ثقافة وفنون

لماذا يحدث؟ تأثير مانديلا.. حقيقة لا تمت للواقع بصلة

تأثير مانديلا.. كم من المرات التي استعدت فيها ذكريات عن حدث أو معلومات وكنت تعتقد أنها حقيقية، ولكنها ليست كذلك، هذا ما يطلق عليه تأثير مانديلا «The Mandela Effect»، وهو مصطلح أطلق على ظاهرة الذكريات الجماعية الخاطئة، حيث يتفاجأ الناس أن لديهم نفس المعلومات المغلوطة عن شيء معين بنفس التفاصيل، ويعتقدون أن هذه الذكريات حقيقية وحدثت بالفعل، إلا أنها لا تمت للواقع بصلة.

أصل التسمية

تمت صياغة هذا المصطلح في عام 2009 من قبل الباحثة فيونا بروم، كانت ذاهبة إلى مؤتمر وتتحدث إلى أشخاص مختلفين، وتحولت إحدى المحادثات إلى نيلسون مانديلا، الناشط في مجال حقوق الإنسان في جنوب إفريقيا، والذي سجنه نظام الفصل العنصري، ثم أطلق سراحه بعد 27 عاما في السجن، وأصبح رئيسا لجنوب إفريقيا.

ومع ذلك، كانت بلوم نفسها ومحاوروها مقتنعين بأن مانديلا توفي في السجن بالثمانينيات، حتى أن الكثير ظنوا أنهم شاهدوا خطاب جنازة زوجته في الأخبار، ولكن في الواقع توفي نيلسون مانديلا في عام 2013 محاطا بعائلته.

يؤكد دانيال شاكتر، عالم النفس والأستاذ بجامعة هارفارد، أن «الذكريات هي مجموعات نفسية من ردود الفعل العاطفية والإدراك البصري والسمعي، إنها تعكس فقط موقفنا تجاه ما حدث وليست سجلات موثوقة لما حدث، وعندما تتشكل البقع الفارغة في الذكريات بسبب حقيقة أن الدماغ ليس لديها كل المعلومات حول الحدث، فإنه يفكر بشكل مستقل في الأجزاء المفقودة بناء على الارتباطات والتجارب الحالية، تعرف هذه العملية باسم «Confabulation».

ويقول كريستوفر دواير، عالم النفس والمحاضر في جامعة شانون للتكنولوجيا في أيرلندا: «لا يحب الناس عدم اليقين لأنه يخلق الخوف والتوتر ».

أمثلة على تأثير مانديلا

في عام 2020 عندما زار الرئيس الفرنسي ماكرون الفنانة اللبنانية فيروز لإحياء ذكراها، تفاجئ الكثيرين لأنهم كانوا معتقدين أنها توفيت منذ فترة طويلة.

تعتقد الناس أيضا أن ليوناردو دي كابريو حصل على جائزة الأوسكار في وقت قريب جدا، إلا أنهم يتفاجأون بأنه حصل على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل لأول مرة عام 2016.

الطريقة التي يكتب بها اسم الشيكولاتة الشهيرة حول العالم «كيت كات»، الكثير من الناس يظنون بأن هناك شرطة (-) تفصل بين «kit-kat»، إلا أنها تكتب بهذا الشكل «kit kat» من دون شرطة بين الكلمتين.

لماذا يحدث تأثير مانديلا؟

الأكوان المتوازية

هناك العديد من النظريات التي تفسر ظهور الذكريات الزائفة الجماعية، ويأتي أحد أكثر التفسيرات غرابة لـ«تأثير مانديلا» من الفرضية القائلة، بأن هناك العديد من الأكوان المتوازية، التي تتفاعل مع بعضها البعض افتراضيا، يمكن للناس الانتقال من واقع إلى آخر، وهذا يجعلهم يحتفظون بذكريات من أكوان مختلفة.

على سبيل المثال، في الكون رقم A12، توفي نيلسون مانديلا في السجن بالثمانينيات، وفي الكون رقم B34، توفي في المنزل عام 2013. في نفس الوقت، الأشخاص الذين عاشوا في A12 وهم الآن في B34 سيلتزمون بالنسخة التي حدثت لهم في A12. وبسبب هذا، سيكون لديهم ذكريات ستعتبر كاذبة في B34. يبدو وكأنه شيء من عالم الخيال العلمي، وحتى الآن لم يجد العلماء دليلا على وجود الكون المتعدد.

ذاكرة كاذبة

هي ذاكرة في عقلك تبدو حقيقية ولكنها ملفقة جزئيا أو كليا، معظم هذه الذكريات الكاذبة ليست خبيثة أو ضارة عن عمد، ولكنها عبارة عن عمليات نقل أو إعادة بناء للذكريات التي لا تتوافق مع الأحداث الفعلية، أثناء النوم يتم نقل الأحداث من الذاكرة المؤقتة إلى الذاكرة الدائمة، لكن هذا النقل ليس مطلقا، مما يعني أنك قد تفقد أجزاء من الذاكرة، وهذا عندما تتشكل ذكريات كاذبة في ذاكرتك، يمكنك الجمع بين عناصر أحداث مختلفة في حدث واحد على سبيل المثال، عندما تسترجع ذكرى معينة، فإنك تتذكر الحدث الذي حدث، ولكن الجدول الزمني يمكن أن يكون مربكا، مع اختلاط أحداث متعددة تصنع ذكريات فريدة في عقلك.

تأثير الإنترنت

لا تقلل أبدا من قوة الإنترنت في التأثير على الذاكرة، ولعل ظهور تأثير مانديلا في العصر الرقمي ليس من قبيل الصدفة، لأنه يعد وسيلة قوية لنشر المعلومات الخاطئة وسوء الفهم والأكاذيب ومن ثم، يبدأ الناس في خلق مجتمعات مبنية على هذه الأكاذيب، وما كان متخيلا يوما ما يبدأ يصبح حقيقيا، تماما مثل ظاهرة مانديلا وبما أن كل شخص لديه تجربته الخاصة أو ذكرياته الخاصة بالحدث، فإن هذه الذكريات الكاذبة يمكن أن تؤثر على ذاكرة الآخرين، وتتلاعب بذاكرتهم لتذكر الحدث بنفس الطريقة، وأن تذكر شيئا ما بشكل متكرر يمكن أن يزيد من ثقتك في ذاكرتك، حتى لو أصبحت أقل دقة مع مرور الوقت.

ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يقدمون تفاصيل غير صحيحة، تصبح هذه التفاصيل جزءا لا يتجزأ من ذكريات الآخرين كحقيقة وتعزز اعتقادهم بأنها صحيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى