طلاسم

مفتاح سليمان

مفتاح سليمان

لو سألتك تحب تعيش في أمريكا؛ أكيد هتوافق بدون ذرة تردد، بس خليني أقولك إن عيشتي في أمريكا كانت لعنة، وبسببها أنا دلوقتي على فاصل بيني وبين جهنم خطوة، خطوة واحدة وهكون من آكلي رؤوس الزقوم!

تقريبًا كل اللي أعرفه عن مصر الأهرامات والمعلومات السطحية اللي أي حد لو بحث عنها عـ النت هيلاقيها، اه زورتها قبل كده مرتين، تلاتة، بس دا ماينفيش إني لا أفقه عنها شيء..

أنا اتولدت في أمريكا وجنسيتي كمان أمريكية، بطبيعة إن أبويا وأمي مُّقيمين فيها.
أي حد ممكن يحسدني على العيشة دي، وهو حد أصلًا يزعل أنه يعيش في العالم الأول من الكوكب؟
بس زي ما كل حاجة ليها مميزاتها برضوا ليها عيوبها..

أنا اسمي هاني إبراهيم، وزي ما عرفتوا الجزء الحلو.. أكيد تحبوا تعرفوا الجانب المظلم من العيشة في أمريكا..

الحقيقية أنا وحيد أبويا وأمي، ويمكن دي بالنسبة لي كانت حاجة سيئة جدًا، ودا لأن معظم الوقت بكون في البيت، وبالتالي الوحدة بتكون مرافقة ليا، بس دا مكنش تعبير تفصيلي.. علشان قرائتي للكتب معظم الوقت كانت هي ونيسي دا غير سارة..

عادة القراءة فعليًا اكتسبتها من والدي اللي كان شغال في واحدة من الشركات الكبيرة في ولاية “نيو مكسيكو”.
أمي مختفية من أكتر من ٦ شهور.. محدش عارف راحت فين؟ هل اتخطفت؟ اتقتلت؟ معرفش!
الموضوع بيتحقق فيه من وقتها ومفيش أي جديد.. كأن الأرض اتشقت وبلعتها، دا حتى الشرطة حققت مع أبويا لشكهم أنه خطفها أو قتلها، وبرضو مفيش أي دليل على اختفائها!

الصدمة كانت قوية جدًا عليا، ومفيش غيرها هي اللي دايمًا بتوقف جنبي وبتساندني في المواقف الصعبة؛ سارة عايشة في نفس الحي بتاعي، الصدفة كانت هى سبب معرفتنا ببعض.. فكانت في نفس المدرسة الثانوية اللي أنا فيها، انجذبت ليها جدًا خصوصًا بعد ما عِرفت إن أصولها من مصر، هي مش بتتكلم مصري زيي، لكن واضح إن الجينات المصرية اتعرفت على بعض بسهولة!

مش محتاج أرغي كتير وأقولك إن سارة بقت بمكانة مراتي! علاقتنا أكيد مسموح بيها في أمريكا.. بس مكنش مسموح أن أبويا يعرفها لإن دمه المصري بلا شك هيرفض اللي بيني وبينها، وبسبب دا بنتظر خروجه للشغل علشان كل اللي نفسك فيه يحصل بيني وبينها، خليك مكاني وقولي هتعمل إيه؟

أمك اختفت فجأة، أبوك كل اهتمامه الشغل ولما يرجع ينزل البدروم بحجة تنظيفه، بس اللي مجنني أنه من وقت ما أمي اختفت وهو كل حاجة فيه بقت غريبة.. تصرفاته، بقى عصبي، كلامه قل، بقت الفلوس اللي بيدهاني هي كلامه، الخمرة بقت الراعي لحياته، سبب التغير دا أذإيه؟ معرفش بس أكيد إن فيه سر كبير، خصوصًا إن باب البدروم كان بيقفله على طول بعد ما بيخرج منه على وش الفجر!

مكنش فارق معايا الصراحة كل الهبل دا.. لأن فلوسي واصلة بدون انقطاع، وكمان سارة مالية خانة شهوتي فمكنتش بحاجة إني أشغل بالي خالص بالتفهات دي..
طبعًا الكلام دا قبل ما المصيبة اللي عرفتها، واللي بسببها عِرفت مفتاح سليمان!

