كتبت: فاطمة علاء
ملحوظات – تبدو عابرة
- لا يوجد ما هو أبدي كما لا يوجد ما لا تبدده المسافات.
- طوال الوقت لدينا أشياء لنخسرها.
ماذا يريد أن يقول موتسارت؟ هه؟ تعرفي؟
هل تلاحظين أني لا أستطيع الكتابة، ولا أجد شيئا لقوله؟ هذه هي الحقيقة بلا تحريف، كما أن كوني أحمقا بغيضا كذلك، والدليل أني أصدقك، أصدقك تماما، وأتلاشى بفعل التربة المشتركة بيني وبينك، وأظل أعيد فتح رسالتك بين كل جملتين.
مشقة كتابة النصوص التافهة
لم أترك الأشياء الناقصة لأعود إليها، أنا ملك الأشياء الناقصة، أنا النقصان والنسيان والتجاهل، أنا متن الهامش، المتعلق بما لا يتعلق بشيء، حبيس النزوة والفكرة الطائشة وعدم التنفيذ، أنا الكتمان والشاي المُحلى، أنا والد ذلك القط الأبيض الذي يزعجه دخان السجائر، أنا المُتخلي المتجلي عمود الفراغ وفرعون العدم، أنا الجاهز- طوال الوقت- لأتحول بداخلك لحبيبات لاذعة مبكية، أنا اللامنتمي حقا، أنا الكائن “التيفال”، المتزحلق بسهولة في حالة الرغبة في انتزاع ما تبقى أيا كان، دون الرغبة في تقليله بتصنيفه، للعلم الكامل بتشعبه المقيت، أنا الواقع في التهلكة كل يوم برغم تحذيري.
أحاول أن تضغط كلماتي بإسفنجية على روحك المُرهقة، وأشعر أني لا أكتب، بل أنحدر بجرف شبه عمودي، تتقطع ملابسي ويتجرّح جلدي، لا أصرخ برغم ذلك، لا أشعر بالرغبة في الصراخ، لعلك تكونين في الأسفل هناك، بعيداً، تنظرين نحوي بشفاه عابسة وعيون دامعة وقلب منشطر على حالي، أفتح ذراعيّ لاحتضان السراب كأي غر أحمق أبله صغير.
أنا لا أحب الوسط، متطرف إن شئنا الدقة، لا أريد أن أكتب، ولا أعرف كيف يفعلها هؤلاء الحمقى المغفلون، وأنا بالطبع أولهم، لكن تطرفي إن كان بخط الاستواء فتطرفك بالقطب الشمالي وفي كل شر، أنا صورتك المنعكسة بالمقلوب في المرآة، ترفضين رفع يسراك كما تفعل، وترفضين أية حلول للمسألة إلا أن تقوم هي برفع يمناها، وتغفلين التحرك خطوة واحدة للتقابل عند السطح المصقول.
أصارحك الآن أنه لا شيء آخر لأكتبه، ولدي الكثير مما لا أشعر بالرغبة في فعله، لكني أشعر بالرغبة الجارفة في ارتكاب الفضيلة، أن أغلق شبابيك غرفتي وأراقب شرودك، أراقب انهماككِ في نزع ثيابك، أراقب خضوعك الأبدي المذاق في التضرع بين ذراعىّ، ممارسة الرسم علي جسدي، عزف سيمفونيتك الكاملة التي إن لم تتفرق بين النغمات انحشرت في حلق السلم الموسيقى، أعرف الخطايا، وأعرف أن الانتظار نبيها المنتظر، وأدين بالأديان المشتركة التي أصيغها مع إله زميل، “والأديان زي الأسرار يا أختي، لو طلع بره اتنين ميبقاش سر، ولا إيه؟”.
