سينما

لماذا Parasite؟

بقلم عبدالرحمن جاويش

لماذا Parasite؟

الطفيلي ببساطة هو “كائن حي يستخلص غذائه من كائن حي آخر يدعى العائل أو المضيف، ولا يستطيع هذا الطفيلي الحياة بمفرده أبدًا”..

وحين اختار المخرج “بونج جون-هو” هذا العنوان لأحداث فيلمه.. كان يجب على الأكاديمية إعطائه “أوسكار” خامسة على دقة اختيار الاسم، فهو لا يصف حال شخص ولا أسرة ولا حتى طبقة، بل يجسد اتجاهًا رئيسيًا في المعيشة الإنسانية.. فحين تقسو الرأسمالية على أضعف أبنائها، يبحث الجميع على العائل؛ فيذيقوه قبسًا من تعاستهم.

بدأت حكاية “الطفيلي” منذ عشرات السنين، أثناء دراسة المخرج “بونج جون-هو” في الجامعة، حين اضطر للعمل لدى إحدى الأسر الثرية، وقد علق في ذهنه نمط المعيشة الفارهة في نظره كأحد أبناء الطبقة المتوسطة، فشعر بضيق من الفجوة الشاسعة بين البشر..

لم يدرِ حينها أن هذا الشعور المزعج سيكون إلهامًا لأعظم إنجازات حياته، وأكثر تجاربه الفنية صدقًا، وأن هذه الصدمة الطبقية ستجعله يربح أربعة جوائز للأوسكار، علاوةً على السعفة الذهبية، وجائزة جولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبي.

يروي الفيلم  الكوري باختصار قصة “كي وو” الشاب ابن الطبقة الفقيرة، والذي يتم تزكيته من أحد أصدقائه للعمل كمعلم لابنة إحدى العائلات الثرية، ومع الوقت ينجح في إلحاق أخته بوظيفة لدى نفس العائلة، وكذلك أبويها.. حتى تنجح العائلة بالكامل في العمل داخل أروقة البيت الفخم.. ويتحدث الفيلم عن أي مصير ينتظر عائلتين تجتمعان تحت سقفٍ واحد، وماذا سيحدث حين يتصادم الفقراء مع من يدعون السيادة عليهم؟

والآن سنتعرف كيف تربع هذا الفيلم الذي يبدو بسيطًا على عرش الأوسكار..

(ملحوظة من كاتب المقال: قد تتضمن السطور التالية حرقًا لبعض أحداث الفيلم)

  • مَلَكة الحكي

تعرف جودة الفيلم من الحكاية الجيدة، وتدرك تميزه من كيفية الحكي نفسه.. وهذا سبب نجاح “الطفيلي”..

يبدأ الفيلم بأكثر طرق الحكي تشويقًا وإمتاعًا، يشمل شرحًا وافيًا لمفهوم الفيلم عن الكائن الطفيلي.. فنشاهد الأسرة الفقيرة وهي تعاني من تغيير جارتهم لكلمة سر الإنترنت، ومحاولة بحثهم عن حل إلى أن اضطروا للمكوث في دورة المياه للحصول على إشارة، والأغرب أنهم يتعاملون مع الأمر بشيء مفزع من العادية.. وعلى الجانب الآخر نشاهد الأسرة الثرية بمشاكلها التي تشبه بيئتها.

ينطوي الحكي على ما الكثير من الخطط والخداع المضحك، والذي يمارسه الفقراء حتى يحدث التطفل بشكلٍ كلي على حياة “العائل” وهو هنا الأسرة الثرية، فينتهي الأمر بتعيينهم جميعًا في البيت بوظائف مختلفة.

  • الرمادية

نجح جون-هو بذكاء ألا يتبنى قضية بعينها، هو يعرض عليك ويترك لك الحكم دون أي محاولة لفرض عليك شعور معين.. في البداية ستستمتع مع الأبطال الأربعة من “الطفيليات”، وتتفاعل مع ذكائهم ومحاولاتهم للنجاة في حبكة جذابة جدًا.. وتشاهد الأثرياء المرفهين كما تعلمنا كرههم من السينما..