كعادة كل يوم بعد ما أبويا طَلع على الشغل؛ سارة جات، وطلبنا بيتزا، وبالفعل الدليفري جه، واستلمناها منه، جهزنا السفرة، وبدأنا ناكل..
كلام سارة ليا قطع الصمت اللي ساد الأجواء علشان تقول:
-هاني هو باب البدروم مقفول ليه؟
بصيت لها والحقيقة مكنتش عارف أقول إيه، وعشان مااتعبش نفسي وأدور على السبب قولت:
-مش بشغل نفسي بالإجابة يا سارة.
بتلقائية قالت:
-طيب ما نشوف فيه إيه، مش يمكن يكون جواه كنز!

مقدرتش أمسك نفسي لحظتها وضحكت قوي علشان أقول:
-كنز! كنز إيه بس يا سارة؟!
قامت فجأة من على كرسيها وقالت لي:
-مليش دعوة.. أنا عايزة أشوف اللي جوه البدروم دا.

كنت بعشق فيها كل حاجة حتى لما تتعصب، قومت أنا كمان وقربت منها، فـ همست في ودنها، وقولت لها:
-مبقدرش أقول لك لأ.. ناكل بقى وننزل للكنز تمام؟
بصوت واطي.. بين طياتها مشاعر تزلزل أي حد؛ قالت:
Ok-

فعلًا بعد ما أكلنا؛ بدأت أكسر في باب البدروم، كنت شامم ريحة وحشة قوي، معرفش مصدرها إيه، بس زي ما يكون في ميت تحت!
مركزتش وكملت في اللي بعمله.. لحد ما أخيرًا قفل الباب اتكسر..
عمرك دخلت قبر؟ طيب مات لك حيوان قبل كده؟ من غير ما تعرف.. بلاش شميت قبل كده ريحة قطط ميتة في الشوارع؟

أقذر ريحة شمتها ويمكن هي الأعفن من بين الروائح اللي شمتهم في حياتي.. دا لأن الريحة كانت حرفيًا ريحة تحلل جثة!

خرجت برة الشقة أنا وسارة من بشاعة وقذارة الريحة..
دقايق عدت ودخلت أنا وهي، والريحة لسه موجودة بس بدرجة أقل من المرة الأولى، بخطوات بطيئة؛ نزلت أنا وسارة البدروم، وكنت ماسك إيديها، والخوف حرفيًا لبسنا احنا الاتنين، فـ كانت كل خطوة مؤدية للبدروم بمثابة نزولك لدرجات الجحيم برجلك!

العتمة هيمنت على المكان.. فـ بالتالي شغلت كشاف موبايلي.. ولقيت اللي عمري ما كنت أتخيل إني أشوفه في حياتي..
جثة لواحدة ست متعلقة في السقف بواسطة علقات اتثبتت في سقف البدروم، مفيش حاجة دارت عورتها، مفيش أي احترام حتى لحرمة الميت، فكانت بالظبط كأنها ذبيحة مِتعلقة، حقيقي المنظر مشاعره أكيد مش هتوصل لحد غير اللي شافوه مباشرةً.

صرخت سارة أول ما شافت الجثة عكسي أنا اللي اتمالكت أعصابي -بصعوبة طبعًا- بس دا علشان وشها كان مألوف عليا، التجاعيد والتضاريس دي أنا عارفها، العيون المبحلقة فينا -بفزع- كانت مش غريبة إطلاقًا عليا، لكن اللي خلاني متردد إني أجزم في إن دي أمي؛ هو ليه لونها أصفر كده؟ وكإن دمها اتشفط منها!

سارة همست بصوت مليء بالخوف:
-هاني أرجوك خرجنا من هنا قبل ما يجي والدك..
بلعت ريقي بصعوبة وقلت لها:
-ثواني يا سارة..

وجهت الكشاف على باقي المكان.. مستكشفه، فـ لقيت ترابيزة كان موجود فوقها رأس لخنزير.. عينيه اتفرغت أو اتشالت، وكان ظاهر بوضوح الدود اللي كانت الرأس وجبته..

على طرف الترابيزة كان محطوط كتاب.. جذبني الحقيقة شكله الغريب، وقررت أخده أشوفه فوق..
اتحركت خطوتين للوراء، وسارة تقريبًا فقدت حاسة النطق..
فجأة ظهر ظل لشخص واقف قصاد باب البدروم، وبصوت أنا عارفه كويس قال:
-كان هيجي الوقت اللي تحصلها وأهو جه!

