قصص الرعب

لوح زجاجي بقلم:محمد جمال

طفيلي

لوح زجاجي

7/6/2010

أقف أمام ذلك اللوح الزجاجي الشفاف.. أراقب تجربتنا الأولي وهي تستيقظ من النوم .. حتى الآن كانت تجربتنا ناجحة و لكن لا يمكننا الجزم بما سيحدث بعد استيقاظه ..لذا علينا مراقبته بحذر..

يستيقظ وعيه ببطء ليدرك أنه غارق في الظلام .. يحاول الشعور بأطرافه فيجدها لا زالت في مكانها ..يحاول تحريكها ليفشل و يشعر بألم شديد في رأسه و هكذا يدرك أنه لا يزال حيا .. يتساءل داخل عقله

“لماذا لا أستطيع الرؤية ؟ … لماذا لا اشعر بجفوني ؟”

ليشعر بعدها بذلك النشاط العصبي الذي يخترق جفونه النائمة .. فيدرك وجودهما ويحاول تحريكهما ليفتح عينيه و يخترق الضوء ذلك الظلام فيهرب خائبا و يكشف عن العالم المحيط بصديقنا …

ينظر حوله يمنة و يسارا فيلاحظ لون الغرفة الباهت المائل للون الأبيض …و يدرك أن أطرافه مقيدة بالسرير و يلاحظ ذلك المصباح الردئ في سقف الغرفة ثم تلك الخزانة المعدنية ذو الواجهة الزجاجية الشفافة علي يمينه و التي تبدوا أنها تحتوي علي بعض الأدوية …

ليتذكر في عقله المستشفيات التي ذهب إليها من قبل ليخطر في باله أنه في غرفة مرضي في مستشفي ما و لكن هناك شئ غريب طرد ذلك الخاطر بعيدا …

فعلي شماله كانت تقف طاولة معدنية قصيرة و تحمل عدة شفرات ذات شكل غريب غارقة في دماء قانية تذكره بأفلام الرعب …

“هناك شئ غريب ! ”

بدأ يشعر داخله أن هناك خطئا ما … فهو لا يستطيع تذكر ما الذي أتي به إلى هنا … بل أين هو .. ثم لاحظ ذلك اللوح الزجاجي المستطيل علي الجدار أمامه مباشرة …أستطاع رؤية انعكاس وجهه علي هذا اللوح ليري تلك الضمادات التي لفت علي رأسه مع بقعة كبيرة من الدماء …

بدأ يشعر بالخوف و يتسلل الفزع لقلبه الذي بدأ يسارع في الخفقان ..

“ما الذي حدث لي ؟! ”

لكن بين تلك المشاعر التي غرقت في الخوف كان هناك شعور مدفون بأنه مراقب و أن هناك من يراه من وراء ذلك اللوح الزجاجي … فالتفت إليه و بدأ بالصراخ بفزع

” أين أنا ؟! … أخرجوني من هنا ؟! ”

ليسمع صوتا قادما من مكان ما من الغرفة …صوت جامد بلا مشاعر… كان صوتي … يقول

“من فضلك حاول أن تبقي هادئا …لقد تعرضت لحادثة و تم إنقاذك و لكن حالتك ليست مستقرة بعد لذا أرجوك حافظ علي هدوئك ” ..

رد بصوت خائف مفزوع

“من ..من أنتم ؟ … أي حادثه ؟! انأ لا أذكر أني تعرضت لحادثة ! … أين أنا ؟! ”

لم تكد تنتهي كلماته ليشعر بألم بشع في رأسه و كأنها يتم اختراقها بمثقاب كهربائي فصرخ بكل قوته وهو يحاول رفع يده المقيدة و لكن القيد يمنعها من الحركة لتزداد صرخاته …

خلف ذلك اللوح الزجاجي …كنا نقف شخصان في زي الأطباء بقفازات جلديه … نراقب مريضنا الذي غرق في حالة من الفزع … نلاحظ إزدياد حدة صرخاته و تحركات عينيه الهيستيريا في جميع الاتجاهات لينظر جون إليّ و يقول

“إنه يدخل في حالة من الهيستيريا …علينا حقنه بمهدئ الآن !”

و لكني لم أرد …كنت أراقب المريض جيدا …كنت أحاول قراءة ما يجول داخل عقله الآن … أقف في سكون أراقبه و صرخاته تزداد ألما و قوة …

“كونر ؟”

كان ذلك جون مجددا

ولا زلت أراقب في صمت

“كونر ! … سنفقد السيطرة علي الحالة ! ”

يبدو أن جون يفقد أعصابه بسهوله … لا يهم فهو دائما هكذا ..

لأرد عليه بثبات

“هيا أعطه المهدئ ”

ركض جون بكل سرعته وأخرج حقنة معدنية كبيره ثم ملئها بسائل ما بينما تستمر صرخات المريض و التي تحولت الي جحيم الآن …

لاحظت يد جون وهي ترتعش بينما يقترب بخطوات بطيئة مترددة من باب الغرفة… ليقف أمامها مباشرة و يمد يده التي فقدت ثباتها وهي تضغط علي لوحة الأرقام التي تتحكم في قفل الغرفة وضع الرقم السري وأمسك المقبض ثم نظر إليّ  و قد بدا الرعب في عينيه …..

حرك المقبض فتحرك الباب و جون يتبعه بخطواته المترددة بينما لا يزال المريض يصرخ …. أغلق الباب خلفه بشكل تلقائي و اقترب من المريض بخطوات تزداد بطئا مع كل سنتيمتر يقطعه …و لكن المريض لا ينتبه لوجوده و ينظر في اتجاهات عشوائية بصرخات تزداد بشاعة بمرور كل ثانيه …

وقف جون بجواره و مد يده ليمسك بذراع المريض و قد أغرق العرق وجهه ..رفع يده الأخرى بحقنة المهدئ قبل أن يلتفت له المريض و ينظر إليه بعينين قد أصبحتا مظلمتين كسماء الليل …

إرتجف جون من الخوف و تجمد مكانه بينما يبادل المريض النظرات بعينيه الخائفتين … أدرك ما سيحدث الآن … لقد فقدنا السيطرة !…

صرخت في جون من خلال الميكروفون ليسمعني في الحجرة …

“جووون ! … احقنه الآن ” …

إلتفت اليّ عبر اللوح الزجاجي الذي يفصل بيني و بينهم و نظراته الخائفه تودعني قبل أن يفتح المريض فمه و تتحول أسنانه البشرية لأسنان متوحشة حادة في ثوان و يقضم رقبة جون في قضمة واحده تتركه جثة هامدة غارقة في دمائها علي الأرض …

“يا الله ! “…

تلك الكلمة التي خرجت مني تلقائيا لأستنجد بالإله لعله ينقذني مما سيحدث … أنظر إلى لوحة المفاتيح أمامي لأضغط علي ذلك الزر الأحمر الكبير فأطلق الغاز المنوم الذي سيغرق غرفته و سيدخله في ثبات أتمني ألا يستيقظ منه …

إنطلق الغاز ذو اللون الأرجواني و الذي كفن الغرفة ليمنعني من الرؤية … كنت أدعوا الله أن ينجح الغاز في تنويمه و لكن حينما رأيته … يقف وراء اللوح الزجاجي أمامي مباشرة و ينظر إلى و كأنه يراني من خلال اللوح و يتأمل وجهي …حينها علمت أن الإله قد غضب عليّ …و لا ألومه فلم أكن مؤمنا يوما …

أرجع المريض رأسه إلى الخلف … حينها أدركت ما الذي سيحدث …في ثوان قليله … حطم الزجاج و قفز علي جسدي من خلاله لأسقط علي الأرض بينما جلس فوقي بعينيه السوداء و أسنانه الحادة و أصابعه التي تحولت لمخالب طويلة و جسده الذي شحب لونه … مد يديه و أمسك فمي ثم فتح فكي بقوة غير أدميه سببت لي ألما سري في كل أطرافي …

توسعت عيني حينما رأيته يفتح فمه و يقترب من وجهي ليتقيأ تلك المادة السوداء اللزجة داخلي بينما أشعر بها تتمدد خلال ثنايا أعضائي …لأفقد الوعي …

…………………………………..

30 / 12 / 2018

أتقدم بخطوات بطيئة بين الممرات … مقيدا بالأصفاد و مرتديا ذلك الزي البرتقالي الخاص بالمدانين … يقتادني أثنين من أفراد قوات مكافحة الإرهاب بخطوات يشوبها التردد لغرفة التحقيق … أنظر إليهما علي جانبي ليخترق صوت أنفاسهم المتسارع أذني … إنهما خائفان مني … و كان هذا واضحا من ارتدائهما زيهما العسكري الكامل مع العلم أننا في منشئة عسكرية تحت الأرض … لذا فرص هروبي معدومة …

