مقياس النيل : كيف قاس المصري القديم منسوب مياه النيل ؟
مقياس النيل من أهم الآثار التي تركتها لنا مصر القديمة، ففي كل عام يبدأ منسوب مياه النيل في الارتفاع في فصل الصيف وتفيض المياه على ضفافه وتنزلق للوديان والسهول المحيطة به، هذا الفيضان السنوي هو الذي يجعل الأرض خصبة مما يسمح بزراعتها.
ومنذ العصور القديمة اعتمد المصري القديم على فيضان النيل المنتظم سنويًا، ولكن الفيضان كان لا يمكن التنبؤ به في حين أن انتظام الفيضان كان جزءًا من الدورة الزراعية، وكان الكثير من مياه الفيضانات كارثية لأنها تجرف المحاصيل وجزء كبير من البنية التحتية المبنية على سهل الفيضان.
وإذا لم يحدث فيضان النهر تسبب في المجاعة والجفاف، ولذلك لعب فيضان النيل دورًا سياسيًا وإداريًا مهمًا، حيث اُستخدم جودة محصول العام لتقدير مقدار الضريبة المفروضة على المصري القديم، ولذلك بدأ المصريون القدماء في قياس منسوب النيل للتنبؤ بالحصاد.
مقياس النيل قديمًا
أظهرت السجلات المحفوظة أن العلامات لفيضان النيل كانت قليلة ولكن فيما بعد تم بناء السلالم والأعمدة والآبار وغيرها من الهياكل التي سُميت بمقياس النيل، كان الكاهن الملكي يراقب المستوى النهري يوميًا ويدونه في السجلات، وكان من ضمن مهام عمله أن يُعلن عن وقت الفيضان في فصل الصيف، وأصبحت مهمة التنبؤ بالفيضان جزءًا من عمل الكهنة وكانت أيضًا جزء من غموض الكهنوت المصري القديم، بذلك تعود فكرة مقياس النيل لنحو 7 آلاف عام، وكأن الشخص الممتلك لقراءة منسوب النيل امتلك معرفة كنوز مصر الأكثر قداسة.
وأبسط تصميم لمقياس النيل هو العمود العمودي المغمور في مياه النيل مع فواصل ملحوظة تُشير لعمق الماء، ولاحقًا بدأ وضع تلك الأعمدة داخل هيكل حجري مُتقن ومزخرف، ولا يزال متواجد في جزيرة الروضة وسط القاهرة وعلى الرغم من أن المقياس تم بناءه عام 861م ولكنه تم بناءه على موقع لعينة سابقة، بناءً على أوامر من الخليفة العباسي المتوكل.
مقياس النيل الفرعوني
ويوجد مقياس آخر مهم في جزيرة إلفنتين في مدينة أسوان والذي يتكون من مجموعة من السلالم تؤدي إلى الماء مع علامات تشير للعمق على طول الجدران، ووضع مقياس فيلة على الحدود الجنوبية لمصر ولذلك كان أول مكان يتم فيه الكشف عن الفيضان السنوي لنهر النيل، ويوجد في محافظة أسوان عددًا من مقياس النيل في فيلة وكلابش وكوم إمبو وإدفو ولكنها لا ترجع للعصر الفرعوني فحسب بل للعصر البطلمي والروماني.
ومن أروع مقاييس النيل تلك الموجودة في كوم أمبو يقع في الجانب الشمالي الغربي من المعبد، والمقياس عبارة عن بئر اسطواني الشكل يتصل في الجزء العلوي منه بثر صغير كان يُستخدم لحفظ المياه.
ومن الملاحظ للتاريخ الفرعوني أن المصريين القدماء قد بنوا الكثير من المقاييس على نسبة اختبارية لجميع فصول العام، لتكون ميزانًا صحيحًا، حتى لو طرأ بعض العوارض في منطقة ما يمكنهم حصر الماء فيها، ويوجد أيضًا في مدينة بيلاق مقياس يشبه مقياس مدينة ممفيس، والمقياس كان مبنيًا من الحجر على شاطئ النيل عبارة عن بئر تتوازن فيه درجة المياه سواء بالارتفاع أو الانخفاض.
ووُجد من ضمن الآثار الفرعونية نصوصًا موجودة في المتحف البريطاني باللغة الهيروغليفية تُثبت أن الملك سنوسرت الثالث قام بعمل إصلاحات في العام الثامن من حكمه على مقياس بيلاق، كما ذُكر مقياس النيل في كتاب الموتى، وتم نشر نقوش ترجع لعهود البطالمة خاصة بهذا المقياس ذكرها بروكش باشا العالم الأثري.
وبمرور الزمن اندثر مقياس النيل في مناطق عديدة، فقد كان بقرب كل معبد مقياس للنيل خاص به، كان الكهنة وحدهم من يستخدمونه ليعرفون درجات الفيضان ..