اتقدم أبويا ناحيتي، وعيونه كانت بتشع غضب وشر، السكينة اللي كان ماسكها مخدتش بالي منها، إلا لما رفع إيده اليمين في محاولة منه لغرسها فيا، وقبل ما يعمل كده كنت اتفديته، ومسكت إيده اليمين، مستحيل دا يكون أبويا.. دي مش صحة واحد قَرب على العقد السادس من عمره.. دا ولا كأنه شاب عنده عشرين سنة!

خرجت سارة من المأزق دا بصعوبة، ولا زال الصمت مرافقها لكن عيونها كانت بتشرح كل حاجة لسانها مقدرش أنه يقولها..

مفيش ضربة واحدة أثرت فيه.. دا أكيد مش أبويا ولا دا بني آدم أصلًا.. دا لابُد أنه شيطان على هيئة بشرية!
في وسط محاولاتي أنه ماينتزعش حياتي؛ فجأة اتشنج وعيونه ابيضت كليًا وبدأت قوته تتهاوى، وبالفعل ادحرج من سلالم البدروم.. ليرتكز بمحل أعماله النجسة..

واضح إن ضربة سارة له بالسكينة في ضهره كانت كفيلة أنها تفقده روحه، اللي أكيد مكانها اتحجز من دلوقتي في الجحيم..

الكتاب طبعًا وقع مني نتيجة اللي حصل، وبكشاف موبايلي اللي معرفش إزاي لحد دلوقتي شغال وَجِهت ضوئه على المكان ولقيته جمب جثة أبويا!
حقيقي في اللحظة دي الخوف والتردد نهشوني.. أنا متيقن أنه فارق الحياة لكن برضو خايف أقرب، أخدت نفس عميق، وقربت، وببطئ مديت إيدي ناحية الكتاب وخدته، نظراته المرعبة دي إن دلت على شيء فأكيد هَتدل أنه شايف المحجوب عن الأعين، اللي لو إنسيّ شاف اللي بيشوفه أبويا دلوقتي أكيد هيكون مصيره نفس المصير الأغبر!

حَركت رجلي ناحية السلالم، وعيني مش متحركة من على جثته، حاسس أن روحه هترد له وينتقم من اللي مَوته..

خرجت برة البيت، تارك ورائي ملاذ الشياطين.. هعمل إيه؟ ههرب؟ أسلم نفسي للشرطة؟ وأعيش باقي حياتي بين قضبانه؟
ولا أشُق طريقي أنا وسارة هاربين من أيادي الأنس والجن، هل الكتاب اللي خدته هيفيدني ولا لعنته هتصيبني؟!

أسئلة.. أسئلة، والأجوبة مش عارف ألاقي ليها دليل.. بس الأكيد إني هكمل الطريق لنهايته بدون ما أبُص للماضي..
الفضول كائن عجيب قادر أنه يخليك ترمي نفسك في النار لمجرد أنك تحِس بالنار.. فهل الفضول هيجبرني إني أتصفح طيات الكتاب اللي بين إيديا ولا اللامبالاة هتسيطر عليا؟

بعد مرور ثلاثة أشهر..
“مفتاح سليمان.. هو شيء مش مادي، أنما هو بواقع الأمر حاجة كده زي الهبة.. بيهديها لك نفر من الشياطين.. بعد ما تتم خطوات كتير أهمهم؛ تقديم الدم!”

بالأخص الدم الآدمي، وزي ما ذُكر في الكتاب إن الشخص علشان ياخد المفتاح، وبيه هيضمن خلوده وثراءه في الدُنيا؛ لا بُد له أنه يقتل من غير ذرة رحمة.. لمُّسن، أو لشاب، أو لست، أو حتى لطفل، ومن هنا بدأت رحلتي في سفك الدماء..

بعد ما هربنا أنا وسارة، قرأت في محتويات الكتاب، قبل ما تعرف حاجة عنه، فلازم تعرف إن أنا وهي اتشردنا، وكان لازم إن ده يحصل لأن حتى الفلوس القليلة اللي معانا لو حجزنا بيها في فندق، فـ هيتقبض علينا، وبسبب دا الشارع كان مأوانا، وعلشان كده اتمسكت بالكتاب وقولت يمكن يكون طوق نجاتي..