ولكن جون-هو يصدمنا فيما تلى من أحداث ليخبرنا أن لكل طبقة جانبها المظلم، وأننا قد كبرنا على رؤية الحياة باللونين الأبيض والأسود فقط.

فتجد نفسك وسط مشاعر متناقضة، لن تحب الفقير كما هو، ولن تكره الغني كما هو.. ستصبح ناقمًا على من جعل كل طبقة بذه العدائية مع الأخرى.

  • النجاح يكمن في التفاصيل

لا يخفى على أحد الرمزيات والإسقاطات التي يحملها الفيلم، والتي لا أجد حرجًا من الاعتراف أنني استعنت ببعض المراجع لإدراك وجود بعضها..

ففي بداية الأحداث نشاهد حياة الأسرة الفقيرة تحت الأرض بجانب الحشرات والطفيليات، ويظهر عدم انزعاج الأسرة من وجود الطفيليات، فهم يشعرون بهذه الكائنات التي تشبههم.

أما الإسقاط الثاني فيظهر في مشهد السكير الذي كان يتبول عند بيت الأسرة الفقيرة، فعلها مرة فلم يلفظه أحد من الأسرة، وإنما زجره الصديق الذي ينتمي لطبقة اجتماعي أعلى قليلًا.. ولكن حين أتى نفس السكير مرة أخرى بعد أن أصبح لدى أسرة الطفيليات وظيفة لدى الأثرياء، طردوه شر طردة.. وقد تذوقوا طعم السلطة.

من التفاصيل التي أعجبتني تغيير الألوان، وزوايا التصوير بين العالمين، فعالم الأثرياء ألوانه مبهجة وزوايا التصوير فيه واسعة تشير لبراح الحياة، على عكس حياة الطفيليات الضيقة التي تشتم عبقها العطن فور رؤية ألوانها.

أما أكثر تفصيلة أحببتها في الفيلم، فكانت استخدام شفر مورس كأداة سردية، وهي التي تدل على الاستغاثة.. برغم بساطة الإسقاط إلا أنني لا أنكر إعجابي بتوظيفه.

  •  المحلي العالمي

نجاح الفيلم ليس في كونه محليًا فقط، بل أنه يرصد حالة إنسانية قد تحدث في أي مكان آخر.. فالبطل هنا هو الفكرة وليس المكان أو المجتمع، وهذا الرهان الذي راهن عليه جون-هو.. أن يظن المشاهد أن الحبكة مجرد حبكة فردية، لا حبكة طبقات تتصارع في كل دول العالم.

  • الصدمة

ستظن للحظات أنك أمام عمل ترفيهي ينتمي للكوميديا السوداء، حتى تنتقل لصدمة لقاء أسرة الطفيليات مع أسرة أخرى من نفس الفئة تحت سقف العائل.. حينها يصاب المشاهد بالصدمة، وقد ظن أنه رأى الضنك في الأسرة الفقيرة، فنعرف أن هناك من هو أشد ضنكًا وبؤسًا.. وهو زوج الخادمة السابقة، والذي يعيش في قبو القصر مختفيًا لفترة طويلة..

ليتحول الأمر من صراع بين طبقتين، لصراع بين أبناء نفس الطبقة على لقب شديد التدني: من سيكون طفيلي هذه الأسرة الثرية؟.. وحين تظنها النهاية ستجد صراعًا أكبر عمن سيكون طفيلي هذا المجتمع!

في النهاية ستجد نفسك تتسائل من هو “الطفيلي” الحقيقي إذًا؟ هل هم هؤلاء الفقراء الذين يعيشون على فتات الآخرين؟ أم أنهم الأثرياء الذين يعيشون على فتات الأنظمة؟ أم الأنظمة التي تتغذى وتكبر على أكتاف الفقراء؟ الحقيقة أن جميعنا طفيليات، فلنستمتع بالحياة حتى يكتشفنا العائل، ويقطع عنا الفتات.

اقرأ أيضاً

تحلية المياه بالطاقة الشمسية بطريقة بسيطة

تحدي اكتشاف التزييف العميق

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى