لماذا توصف سويسرا بالدولة المحايدة؟
لماذا توصف سويسرا بالدولة المحايدة؟.. تقع دولة سويسرا في قلب القارة الأوروبية، حيث تحدها خمس دول، وهي ألمانيا من الشمال وإيطاليا من الجنوب والنمسا وإمارة ليختنشتاين من الشرق وفرنسا من الغرب، وتكتسب الدولة شهرتها من المناظر الطبيعية الخلابة بها ووضعها الحيادي الذي يجعل البعض يعتبرها نموذجًا أشبه بالمدينة الفاضلة، التي تحدث عنها الفيلسوف الإغريقي الشهير أفلاطون.
معنى الحياد
يُلزم قانون الحياد الدول المعنية به بعدم المشاركة في الحروب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويتعين على الدول المحايدة أن تعامل المتحاربين على قدم المساواة، فلا تسمح بالتحليق في مجالها الجوي أو التزويد بالأسلحة لأي طرف من الأطراف المُتحاربة، حتى من خلال أطراف ثالثة.
ويأخذ الحياد أشكالًا مختلفة، فقد تكون الدولة المحايدة منزوعة السلاح بلا جيش نظامي مثل كوستاريكا وأندورا، وقد تكون الدولة محايدة تجاه الحروب، مع وجود جيش نظامي لديها، يهدف إلى ردع الأعداء في حال الاعتداء على أراضيها، وهو ما ينطبق على سويسرا.
سبب قصة الحياد السويسري
عانت سويسرا من ويلات الحروب على مدار التاريخ مثل باقي الدول الأوروبية حتى جاءت نقطة التحول من خلال معركة «مارينيانو»، التي وقعت بين الاتحاد السويسري وفرنسا عام 1515، وشهدت تكبد الجانب السويسري خسائر فادحة وصلت إلى مقتل نصف محاربيها، ليقرر السويسريون بعدها إقرار مبدأ الحياد والعيش في سلام بعيدًا عن الحروب.
واعترفت القوى الأوروبية الكبرى بمبدأ الحياد السويسري واعتبارها منطقة معزولة عما يدور من حولها من حروب، فلم تتأثر البلاد بحروب نابوليون أو الحربين العالمية الأولى والثانية، في ظل رفض سويسرا التام الانضمام لأي تحالف أو منظمة سياسية أو عسكرية.
سويسرا تنتهج الحياد الإيجابي
لم يمنع مبدأ الحياد السويسري البلاد من تعبئة جيشها وقت الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، بهدف منع استغلال حدودها من قبل الأطراف المتحاربة لشن الهجمات لتقوم بالفعل بتدمير بعض الطائرات التي اقتحمت مجالها الجوي، وهو ما جعل البلاد بمثابة قبلة يتجه إليها الثوار، الفنانون، الأدباء وكل الهاربين من ويلات الحربين العالمية الأولى والثانية.
وحرصت سويسرا على تطوير مفهوم الحياد لديها بالمشاركة في العديد من المنظمات الهادفة، لتقديم خدمات إنسانية لكافة البشر بغض النظر عن أعراقهم، والتي كان أبرزها منظمة الصليب الأحمر المعنية بتقديم المساعدات لضحايا ومتضرري النزاعات المسلحة، بالإضافة لمنظمة الثقافة والتربية والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، منظمة الصحة العالمية، منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة العمل الدولية وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة.
وساهمت سويسرا بشكل مباشر من خلال منظمة الصليب الأحمر في وضع حجر الأساس، لما يُعرف بالقانون الدولي الإنساني الذي ينص على ضرورة توفير الغذاء، الماء والمساعدات الطبية للمدنيين المتضررين من الحروب، بالإضافة لتفقد أحوال الأسرى والمدنيين المحتجزين والبحث عن المفقودين.
سويسرا والحياد الاقتصادي
لم تكتف سويسرا بمبدأ الحياد على الصعيد السياسي، فاتبعته بمبدأ الحياد على المستوى الاقتصادي من خلال قانون شرعته البلاد عام 1934، لحماية خصوصية جميع المودعين بالبنوك السويسرية، حتى ولو كانوا من خارج البلاد.
ونص القانون السويسري على منع إفشاء أي معلومات مصرفية لأي سبب، فلا يمكن الاطلاع على هوية المودعين الذين لهم الحق في استخدام اسم مستعار أو كود رقمي لفتح حسابهم، وهو ما ساعد على تدفق الأموال لدى البنوك السويسرية على مدار ما يقرب من 100 عام، علمًا بأنه في حال وفاة العميل أو اختفائه، فإن أمواله تظل بمثابة حسابات «نائمة» في البنوك لمدة قد تصل إلى ستين عامًا، دون الكشف عن هويته.
واجهت سويسرا ضغوطًا مكثفة من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشأن نظامها المصرفي، الذي يساعد على تهريب الأموال والثروات غير المشروعة، وهو ما جعل الجانب السويسري يتعاون معهم بشكل أكثر مرونة في السنوات الأخيرة، لاسيما بعد اعتراف حوالي 150 مصرفًا سويسريًا ومؤسسة مالية بارتكاب مخالفات قانونية في الدول، التي تعمل بها والمساهمة في تهريب وإخفاء ودائع الأثرياء في حسابات سرية.
حياد على المحك
فجرت الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة بعض التساؤلات حول حقيقة الحياد السويسري، في الوقت الحالي بعدما انضمت سويسرا إلى العقوبات المفروضة من طرف الاتحاد الأوروبي على روسيا، بالإضافة إلى تجميد ما يتجاوز قيمته 6 مليارات من الجنيهات الإسترلينية من الأصول الروسية في البنوك السويسرية، وهو ما أثار حفيظة حزب الشعب السويسري الذي رأى في ذلك الموقف تخليًا عن مبدأ الحياد المنصوص عليه في الدستور الفيدرالي للبلاد، فيما رأى المعسكر الليبرالي الذي يضم الغالبية الحكومية الموقف السويسري ممثلًا لمبدأ الحياد الإيجابي.
ويواجه مبدأ الحياد السويسري ضغوطًا مكثفة في الفترة الأخيرة لتقديم المزيد من التنازلات، بعدما منعت سويسرا دولًا أعضاء في الحلف الأطلسي (الناتو) من التحليق في أجوائها، بسبب تزويدها أوكرانيا بالأسلحة، بالإضافة لرفضها السماح لألمانيا والدنمارك بنقل دبابات وذخائر مُصنّعة في سويسرا إلى أوكرانيا.