تجاوزنا بعض الغرف و استطعت سماع صوت تلفاز ما من إحدى هذه الغرف … كان صوت مذيعة نشرة أخبار العاشرة .. كنت أحب صوت هذه المذيعة فهو رقيق جدا يذكرني بزوجتي …كانت تتحدث الي ضيفها عن تطورات التهديد الإرهابي الأخير و قررت أن تقرأ له الخبر بصوتها الذي يعبث في ذكرياتي …

“القبض علي الإرهابي الذي هدد بتفجير مبني البنتاجون و المسمي بخالد إبراهيم … طبيب مصري الجنسية”…

لم أستطع أن استمع لبقية الحوار مع ضيفها لأننا تجاوزنا تلك الغرفة و وصلنا لغرفة التحقيق …

أجلسني حراسي علي الكرسي و قيدوا يدي الاثنتين خلف ظهري و نظروا إلى ثم أطلقوا سبة ما بالإنجليزية و تركوني في الغرفة الصغيرة أمام ذلك اللوح الزجاجي و الذي يراقبوني محققي الخاص من خلفه … لأنتظره حتى يقرر أن ينعم علي بزيارته لغرفة التحقيق الصغيرة …

إنتظرت لحوالي الساعتين قبل أن يطرق الباب بطريقة مهذبه و يحرك المقبض و يدفع الباب بهدوء ليدلف إلى الغرفة بحذائه اللامع و بذلته السوداء الأنيقة مع إبتسامة سمجة علي وجهه.. جلس أمامي ثم تأملني لدقائق قبل أن يقرر الحديث بالإنجليزية و التي يصادف أني أجيدها

” أهلا بك يا خالد …. دعني أعرفك بنفسي أنا المحقق ماكس كينيدي … هل تعرف لما أنت هنا ؟ ”

لم تغادر تلك الابتسامة السخيفة وجهه لذا بادلته الإبتسام و أجبته

” نعم … لأني هددت بتفجير مبني البنتاجون ”

ليضحك و يكمل حديثه

” في الواقع هذا جزء فقط من السبب لوجودك… أنت هنا لأنني أريد معرفة كل شيء تعلمه عن ذلك الشخص المدعو كونر ”

فهمت أنه يريد أن يلعب ألاعيبه العقلية معي لذا قررت أن أٌقطع عليه الطريق

” تريد أن تعرف كل شيء ؟ ”

” نعم ”

” إذا سأخبرك بكل شيء ”

رجع بظهره ليستريح علي كرسيه المعدني و أخرج سيجارة من جيبه و أعتذر لأنه لا يملك غيرها الآن قبل أن يقول

” أنا أستمع ”

” منذ ستة أشهر … فقدت زوجتي في حادث … و لم يتبقي لي في عائلتي غير إبنتي الوحيدة ماري ..كانت فتاة صغيرة في عمر الثامنة تمتلك الكثير من جمال أمها .. و كان فقد والدتها كسكين إخترق قلبها الصغير لذا بعد حوالي مرور الثلاثة أشهر علي وفاة والدتها قررت أن أصطحبها في إجازة تستمر لإسبوع في أحد المنتجعات السياحية …

كانت متحمسة بشده لهذه العطلة … عطلة أقضيها أنا و هي فقط سويا علي الرمال و أمام البحر …لذا حددنا معاد الإنطلاق …

كان يوم سبت مشمسا إستيقظنا في الصباح الباكر … قمنا بتجهيز كل أمتعتنا ثم ركبنا سيارتنا و إنطلقنا باتجاه الطريق السريع …

عندي سؤال أيها المحقق هل مرت عليك يوما ساعتان في حياتك تمنيت ألا ينتهوا أبدا ؟ …

لا ترد في الحقيقة لا أريد أن أعرف فقط أريدك أنت أن تعرف أن الساعتين التين قدت فيهما السيارة مع إبنتي الصغيرة علي الطريق تمنيت ألا ينتهوا أبدا … فقط بقينا نستمع الي الأغاني طول الطريق …

و قررت طفلتي الصغيرة أن تشتكي إلي من زميلها في الصف و كان أسمه بين كان طفلا شقيا بحق … فقط كانت تجلس هناك علي الكرسي بجواري وتقول بينما ترمقني بنظراتها البريئة

” أبي إن بين يضايقني كل يوم … البارحة أخذ مني علبة ألواني ”

فأنظر إليها و أتأمل عينيها اللامعتين و التين تشبهان عيني أمها لأقول لها

” لا تقلقي يازهرتي الصغيرة … عندما نعود سأخوض مع بين حديثا طويلا ”

فترسم علي وجهها ابتسامة عذبة و تكمل النظر الطريق …

يا الله كم أتمني أن أعود بالزمن لهذه الساعتين أيها المحقق … لقد مرا بسرعة لنصل إلى المنتجع…