عِرفت من قراءتي له أنه من أخطر وأندر الكُتب اللي ممكن أي شخص أنه بقتنيها، واضح إن أبويا صرف كتير جدًا علشان يعرف بس يجيب حق الكتاب.

خدت وقت كبير علشان أفهم طلاسمه ومضمونه.. لكن اللي بينوي على الشر؛ذ الشياطين بتيسر له الموضوع، أنا الحقيقة عملت كل حاجة انطلبت مني وبزيادة كمان.. مبقاش فاضل غير خطوتين بس وأكون مَّالك الأرض بتخليدي وثرائي فيها..
الخطوة الأخيرة إني أقتل أعز شخص أعرفه.. سارة! طول الخطوات اللي فاتت مكنتش بفكر إلا إني إزاي هايهون عليا أعمل دا.. دي هي الوحيدة اللي وقفت جمبي وباعت أهلها علشاني.. أقوم أنا أقتلها عادي كده؟!

دي اللحظة فعلًا اللي بيوقف فيها الزمن، لا بتكون عارف هتعمل إيه، ولا متأكد من اللي قلبك شاكك في صحته.. هتروح لأنهي سكة؟ اللي بيقولك قلبك عليه إنه غلط؟ ولا هتسند نفسك بجمبك الشمال وهتدوس على أكتر حاجة كانت مخلياك تكمل؟!

تقريبًا الساعة عدت منتصف الليل، ومعنى دا أنه جه وقت سارة! في شارع جانبي وقفنا.. طبعًا افتكرت إني الذئب البشري اللي هينقض عليها، وهي أكيد مستسلمة لكدة، لكنها مأدركتش إن حياتي هتنتهي خلال ثوانٍ..
قولت لها:
-آسف يا سارة!
قبل ما استوعب اللي قولته؛ كنت ناحر رقبتها بالسكينة اللي كانت في جيبي..
برائتها شوفتها في عنيها.. لكن مهمنيش، كل اللي يهمني دلوقتي؛ هو حضوره علشان يسلم ليا المفتاح!

دقائق مَّرت، وكان ظهر.. اتعودت على شكله في الفترة الأخيرة، بقرونه وبطوله اللي مفيش بني آدم يضاهيه.. دا غير عيونه السودة تمامًا، اتكلم بعد سجودي ليه.. فقال بصوت أكيد ماينبَعش من بن آدم:
-أظهر ليّ ولائك.. بدمائك!
فهمت اللي عايزه، فـ مسكت السكينة، ومشتها على كف إيدي الشمال، اتكَلم تاني بعد ما شاف الدم:
-المزيد من الدم، المزيد من الطاعة، تَحصُل على مُّفتاح سليمان!
بدون لحظة تردد نفذت وعملت نفس الحوار في إيدي اليمين.

دقائق كتير مَّرت، والدم بيسيل بغزارة من إيديا الاتنين، والشيطان دا واقف قدامي بثبات، مفيش كلمة خرجت منه، لما حسيت إني بدوخ وبفقد سيطرتي.. قولت له:
المفتاح فين؟
-أنتُم دايمًا بأيديكم الاختيار، وأنا خيرتك، وكنت بكامل إرادتك؛ أنك تقرأ، أنا حذرتك -في الأول- فالآن لا تَلُم غير نفسك!
-يعني إيه؟
-أي أن المفتاح ما هو إلا تراهات ندونها لكُم حتى تجلبوا الدماء لنا..

دوخت أكتر وحسيت إن فعلًا دي النهاية! اتكلمت بصعوبة:
-كل اللي عملته راح طيب ليه أغوتني بالدنيا ونسيتني إن الموت هو المصير؟
-نفسك الأمارة بالسوء هي مَن قتلتك ولستُ أنا، الحقيقة إني ما كُنت إلا أداتك التي لم تعلم أنها ستتمرد عليك.. والآن اذهب لخالقك وقل له أن الشياطين خذلتني وخذلت والدي!

كدابين.. طول حياتهم كدابين، أبويا صدقهم، وأنا من غبائي صدقتهم بس نهايتنا كانت واحدة.. جهنم وبئس المصير!
دايمًا كانت معروفة بس احنا كنا دايمًا مُّغفلين.

#الباحث_تحت_الأنقاض

زر الذهاب إلى الأعلى