سنفعلها على أنغام موتسارت، علنا نفهم ما يرغب في قوله لنا، وعلنا نفهم ما نرغب في قوله، لنا، أحاول مسح ما اندلق من الشاي بين أزرار الكيبورد، وشعر هتلر يطير في كل مكان، أجلس على كنبتنا، وحدي، في أيسرها الأقصى، مربعا رجلي، حاملا اللاب توب بيسراي، وباليمنى أكتب وأشرب الشاي والسجائر وأهرش في شعري، تكاسلت عن لم الغسيل بمجرد صحوي فنشرت إحداهن في الدور التاسع غسيلها الذي جعل غسيلي أكثر بللاً من لحظة تعليقه على الأحبال الصفراء، تخيلي؟
لا أعرف الحضن الأخير ولا الارتجاف الأخير ولا أعترف بالنهايات من الأصل، فكل الدوائر مفتوحة على بعضها، والانغلاقات فردية وإرادية ومخترقة حد الاستباحة، الحياة جميلة لكن العالم قبيح، أعرف المسافات جيداً، الزمنية والمكانية، وكلتاهما مخلب لا يرحم، وصدقيني- إن كنتِ موغلة في الحماقة مثلي- طوال الوقت لدينا أشياء لنخسرها.
عتبة نوم نورانية
لم استخدم مكتبي للكتابة منذ سفري الأول لأكتوبر..
وأدرك جيدا أن الكتابة لن تكون سهلة، لا لأنني لا أرغبها فقط، بل لوجود أحمد الصغير علي سريري ولدخول محمد في هذه اللحظة ليكمل سلسلة الازعاج المتقنة.
فعد عدتك لقراءة نصي المفكك..
أفضل الشاي ساخنا رغم تشبعه بالنقصان كما تشبعت أنا به…
محمد يتابع كلامه كأنني لا أكتب.. أحترم اختبائه في غرفتي لشرب سيجارته الأولي لهذا اليوم، فأقاوم رغبتي في رميه لأي مكان بعيد…
اعتبره كرسيا وأنا أيضا سأفعل متجاهلة لنفسه غير النتظم الذي يوترني بشدة.
خرجت منذ قليل لشراء ما يمكنني من إعداد هدايا (الفلانتين) يدويا.. لكنني أشك في استمرار رغبتي في صنعها بنفسي..
ما قصدت قوله هو أن أمي أخبرتني عند عودتي أنني يجب أن أزور عمتي.. ولم تتركني للتكهنات.. وأكملت أنها بالمستشفي…
لعلك أدركت أن دفئي يحوله تقليص المسافات لبرودة غير مبررة..
فليكن إقترابك تدريجيا كي لا أتجمد..
مرر أصابعك علي رقبتي وتغاضى عن تجاهلي لمحاولتك لرفع وجهي لتلتقي شفاهنا..
كفك طفولي جدا، لكنك تحاول تجريح طفولته بالإدعاء.
* غرفتي الآن تحمل ثلاثة أشخاص غيرنا.
* أرمي قلمي الرصاص على محمد الذي يحاول الاختباء خلف (الدولاب) وتأتي ندى لتناولني القلم.. لأكرر رميه لكن عليها.. فيعطيني أحمد القلم هذه المرة..
* ابتعد أيها الأحمق عن مرماي.. إنه دورك….. يا لك من أبله بغيض….
* قد أخبرك أن اللعبة توفقت بسببك.. لكنك أصغر من أن تكون سببا لأي شيء!!
* انتهت اللعبة بفعل الملل.
ها أنا ذا………..
أنا وأنت والقلم الذي اعتاد أن يرد على رسائلك، لا أن يبدأ الكتابة في انتظاره لردك. نصك المرسل حمل من كلماتي أكثر من العادي، كأنني أكتب لتكمل لي ما بين السطور.. وهذا مزعج جدا. فمحاولتك لإظهار بعض التعاطف جاءت فاترة، مما أصابني بالغثيان.
ألم أخبرك من قبل ألا تكتب لي ملحوظات!؟ ألم أخبرك أنني أحتكرها!؟
لذلك سأتغاضي عن محاولتك الثانية استمرارا في الكتابة..
خيطك الأسود الذي يجمع خرزاتك السوداء متماثلة الحجم إلا واحدة تنتصفه وينتصفها خيط أزرق..
سأخلعه الآن لأنه يشتت تفكريري بالنظر إليه.. ولا أحتمل مزيدا من التشتيت.
((بالطبع كنت أتكلم عن الخيط الأسود الذي يحمل الخرز.. لا عن الأزرق الذي ينتصف الخرزة التي تنتصف الخيط))
لك أن تعيد قراءة ما سبق الآن.. لأنني لو كنت مكانك لأصبت بالضجر من التفاصيل التافهة ونسيت المقصود..
لكنني بالأساس لا أقصد شيئا لتفهمه.. فأنا هنا ككون لا ككائن..
فهل يمكن لإنسان عادي مثلك أن يتخلى عن تصنعه وغروره
سأنتشلك الآن من إنحدارك غير المجدي وغير المرضي لغروري.. لا لأنك تستحق الإنتشال.. بل لأني لا أحب مذاق الدم..
تخلص من ثيابك الممزقة ودعنا نلعب قليلا..
هل تعرف الفرق بين (محمدية) الأداء و(أحمديته)؟
وهل تعرف أنني ادرك مروري عبر بوابة النوم من المشاهد المتقطعة، وأدرك استيقاظي من توغلي عبر أنسجتها المؤرقة..
رأيتني قبل النوم أومض في الظلام كسيجارة تحيطها أدخنة لامعة.. تتساقط كوريقات نورانية تهوي في اللا شيء. لكن في الليلة التي تسبق الليلة الماضية كنت في عباءة ساحر سوداء واسعة تتدلي مفتوحة دون مراعاة لعريي الصريح.. أنفخ في حبيبات رملية الملمس لؤلؤية الإشعاع تتساقط مثلما فعلت الوريقات الدخانية النورانية أمس..
واستيقظت اليوم في جسد امرأة أربعينية التجاعيد، تلم شعرها للخلف كالكعكة.. وحيدة تماما تمارس سلطتها على قط عجوز..
كانت ضئيلة الجسد.. بائسة الملامح كا
كالانحدار.. عنيدة كالموت..
غيرت ملابسها ووجدتي مضطرة للخروج معها..
ركبت تاكسي ورمقت السائق بنظرة زائغة، قائلة: زي كل يوم؟؟
لم يجبها كما خمنت أنه سيفعل وتابع قيادة سيارته في شوارع متداخلة بالغة الضيق، ليتوقف عند باب خشبي يشبه الأربعينية في تهالكها.. فخرجت من سيارته لتدخل من الباب الخشبي..
الغرفة شبة مظلمة خالية إلا من سجادة ملطخة بشيء لا أميزه……….
بالطبع لن أكتب لك ما رأيته بعدها..
لكن الممل هو استيقاظي في اليوم الذي سبقه ملطخة بنفس المادة التي لم أميزها في جسد طفولي يسكن تحت كوبري خشبي يمتد لا مباليا على ناصية الشارع الضيق نفسه الذي توقف فيه التاكسي اليوم.
…
لكنني لم أحاول التحرك وأنا في هذا الجسد الذي قد يصبح أنوثيا إذا نجا وهو المخلوق المكوم داخله.. لما لم يتوقف هذا السائق لتفقد الجسد الملقي أمام الباب.. لما لم تعره الأربعينية اهتماما؟؟
بكونها مجرد أجساد مرحلية.. فقد أستيقظ يوما تحت نفس الكوبري أبحث عمن يرضعني…..
((أحمدية)) الأداء خشنة خارجيا.. تحاول الوصول للملمس العادي.. فتفشل حتى في خشونتها، عمقها مموج بالخربشات..
أما ((محمديته)) فتبدو خشنة أيضا لكن اترك لنفسك مساحة للمسها.. ستجد أنها أنعم مما تبدو..
واقترب قليلا معي وافتح مجالك الشعوري لتستنتج دون مساعدة أن أحمدية الأداء دفئها مصطنع، أما محمديته فوهجها حقيقي للغاية..
لقد حولت رسالتي بنصك المرسل لساحة فيروسية ملبدة بالخواء.. لذا…. صحح فعلتك الغبية واكتب شيئا يناسبني!!
ملحوظة:
* الأربعينية لا تشبهك
ملحوظة أهم من الأولي: لا تجعلني أنتظر