“المبدع الحقيقي، إما سارق طيب، أو مجدد ماكر.. ولكن أن تجد مبدعًا صادقًا مجددًا.. مستحيل.”
ظهر مصطلح “نحت الأفلام” مؤخرًا في مصر للدلالة على الأفلام التي تُصنَع دون مجهود يذكر، بغرض تحقيق الربح السريع، دون النظر إلى القيمة التي يقدمها الفيلم، أو كيفية استقبال المشاهدين للعمل، المهم “نبيع”.
وقد يختلط عليك التفريق بين “أفلام المقاولات” و “الاقتباس” و”النحتاية”.. فالمقاولات هي أفلام لا تطأ صالة العرض، ويتم بيعها مباشرةً إما للقنوات العربية أو لشركات الطيران.. أما الاقتباس فجميعنا معرض له.. يكفي أن تعرف أن “كريستوفر نولان” بجلالة قدره اقتبس رائعته الأهم –في رأيي- inception من إحدى قصص مجلة ميكي، ويكفي أن تراجع تصريحات مخرجين هوليوود العالميين، والذين يتحدثون عن كون إلهامهم الأول هو أفلام الأنيمي اليابانية.
ولكن لأنهم “هوليوود” فهم يضيفون الكثير من الجهد والقيمة على الفكرة الأصلية، على عكس “النحت السهل” و فن مصري خالص، قررت أن أضع له بعض القواعد لتكون دليلًا لمن يحلم بفيلم “منحوت”:
1- الحشو:
حشو الأحداث والشخصيات التي لا داعي لها بدأ مع بداية فن السينما في مصر، لكن “حشو” زمان غير حشو الأفلام الحديثة، فحشو الماضي كان عبارة عن أغنية لبطل الفيلم إن كان مطربًا، أو فقرة رقص لـ”سامية جمال” أو “تحية كاريوكا”، أو استعراض “هولا هوب” أو مونولوج لإسماعيل ياسين أو منير مراد، أو مشهد صلاة في أحد المساجد الشهيرة بالقاهرة.. أو حتى شجار غير مبرر على أحد المقاهي الشعبية (الأمر الذي سخر منه فؤاد المهندس في فيلم سفاح النساء).
وبالطبع أحتاج سلسلة من المقالات للحديث عن الحشو الحالي في السينما، ومصطلح أفلام “العيد” التي تخرج لنا في شكل “حشو طلع له فيلم” مع الكثير من الراقصات “ذوات اللحوم المصنعة” و “محمود الليثي”.
2- الحشر:
قيل عن “الحشر” أنه اختلاق مشاهد بعينها ومحاولة الزج بها في الحبكة لصناعة دراما هشة.. أو اللجوء لتيمات محفوظة يسهل ارتجالها لضمان نهاية معينة للفيلم.
سأحاول تفادي لكمات قراء المقال حين أقول أن “محمد هنيدي” هو أكثر من استخدم تيمة “الحشر” في جلب تذاكر لأفلامه، لا شك أن هنيدي هو أفضل ممثل كوميدي في العصر الحديث.. لكنه في نفس الوقت أكثر من ابتز الجمهور عاطفيًا بحشر مشاهد مناهضة للاحتلال الإسرائيلي وأحيانًا الإساءة الدينماركية في فيلم كوميدي بالأساس لا يتحدث عن أي قضية وطنية أو دينية من قريب أو بعيد، نفس الأمر تكرر مع أفلام بداية الألفية الجديدة وسط موجة “الحلم العربي”.
3- ترجمة الأفلام:
أدرك الفارق بين الاقتباس أو التمصير، وبين “النحت” والترجمة..
فقد أنتج الاقتباس أعمالًا مخلدة في تاريخ السينما المصرية مثل “الإمبراطور” و”شمس الزناتي”، وأعمال أفضلها بشكل شخصي مثل “التوربيني” و “الرجل الأبيض المتوسط” و “أمير الظلام” و “أمير الانتقام”.
أما ترجمة الأفلام و”نحتها” من الخارج دون بذل أي مجهود يشكر، فيظهر واضحًا في أعمال مثل “جيم أوفر” و “جوازة ميري” و “الحب كده” و “أمن دولت” و “حبيبي نائمًا”.. وهو أمر لا تحتمله مرارة المشاهد بالطبع.
4– أعمال الديدلاين:
“أن تصل متأخرًا، أفضل من أن تنحت كي تصل مبكرًا”
هذه حكمة أتمنى من صناع المسلسلات بالتحديد الإيمان بها، فالإبداع مفتاحه الصبر، وإعطاء كل شيء وقته، وكم من فرص ثمينة ضاعت بسبب رغبة المخرج في اللحاق بالـ”سيزون” الرمضاني.. أذكر مثلًا رائعة “خاتم سليمان” التي بدأت كمعزوفة هادئة شاعرية، وفرصة لتخليد أسماء أصحابها في أرشيف الدراما العربية.. ولكن مع الوقت وتأخر تسليم الحلقات خرجت الحلقات الأخيرة من المسلسل سيئة مهلهلة، وقد خرج بعضها دون هندسة صوت من الأساس، واعتذر الصناع عن هذه الأخطاء، ولكن الجمهور لم يقبل العذر.
5 – نحتاية أكشن:
من أشهر أعمال “النحتاية” المنتشرة مؤخرًا عربيًا وعالميًا، هي بيع “الأكشن” دون قصة، وقد ظهر هذا في أعمال محلية مثل “حرب كرموز” و “هروب اضطراري”.. فالفيلم خالٍ من أي أحداث، لكنه عبارة عن تجميع مطاردات بالسيارات والموتوسيكلات وخدع الـVFX، واستعراض لما وصلت إليه السينما المصرية من تطور في هذا المجال، وقد أحرزنا تطورًا حقيقيًا بالفعل في هذا المجال..
ولكن تكلفة “الورق” كما تقولون عنه لن تبلغ نصف تكلفة معركة واحدة مما تستعرضون بها.. لذلك لا مانع من تذكر عنصر “السيناريو”.
في النهاية لا يوجد مبدع غير “نحيت” وقد يكون هذا المقال في الأصل “نحتاية” من كاتبه، لأنه يريد تسليم عمله للجريدة في موعدها، ولأن بصره يعاني مؤخرًا مع قراءة الترجمة، فأراد حديثًا مصريًا خالصًا، وحنينًا لأفلام بلده المنحوتة حتى تشفى عيناه.. وأظنه قد وجد ضالته.