صعدنا لغرفتنا الواسعة و ارتحنا قليلا قبل أن نقضي يوما رائعا علي الشاطئ ثم ليلة هادئة في متجر المثلجات ثم نعود الي غرفتنا لننعم بنوم هاديء في أحضان بعضنا البعض …

سامحني أيها المحقق أعلم أن هذه التفاصيل تشعرك بالضجر لقد لاحظت هذا علي وجهك و لكن هذا كان أخر يوم في حياتي قبل أن تتحول إلي جحيم…

حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل إستيقظت علي صوت رنين هاتفي المحمول … فتحت عيني ببطء لأري ماري الصغيرة و هي نائمة بجواري تضم يدي الي صدرها …

أمسكت الهاتف بيدي الأخرى من فوق الكومود … لم أنظر لرقم المتصل فقط رددت لأسمع جملة واحدة من صوت أنثوي

” أخرج من غرفتك الآن … حياتك في خطر ”

ثم ينقطع الاتصال … لم أفهم …ربما لو كنت وحدي كنت وضعت في اعتباري أنه مقلب ما و لكن حينما نظرت لصغيرتي النائمة قررت ألا أترك الأمر للصدف لذا أيقظتها بسرعة و ألبستها ملابسها و هي لا تزال نصف نائمة و خرجت معها من الغرفة …

و هنا شعرت بشيء غريب … الممر كان فارغا تماما … و الأصوات كانت قد تلاشت … و هذا شيء غريب … لا يمكن أن يهدأ مكان كهذا حتى بعد منتصف الليل … و لكن ذلك الهدوء أكد لي أن هناك خطئا ما.

قررت أن أخرج ببنتي من هذا المكان و أصل لسيارتي فحملتها و بدأت بالركض …و هنا بدأ كل شيء بالتحول … فمع إقترابي من نهاية الممر و الي باب المصعد … شعرت بشيء غريب بداخلي … شيء يحذرني من المصعد لذا و بشكل غريب قررت أن أستخدم السلالم …

اتجهت إليها بسرعة و بدأت النزول علي الدرجات بخطوات كادت أن تتعثر … و لكني كنت قد وصلت لردهة المنتجع ليصدمني ذلك المشهد و يجعلني أتجمد مكاني …

كانت الردهة مليئة بالجثث …. جثث كثيرة ممزقة كانت ملقاة في كل إتجاه و كأن حربا ما قد حدثت …همست لفتاتي أن تغمض عينيها و لا تنظر حولها مهما حدث حتى لا تري ذلك المشهد البشع قبل أن أركض بين هؤلاء الموتي لأقول لنفسي

” يا إلهي ما الذي قد حدث هنا ! ”

وصلت إلى المخرج و اتجهت لسيارتي … وضعت صغيرتي في الكراسي الخلفية ثم ركبت خلف المقود و بدأت بتشغيل المحرك …حركت مفتاحي مرة و مرتين ولم يعمل … دعوت الله أن ينقذنا هذه الليلة من هذا الكابوس و حاولت المرة الثالثة ليعمل المحرك و لتضيء أضواء السيارة الأمامية و تكشف عن ذلك الشيء الذي يقف أمامي …

كان يبدو من هيئته أنه بشري … يرتدي معطفا مع قلنسوة علي رأسه تتعاون مع الظلام لتخفي وجهه … و لكن مع جعلني أدرك أنه ليس بشريا هو ذراعاه التي بدأت تستطيل …ظننت أنها مخيلتي و لكن ذراعاه كانت تستطيل حقا و أصابعه كانت تتحول الي ما يشبه الشفرات …

استطعت من مكاني أن أشعر بالشر و الحقد الذي يحمله هذا الوحش اتجاهي … و رغم الظلام إلا أنني شعرت بنظراته التي تخترق اللوح الزجاجي الأمامي للسيارة لتخترق قلبي و روحي وتجعلني أشل من الحركة …

لا أعلم ما الذي حدث فقط بقيت جالسا هناك أراقبه وهو يقترب مني ببطء و يجر يديه الغير أدميتين خلفه … أعترف أيها المحقق لقد تمكن مني الخوف حقا …..و لكن من إنتزعني منه كانت إبنتي النائمة خلفي و التي يجب أن أحميها مهما كان الثمن …

لذا ضغطت بكل قوتي علي دواسة الوقود لأنطلق بأقصى سرعة باتجاه ذلك الوحش … لا أعلم ما الذي حدث لي في تلك اللحظات و لكن لم أتردد للحظه و أنا أتقدم بسرعة في إتجاهه لأدهسه و لأشعر بتهشم عظامه تحت عجلات سيارتي ….لأتجاوزه ثم أتوقف …

” يا الله لقد دهست شخصا حقا ! … هل مات ؟ ”

كان ذلك السؤال الذي يتقافز في ذهني و لكني من داخلي كنت أتمني أن يكون قد مات حقا …و لكن الفزع تمكن من أطرافي حينما رأيت انعكاسه وهو ينهض في مرآة سيارتي … لقد قام فقط و كأن شيئا لم يحدث …

هذا الشيء لم يكن بشريا … و المرعب أنه كان عازما علي قتلي …

ضغطت علي دواسة الوقود لتنطلق السيارة بأقصى سرعتها علي الطريق ..لم أشعر ببعض الراحة إلا حينما أختفي ذلك الشيء في الأفق … لأتناول هاتفي المحمول و أتصل بالشرطة …. و بمجرد أن فتحوا الخط تحدثت بصوت هيستيري

” ألو مرحبا …. هناك شيء بل شخص ما يطاردني أنا و إبنتي … لا أعلم ما هو و لكنه حاول قتلنا …و لا أعلم ما الذي حدث و لكن هناك مجزرة قد حدثت في منتجع ( ….. ) و الجثث .. الجثث كانت في كل مكان … ”

ليقاطعني ذلك الصوت الأنثوي الذي قد حذرني في غرفتي

” نعلم بالذي يحدث معك يا خالد …و نحن نحاول مساعدتك … عليك أن تأتي إلينا حتى نستطيع حمايتك … سوف أرسل معلومات المكان الأمن لهاتفك … عليك أن تسير علي الطريق المحدد و و أن تصل إلينا بأقصى سرعه ”

” ماذا ؟ … أنا … أنا لا أفهم … من أنتم ؟؟ … وماذا تقصدون بأنكم تحاولون مساعدتي ؟ ..هل تعلمون ما هذا الشيء ؟ ”

أزداد صوتها حزما و هي تقول

” إسمعني جيدا … نحن فرصتك و فرصة إبنتك الوحيدة… عليك أن تأتي إلينا حتي نستطيع حمايتك من ذلك الشيء … أعلم أنك رأيته يا خالد و أعلم أنك أدركت أنه ليس بشريا و لن تستطيع الهرب منه … لذا نحن فرصتك الوحيدة … سأرسل معلومات المكان الآن ”

و أقفلت الإتصال…لم أكن أمتلك الوقت للتفكير فقط قررت أن هؤلاء الأشخاص هم فرصتي و فرصة إبنتي الوحيدة للنجاة لذا قررت اللجوء إليهم ….

قدت علي الطريق لما يقارب الربع ساعة و إبنتي لا تزال نائمة و كان هذا شيئا جيدا فأنا لا أريدها أن تشعر بالفزع أو الخوف ….

وصلنا الي المكان المحدد و الذي كان عبارة عن كوخ صغير في منتصف اللامكان … فقط كوخ قائم في منتصف الصحراء … و هذا أنتزع مني كل ما تبقي من شعور الأمان …

أخرجت هاتفي و اتصلت بالشرطة مجددا و لكن من رد هذه المرة كانت عاملة الاستقبال و لم تكن تلك المرأة التي حذرتني

” ألو … شرطة النجدة ما مشكلتك ؟ ”

كنت علي وشك إخبارها بكل شيء و لكن حينما تذكرت مشهد ذلك الوحش وهو ينهض بعدما هشمت عظامه تراجعت … لن يصدقونني أبدا لذا إلتزمت الصمت و أغلقت الإتصال …ليتبعه رنين هاتفي و هذه المرة كنت أعلم المتصل

” نعم …. لقد وصلت ”

لتجيبني بصوتها الذي بدأ يعلق في ذهني

” جيد … سوف نخرج لك الآن ”

و إنتهي الاتصال لألتفت إلى باب الكوخ و الذي تحرك فخرج من ورائه حوالي الخمسة رجال مسلحين بالكامل و يرتدون زيا عسكريا كالذي ترتديه القوات الخاصة  ثم خرجت من ورائهم امرأة كان يمكنني الجزم أنها صاحبة ذلك الصوت ….

ترجلت من السيارة و تقدمت إليها … لم أعلم بما علي قوله لذا قررت هي أن تبدأ الحديث

” أهلا بك أستاذ خالد … دعنا نعرفك بأنفسنا نحن وحدة إحتواء الخطر البيولوجي الخاصة بالجيش الأمريكي و نحن هنا لحمايتك من أحد أخطر أسلحتنا البيولوجية فتكا و الذي يبدو أنه يستهدفك لهدف ما و قد أوقع الكثير من الضحايا بالفعل ”

كان هذا الحديث بعيدا كل البعد عن التصديق … نعم أنا أعلم أن الجيش الأمريكي كان يقوم ببعض التجارب الغير أخلاقية علي البشر منذ الحرب الباردة و لكن سلاح بيولوجي ؟ … و وحش ؟ … و يطاردني ؟ …

كان هذا الأمر برمته يبدو كأحد أفلام الخيال العلمي و أمامها كنت لا زلت أفكر في الرد المناسب لذا حينما لاحظت طول صمتي قررت أن تقود القافلة

” هل يمكنك أن تأتي معنا من فضلك ؟ ”

و أجبتها بنعم … لأخرج فتاتي من السيارة و أحملها و أدخل معهم الكوخ و لكن قبل أن تدخل تلك المرأة سمعتها تقول لأحد الجنود

” خذ جولة حول المكان و إذا لاحظت أي شيء أطلق النار عليه فورا ”

ثم أصبحنا جميعا في الداخل و كان داخل الكوخ فارغا تماما من أي شيء عدا زرا أحمر كبير علي أحد الجدران و الذي ضغطت عليه تلك المرأة لتنزل بنا أرض الكوخ إلى أسفل و كأنه مصعد …

و في الطريق إلى أسفل قررت أن أستجمع قواي و أسألها و إلى اتضحت ملامحها في ضوء المكان الآن لتكشف عن وجه حازم و مخيف

” هل … هل تعلمون لماذا قد يستهدفني هذا الشيء ؟ ”

فأجابتني

” لا … نظن أن السبب قد يكون أنك طبيب مشهور و لكن لا نعلم لماذا يريد التواصل معك و نحن لن نقبل بأي مجازفات لقد مات الكثيرون بالفعل ”

كان قد وصل ذلك المصعد لنهاية طريقه … و أصبح أمامنا الآن ممر طويل مليء بالجنود و في نهايته بابين علي جانبيه … نظرت الي صغيرتي و التي كانت قد إستيقظت لتسألني

” أبي … أين نحن ؟؟ ”

أجبتها بصوت هاديء حتى لا أشعرها بالخوف

” نحن في مكان آمن يا عزيزتي … هناك شخص شرير كذلك الفتي بين يطاردنا و هؤلاء الناس هنا لحمايتنا ”

ابتسمت لتلقي برأسها علي كتفي مجددا و لتنظر لي تلك المرأة و تقول

” تفضل … و لكن علينا أخذ طفلتك لأن هناك غرفتين و حتى لو أخذت الأمور منحني أخر فيجب أن تبقي طفلتك بأمان في غرفة أخري ”

لقد فهمت ما تقوله … إذا لم يستطع هؤلاء الجنود البواسل لا قدر الله حمايتنا فذلك الشيء يطاردني وليس إبنتي لذا وافقت …

و تقدمنا إلى الأمام الغرفتين و تركت صغيرتي مع جنديين … إستطعت أن أشعر بالخوف في عينيها وهي تودعني لذا وعدتها

” حينما ينتهي كل ذلك … سأحضر لكي الكثير من المثلجات ”

إبتسمت ثم ضمتني … كان حضنا دافئا تمنيت ولو تجمد الزمن هكذا إلى الأبد … و لكني تركتها مع حراسها لتذهب إلى غرفتها المنيعه و لأذهب أنا إلى غرفتي برفقة المرأة و ثلاث حراس آخرون …

دخلنا الي الغرفة و التي كانت فارغة عدا من بعض شاشات المراقبة و بعض المقاعد لأجلس علي أحدها و أنا أفكر و أدعوا الله أن ينجينا من هذا الكابوس المرعب …

نظرت إلى المرأة و التي كانت تراقب الشاشات بانتباه و التي كانت منها شاشة تراقب غرفة إبنتي و إلى بدت خائفة بين حارسين تنظر حولها بانتظاري أن أخذها من هذا المكان …. تجمعت شجاعتي مجددا و سألتها

” إذا ما خطتكم للقبض علي هذا الشيء ؟ ”

لتجيبني بصوت بارد

” فقط استخدامك كطعم و اقتياده إلى هنا ”

هنا شعرت بالصدمة و فهمت الفخ الذي أوقعوني فيه

” ماذا ؟!! ”

لم أكمل صرختي فقد أخضعني أحد الحراس علي الأرض بقوة و ضربني علي رأسي و حينها أدركت أني قد وضعت إبنتي في الخطر بيدي …

مضت حوالي النصف ساعة.. قيدوني إلى الكرسي و الكل ملتزم بالصمت و أنا فقط أراقب الشاشة التي تظهر فيها إبنتي و هي علي وشك البكاء …

كم تمنيت أن أكون أحد هؤلاء الأبطال الخارقين لأهزم هؤلاء الأشرار و أحمل فتاتي و أخرج بها من هذا الجحيم و لكن أمنياتي تصطدم دائما بحائط الواقع …

علي إحدى الشاشات و التي تراقب خارج الكون إقترب ذلك الحارس الذي طلبت منه المرأة القيام بدوريه و نظر إلى الكاميرا مباشرة و طلب الدخول فأمرت أن يفتح الباب له و دخل …و بدأت أتابع حركته علي الشاشات ..

دخل إلى الكوخ ثم بدأت الأرض تحته بالنزول … لاحظت تلك الشاشة الأخرى و التي تبدوا أنها تقوم بمسح ما لجسده ثم بدأت تومض باللون الأحمر و إشتعل صوت الإنذار في المكان لتصرخ المرأة في الجنود

” إنه كونر … كل الجنود استعدوا .. أطلقوا النار عليه أكرر أطلقوا النار عليه فور رؤيته ”

تكرر إسم كونر في رأسي كثيرا … كنت أشعر أني سمعته في مكان ما و لكن عقلي كان عاجزا عن التذكر و انتباهي أسرته تلك الشاشات بالكامل حينما أصبح ذلك الحارس ( كونر ) محاصرا بالجنود و الذين قاموا بإطلاق النار عليه فور رؤيته ….

” يا الله ! ”

كان هذا صوت الحارس الذي كان معنا بالغرفة حينما رأي ( كونر) وهو لا يزال واقفا و كأن سيل الرصاص الذي أخترق جسداً كان مجرد قطرات ماء تداعبه …

تحولت أعين المرأة بجواري إلى خوف استطعت بسببه أن أري ارتعاش أطرافها …. و نظرات الجنود علي الشاشة كان تنبئ بنهاية قريبة …

فقط رفع ذلك الحارس في المنتصف ( كونر ) رأسه لتتحول يداه لشفرتين تمتد تزامنا مع مرور الثوان ليحركها بسرعة فائقة لتقسم أجساد كل الجنود حوله الي نصفين …

و لينظر إلى الكاميرا و يكشف عن وجهه … قبل أن يتحرك في الممر باتجاه الغرف …و لكن وجهه لم يغادر رأسي … أنا أعرف هذا الشخص … أنا رأيته من قبل …

لم تعطيني المرأة فرصه فقط كانت فزعة لتركض و تضغط علي زر ليفتح باب الغرفة المقابلة لنا … غرفة إبنتي …

” لاااا !! ”

صرخت بها بكل قوتي حينما رأيتها تستخدم إبنتي كطعم …. و لكن ضربة الحارس علي رأسي أفقدتني الوعي ”

نظر المحقق الي وهو ينتظر أن أكمل قصتي المشوقة

” ثم ماذا ؟ ”

لأرد عليه بابتسامة

” لا شيء … فقط ماتت إبنتي و قتلها ذلك المدعو كونر ثم حاولتم أن تمسحوا ذاكرتي مجددا ”

” مجددا ؟! ”

” أوه نعم …لم ينجح الأمر معي مرة أخري و لم أفقد الذاكرة … بالعكس لقد تذكرت كل شيء …

تذكرت كيف كنت أعمل معكم ثم حدث ذلك الانفجار … تذكرت كيف استيقظت كوحش حينما قرر صديقي كونر استخدام ذلك الطفيلي الذي كنا نصممه تحت إشرافكم لإنقاذي من الموت … تذكرت كيف هجمت عليه و أصبته بالعدوى مني ثم كيف قبضتم علي و جعلتموني أفقد الذاكرة ثم وضعتموني تحت مراقبتكم في حياة مزيفه …

و لكن ما لم تحسبوا أمره أن إبنتي لم تكن مزيفه و حينما قررتم استخدامها كطعم غيرتم بأيديكم كل شيء داخلي …. لم أفقد الذاكرة أيها المحقق … و تذكرت أنني وحش …. ” …

تغيرت ملامحه حينما صرخ

” يا للهول ! ”

وحاول إنتزاع مسدسه من جيبه و لكني كنت أسرع منه مئة مره فقدت حطمت الأصفاد و انتزعت حنجرته بيدي في أقل من ثلاث ثواني … و الآن لي حساب أصفيه مع كونر …

