تاريخ

كيف كشفت رحلة ابن بطوطة بشاعة عالم السياسة وجمال الحضارة في العالم الإسلامي؟

كيف كشفت رحلة ابن بطوطة بشاعة عالم السياسة وجمال الحضارة في العالم الإسلامي؟

كتب- هيثم السايس:

في كتابه الشيّق ابن بطوطة ورحلاته، تحدث الدكتور حسين مؤنس بالتفصيل عن هذه الرحلات التي قام بها الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة، الذي كشف – حسب الدكتور حسين مؤنس – المزيد من جوانب جمال الحضارة الإسلامية على حساب بشاعة السياسة والحرب الذي كان يمزّق الحدود والأوصال لهذه الأمة الواحدة، فما هي القصة وما هو الذي أظهره هذا الرحالة؟

ابن بطوطة .. من أقصى الغرب إلى الشرق .. رحلة طويلة كشفت الكثير

في القرن الرابع عشر الميلادي وتحديداً في العام 1325 م أو 725 هــــ ، بدأت رحلة ابن بطوطة المغربي، وهو محمد بن عبد الله بن إبراهيم اللواتي المنتسب إلى بربر قبيلة لوّاتة المغربية الشهيرة، حيث ولد في طنجة في المغرب، وكان ذو شرف ونسب، حيث كانت عائلته معروفة بالعلم وفي سلك القضاء.

بدأت رحلته مبكراً، حيث كان يرغب في أداء مناسك الحج في مكة، وكان عليه ان يقوم بهذه الرحلة من المغرب مروراً بالعديد من البلدان بطبيعة الأحوال، ولكن استمرت رحلته طويلاً، فبعد أداء مناسك الحج وقع في نفسه حب الرحلة والتطوّاف كما يقول هو في كتابه تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار الذي تم كتابته قبل وفاته من خلال مروياته بعد رجوعه إلى بلده المغرب بعد رحلة استمرت أكثر من ربع قرن.

لقد طاف ابن بطوطة في البلدان الإسلامية من المغرب إلى الصين، وكان شاهداً على جمال الحضارة الإسلامية وتماسك الأمة الواحدة، وشاهداً أيضاً على بشاعة السياسة والحروب.

ما بين السياسة والحضارة

السياسة في تاريخ المسلمين وما ارتبط بها من مؤامرات وحروب وخداع وسطو وقتل كانت بديهية إلى حد بعيد، إنها من طبائع البشر منذ خلق الله الدنيا وما عليها، إنها النفس البشرية التي تسيطر على مقدرات الأمور، ويرتبط بها الحمية القبائلية والدينية والدنيوية في أحايين كثيرة، لينتج عنها مسوخ تحارب بعضها البعض.

لذلك فإن الحروب والسياسة كانت من البشاعة لتصوّر التاريخ الإسلامي على أنه مجموعة من الحروب وما ارتبط بها من خداع ومؤامرات، ولكن تظل الحقيقة أن جامباً مخفياً من التاريخ لا يظهر ألا وهو جمال الحضارة الإسلامية.

هناك ما يمكن تسميته التاريخ الموازي، غنه تاريخ الطبقات الشعبية التي حملت مبادئ الحضارة الإنسانية الفطرية، وطبّقت مبادئ الإسلام السامية النابعة من القرآن والسنة النبوية، هذا التاريخ الموازي كان بيد الناس والطبقات المختلفة سواء طبقة الشعب الفقيرة التي كانت تعيش في أحياء ودروب ومسالك المدن التي مر بها ابن بطوطة في رحلته، أو الطبقة الثرية التي كانت ترعى طبقة العلماء والفقهاء وصغار الطلبة والغريب وابن السبيل بأموالها وتكاياها وهي جمع تكية وهو مكان يجتمع العباد وطلبة العلم والغرباء وتجري لهم العطايا والهبات والطعام والشراب.

إلا أننا في حاجة لمزيد من التفصيل لمعرفة جمال هذه الحضارة الإسلامية التي لا نعرف عنها الكثير، وسنعيش رحلة ابن بطوطة ببعض تفاصيلها لنتعرف أكثر عن هذه الحضارة بعيداً ما ما قيل عن بشاعة السياسة التي لا نتحدث عنها، فقد رأينا منها الكثير في التاريخ، لذلك نتركها لنذهب إلى آفاق وسعة وجمال حضارتنا السابقة.

ابن بطوطة ورحلته .. كيف تكشف عن جمال الحضارة والناس على حد سواء

IMG 20200219 WA0011

الحضارة لها العديد من التعريفات ولكن ما يهمنا، هو أن كل مبدأ نظري يتم تطبيقه لينفع به المجتمع فهو نوع وصنف من الحضارة، لذلك فقد كان جمال المسلمين في عصر ابن بطوطة وما قبله بقرون خلت في تطبيق المبادىء الحضارية للإسلام.

لقد طاف ابن بطوطة في العديد من البلدان من بلده المغرب حتى مكة في رحلته الأولى مروراً بالمغرب الأقصى والأوسط ( الجزائر – تونس الحالية ) ثم المغرب الأدنى ( ليبيا) ثم مصر ثم دخوله الحجاز، حيث أدى مناسك الحج.

ثم بعد ذلك رحلته إلى الشام كله ثم الأناضول ( تركيا الحالية ) ثم ذهابه إلى العديد من البلدان الآسيوية مثل بلاد ما وراء النهر والهند ثم سيرلانكا وبلاد المالديف ثم عرج على الصين ودخل بكين عاصمة إمبراطوريتها، ثم قفل راجعاً إلى المغرب مروراً بجميع البلدان السابقة، ليقوم برحلة تالية نحو الأندلس ( إسبانيا الحالية ) ثم جنوباً حيث إفريقيا الغربية حيث مالي والصحراء الكبرى والساحل الغربي الإفريقي ثم رجوعه مرة اخرى إلى المغرب موطنه.

رحلة كبيرة وعظيمة اكتشف فيها ابن بطوطة العديد من أصناف البشر وخالطهم وتعرض للأخطار المتعددة، إلا أنه اللافت للنظر هنا وما يهمنا المؤسسات الاجتماعية التي كانت ترعى الغريب من المسلمين مثل نظام الزوايا والتكايا ودور الضيافة التي أنشأها رجال الصوفية وبعض من أهل الخير وكبار رجال الدولة.

كان ينتقل ابن بطوطة دون حرج في هذه البلدان، دون جواز السفر أو صك من من السلطان المغربي مثلاً للقيام بتلك الرحلة، بل إنه كان مواطناً مسلماً في كل بلد ينتقل إليه، بل المدهش أنه لم يكن يقوم بحمل الطعام والشراب فهو لا يحمل همّاً لذلك، فدور الضيافة موجودة في كل حي ودرب ومدينة يقوم بزيارتها.

IMG 20200219 WA0004

كما توجد الفنادق المجانية في جميع الطرق التي كان يسير فيها ابن بطوطة في جميع البلدان، لذلك لم يحمل هم المأوى، وهنا تتجلى المبادىء الحضارية الإسلامية في إكرام الضيف وإعانة المحتاج والغريب وابن السبيل والمسكين والفقير.

بل حكى ابن بطوطة في كتابه عن نظام المدارس والتعليم وطلبة العلم التي كانت تعتبر فئة مقدرة في جميع البلدان، وعن نظام الطرق الصوفية في العديد من البلدان مثل الأناضول، والصناعات المختلفة المزدهرة في كل أحياء المدن، وعن الفواكه التي كانت تزرع وجميع تفاصيل الحياة المزدهرة التي كانت يعيشها المسلمين بغض النظر عن الحروب والانقسامات السياسية البشعة التي كانت تحدث.

وكأن رسالة ابن بطوطة من رحلته التي امتدت نحو ربع قرن من الزمان كانت تؤكد لنا أن هناك فرقاً بين الانقسامات السياسية التي كانت تطل برأسها في كواليس القصور ومخادعها، وبين ترابط الأمة الواحدة من أسوار الصين وحتى غرب أفريقيا والأندلس على المحيط الأطلسي، فنظام التعليم واحد والمبادئ في إعانة الفقراء والمحتاجين واحدة والنظام القضائي لا يختلف كثيراً، والبحث العلمي في الزراعة والصناعة واحدة، ونظم التجارة واحدة، والانفتاح على الغير واحد، وربما كانت هذه من جماليات الحضارة الإسلامية التي لا يتم البحث عنها ربما جهلاً أو عمداً في بعض الأحيان لتتصدر صورة المذابح والسياسة ومفارقتها المضحكة المبكية في التاريخ.

 

زر الذهاب إلى الأعلى