشفى لتلقي العلاج، وهو ما أحزن كوزيكا بشدة ليقرر بناء مستشفى لعلاج المرضى.

وبدأت أعمال الحفر في المستشفى اليوناني يوم 15 مايو 1932 في عهد الملك فؤاد الأول، لينتهي يوم 27 أغسطس 1938، ثم تم افتتاحه في مطلع سبتمبر من العام نفسه.

وقدمت المستشفى اليوناني خدمات صحية على أعلى مستوى للمصريين واليونانيين على حد سواء، حيث كانت من أكبر مستشفيات مصر في ذلك التوقيت.

وبلغ عدد أسرة المستشفى حوالي 250 سريرًا، وهو ما ساهم بشدة في استقبالها للجرحى المصريين واليونانيين خلال أحداث الحرب العالمية الثانية.

علاقة جيدة مع ملوك مصر

حرص كوزيكا على وجود علاقات وطيدة مع ملوك مصر باعتباره رئيسًا للجالية اليونانية بالبلاد، فكان كوزيكا حاضرًا في العديد من المناسبات الملكية، حيث يمكنك مشاهدة صورة شهيرة له بجوار الملك فاروق أثناء افتتاح إحدى بطولات السباحة.

وتوسعت نشاطات كوزيكا في نهاية حقبة مصر الملكية بإنشائه مصنع للنشا والجلوكوز، وكانت غالبية الأيدى العاملة من المصريين.

التأميم وكوزيكا

لم يهنأ كوزيكا بمصانع النشا والجلوكوز سوى سبع سنوات، حيث صدرت قرارات التأميم التي ميزت حقبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1961، ليتم دمج مصنعه مع إحدى الشركات لتمتلكتهم جميعًا الشركة المصرية لصناعة النشا والجلوكوز.

وطالت قرارات التأميم المستشفى اليوناني عام 1961 ليتحول اسمها لمستشفى جمال عبد الناصر، ليتم ضم المستشفى لهيئة التأمين الصحي في أكتوبر 1964.

تكريم كوزيكا

توفى كوزيكا عام 1962 ليودعه المصريون بالدموع مع أبناء الجالية اليونانية، ليتم تسمية المنطقة التي عاش فيها باسمه اعترافًا بأعماله الطيبة.

ونال كوزيكا تكريمًا جديدًا من الحكومة المصرية عند الانتهاء من خط مترو الأنفاق الأول، حيث تم إطلاق اسم كوزيكا الذي تحول إلى «كوتسيكا» على إحدى المحطات الواقعة بين طرة البلد وطرة الأسمنت.

وصدرت رواية تحمل اسم «كوتسيكا» للكاتبة غادة العبسي عام 2021، والتي ترصد تاريخ الجاليات اليونانية في مصر بالعصور الحديثة.

زر الذهاب إلى الأعلى