حين تُذكَر دراما السرقات، فإن أول ما يتبادر لذهنك هو المسلسل الإسباني La casa de papel، وإن كنت “قديم ومدقدق” تذكرت سلسلة Ocean’s أو The Italian job، أو أفلام المافيا المميزة لحقبتي الثمانينيات والتسعينيات.. وإن كانت ثقافتك الأجنبية محدودة، ستذكر على الأقل “مقلب حرامية”، أو “عصابة حمادة وتوتو”.. وهو مجهود أكثر الله من خيرك عليه.
لكن الحكاية أقدم كثيرًا من كل هذا، حكاية أفلام السرقات تبدأ مع عام 1903، حيث فيلم The great train robbery، للمخرج Edwin S. Porter.. والذي يعد من أهم رواد صناعة السينما في العالم، مجرد فيلم صامت مدته 12 دقيقة، لكنه كان بداية لأعمال أخرى تعلق بها الجمهور..
والآن، سنعرف لماذا نفضل جميعًا أفلام السطو والسرقات على غيرها من نوعيات الأفلام الموجودة.. ولماذا هي التيمة الأقرب لقلوب صناع السينما..
1- “الجمهور عايز كده”: أفلام السرقات أعمال قائمة على القصة الدرامية، وليس على الشخصيات ذات الأبعاد المعقدة، كما أن عملية السرقة نفسها تتطلب تنوعًا في مهارات أفراد العصابة وشخصياتهم، مما يسمح بتواجد أكثر من “نجم شباك” في عمل واحد، دون أن يسرق أحدهم الأضواء.. وهي الفكرة التي تستهوي جمهور السينمات.. ولأن نجاح الفيلم مضمون، فلا يخاف المنتج من الإنفاق على أجور طاقم العمل..
فمثلًا يمكنك أن تبيع فيلمًا مثل Ocean’s thirteen بأسامي الأبطال فقط، حتى وإن ظهروا على الشاشة مبتسمين لا يفعلون شيئًا طيلة الأحداث، كذلك نفس الحال في الفيلم المصري “ولاد رزق”، وغيرها من الأعمال التي تسمح بتواجد أكثر من بطل دون إثارة المشاكل.
2- الثقافة الشعبية: تحتل قصص “روبن هود” مكانة لا تتزحزح في نفوس جميع فقراء العالم، وهو الفارس الإنجليزي الأشهر في القصص الشعبية الخاصة بحقبة العصور الوسطى، والذي كان يحيا وسط جماعته في غابات شيروود الملكية، ويقوم بسرقة الأسياد لأجل توزيع ما سرقه على الفقراء. وعلى الجانب الآخر نالت سيرة “علي الزيبق” مكانة فريدة في الوعي الجمعي للمصريين، نتيجة لما كان يمثله من تحقيق قيمة العدل، وإعادة توزيع الثروات على العوام، فمثلما تسرقنا السُلطة.. يسرق الزيبق وجماعته من “الشطار”. لذلك تجد أفلام السرقة من الجمهور رواجًا عن وعي أو غير وعي لمثل هذه الأفلام، التي ترتبط معه بأبطال حواديت طفولته.
3- التنوع الدرامي: أفلام السرقات تتيح “قماشة” واسعة من الأحداث والحبكات، فمن الممكن أن يجمع الفيلم بين التشويق والكوميديا والدراما والرومانسية والحركة، وكذلك الإغراء الأنثوي.. وهذه تقريبًا جميع الصفات المشتركة في الأفلام الناجحة.. أفلام السرقات توفر كل هذا؛ دون أن يكون مدفوعًا عليها أو خارج التبرير الدرامي.. فأثناء السرقة؛ كل شيء وارد.
4- تنمية بشرية: الجملة المشتركة بين جميع أفلام السرقات “هذا المكان يستحيل سرقته.”.. لكنه دائمًا ما يُسرَق في النهاية. هذه الجملة هي مفتاح يداعب رغبة خفية لدى المشاهد في النجاح.. فإذا كانت هذه الجماعة البسيطة التي تظهر غباءً في بعض الأحيان قادرة على سرقة هذا المكان الحصين، فلماذا لا نخرج من قاعة السينما لنواجه مشاكلنا ونحقق المكاسب في مضمار الحياة؟!
5- لصوص ظرفاء وضحايا ليسوا كذلك: في فيلم Going in style: يقوم ثلاثة رجال مُسنين بسرقة بنك نهب أموال تقاعدهم..
وفي مسلسل La casa de papel تقوم جماعة من الشباب الأذكياء وذوي الطموح بالسطو على دار السك الخاصة بالدولة.. وفي سلسلة ocean’s يقوم “دانييل أوشن” وجماعته المحترفة بالهجوم كازينوهات يديرها مجموعة من الأشرار. في الثلاثة أمثلة السارق لديه سبب يُحَبُ لأجله، إما أن يكون مظلومًا أو ذكيًا أو خفيف الظل، متعلم ذو مظهر جذاب.. كذلك الاحترافية واتقان العمل والذكاء في تنفيذ المهمة، كما أن اللصوص في أفلام السرقات –على عكس الواقع- غالبًا لا يميلون للقتل أو إلحاق ضرر متعمد بالرهائن.. علاوة أن دوافع الأبطال للسرقة تكون نبيلة يشوبها شيء من الاضطرار لفعل الخطأ..
لذلك كثيرًا ما نسمع جملة “هذه عمليتنا الأخيرة” لضمان محبة المشاهد الذي يهيم حبًا بفكرة التوبة بعد الفوز بمنافع الإثم دون عقاب واضح. وعلى الجانب الآخر لا تقدم لك الحبكة أي مبرر للتعاطف مع الضحية التي تتعرض للسرقة، فدائمًا ما يكون العدو المشترك غير محببًا للجمهور، فالضحية غالبًا ما تكون برجًا عاجيًا لا يستحق التعاطف إما أن تكون بنكًا لديه من السياسات ما ينفر المشاهد العادي.. أو أن تكون الدولة هي الضحية (وبالطبع لن يتعاطف أحدنا مع حكومته مهما كان موقعه من العالم)..
أو أن يكون مكانًا موبوءًا كالكازينو؛ مكان يطلق العنان لأبشع الشهوات الإنسانية: المقامرة والجشع. كل هذه الأسباب تجعل محبة السارق وكره الضحية ليست بالأمر العسير.. جميعنا مصاب بمتلازمة ستوكهولم، حتى صناع هذه الأعمال.. جميعنا نخضع للمجرم ونتغاضى عن مساوئه.. حتى وإن أنكرنا.
المقال أكثر من رائع، بالتوفيق
مقال حلو حدا كالعادة
👏👏👏
برنس يا جوايش
هايل خصوصا نقطة لصوص ظرفاء وضحايا ليسوا كذلك حسيتها جدا على أفلام كتير