قبل أن أغادر الغرفة لاحظت أن الحياة لم تغادر جسد المحقق بعد لذا يحق له الحصول علي بعض التفسير …

” العملية الإرهابية التي هددت بها كانت مجرد طعم لكم لاقتيادي إلى هنا … علمت أنكم قبضتم علي كونر بعدما قتل إبنتي و سجنتموه هنا … لذا كل هذا كان جزءا من خطتي … وداعا أيها المحقق ”

خرجت من الغرفة لأسير بين الممرات … لم إلق بالا للحراس الذين رأوني وحاولوا منعي فقد قتلتهم جميعا … وصلت إلى المصعد و الذي كان يتحرك ببصمة العين فاستخدمت عين أحد الحراس و تحرك المصعد إلى الطبقة التي حبس بها كونر …

خرجت منه  و بدأت بتمزيق أجسادهم جميعا … كلهم يستحقون الموت … حياتهم ليست أغلي من حياة صغيرتي …أخذت من احدي الجثث قنبلة حارقة و أكملت طريقي …

تحول الطابق إلى مذبحة … لم أبق علي أحد حيا … فقط وصلت الي زنزانة كونر و لم يبق سوانا …

دخلت إلى الزنانة لأراه جاثيا أمامي … نظرت له باحتقار و بدأت بالحديث

” أتعلم … لم أستمع لجانبك مما حدث بعد … هذه فرصتك الأخيرة ”

نظر إلي و قد بدا علي ملامحه الندم … بل إني استطعت رؤية دموعه تحاول الهرب …

” حينما حدث ذلك الانفجار في المعمل … كنت علي وشك الموت … كنت علي وشك أن أفقد صديقي الذي نظرت إليه دائما كأخي الكبير … لذا قررت أن أستخدم الطفيلي الذي صممناه سويا علي إنقاذك … فأنت تعلم أننا صممناه كي يبقي الجنود أحياء و يجعلهم أقوي و أسرع و أفضل و كانت العملية ناجحة و أنقذناك بالفعل … و لكن الطفيلي في دماغك قد دخل حالة من الهياج … و قتلت جون و هجمت علي ثم أصبتني بالطفيلي حينما تقيأت داخلي …

أستطاع الجنود إخضاعك بعدها و أدخلوك في حالة من  الثبات و بسبب فعلتي تم إخراجي من المشروع و بالطبع لم يعلموا أني أمتلك الطفيلي داخلي أيضا و تركت كل شيء خلفي و لكني اكتشفت أن الطفيلي لا يمكن السيطرة عليه … لقد .. لقد أصبحت أتغذي علي البشر يا خالد … لا يمكن أن يترك شيء كهذا ليخرج للعوام … كان يجب أن انهي كل شيء … و أن أدمر كل ما حققناه…

لذا و حينما بدأت بالبحث عرفت أنهم يجرون تجاربهم عليك في بيئة مزيفه كانوا يراقبونك من كل شيء … بل كل الأشخاص الذين تعاملت معهم خلال العشر سنين الخالية كانوا مجرد بيادق وضعوها في طريقك لدراسة الطفيلي داخلك … لذا عزمت علي إنهاء كل شيء فأنا من وضعتك هنا منذ البداية …

و إبنتك … كان يجب أن أقتلكما … كان يجب أن أحمي العالم من الوحش الذي صنعناه يا خالد …أنا أسف كان يجب أن أقتلها ولكن يبدو أنني وقعت في فخهم أيضا و اقتادوني إلى هنا … لم أتوقع أن تستطيع الخروج من سيطرتهم ”

” ولا أنا و لكن يبدو أن إبنتي هي من أنقذتني في النهاية و يبدو أنها من أنقذتك أيضا ”

” ما .. ماذا الآن ؟ ”

ابتسمت له

” لا تقلق … أنا أتفهم كل شيء … و حان وقت أن ألحق بابنتي ”

” و لكن .. و لكن كيف ؟؟ … نحن لا نموت بهذه السهولة ”

أخرجت القنبلة بيدي و نزعت فتيلها ثم جلست أمام كونر و أمسكت برأسه لأنظر في عينيه

” النار يا صديقي … لا تنسي أننا من صممنا هذا الطفيلي و نحن نعلم نقطة ضعفه … النار ستقتلنا و ستقتله معنا ”

لأضمه و أودعه بينما تنفجر القنبلة لتطلق النار علي أجسادنا فتلتهمنا مع الوحش الذي يعيش بداخلنا …

اقرأ أيضاً

اللوحة الغارقة “الجزء الأول”

الزار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى