منتخب مصر.. الإخفاق الإفريقي بين الدوائر المفرغة والإصلاح
منتخب مصر.. خيب المنتخب المصري آمال أنصاره بالخروج المبكر من دور الـ16 لكأس أمم إفريقيا، بعد فشله في تحقيق أي انتصار على مدار أربع مباريات بالبطولة، وهو الأمر الذي لم يحدث بالكرة المصرية منذ عام 1992، فلماذا وقع الإخفاق وكيف تكون بداية الإصلاح الحقيقي بعيدًا عن التشنجات والمزايدات؟
إصلاح الملاعب
الملاعب هي العنصر البديهي في ممارسة كرة القدم بأي دولة بالعالم، غير أن معظم الملاعب المصرية غير مؤهلة لذلك، وهي حقيقة يتجاهلها الغالبية إما عن عمد أو عن جهل، فكانت تلك الملاعب موضع نقد صريح من العديد من المدربين الأجانب الذين تعاقبوا على الكرة المصرية سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات، والذي كان آخرهم البرتغالي كارلوس كيروش الذي طالب بضرورة علاج عيوب أرضية العديد من الملاعب بمصر، وهو ما أقر به وليد أبو العلا طبيب المنتخب المصري في أحد حواراته التليفزيونية من قبل عندما اتهم أرضية الملعب بالتسبب في العديد من الإصابات للاعبين.
وتبدو مقولة تأثر حالة الملاعب بتوالي خوض المباريات عليها، بمثابة الحجة الساذجة التي يسوقها المسئولين عن الكرة على مدار عقود، فلماذا لا تُغلق الملاعب بشكل دوري للصيانة في باقي دول العالم، ولماذا يظهر تأثير توالي المباريات سريعًا على أرضية معظم الملاعب المصرية تحديدًا؟
وهم المسابقات المحلية
لم تعرف الكرة المصرية مسابقة دوري منتظمة ذات جدول محدد، منذ بداية تطبيق مفهوم الاحتراف عقب نهاية مشاركة المنتخب المصري في مونديال 1990 تحت قيادة الراحل محمود الجوهري، فنجد أن مدة بعض المواسم قد تجاوزت عامًا كاملاً، وهو ما يتسبب في تلاحم المواسم وغياب حصول اللاعبين على الراحة السلبية المطلوبة، والقيام بفترة الإعداد المناسبة مثلما يحدث بباقي دول العالم، وبالتالي ينعكس ذلك على مردود اللاعبين البدني وعلى جودة المسابقة التي لا تفرز العدد المطلوب من اللاعبين لتمثيل منتخب مصر بالشكل اللائق على الصعيد الدولي، ولعل وجود نقص حاد بأكثر من مركز بالمنتخب المصري خير دليل على ذلك.
ويتحمل اتحاد الكرة مسئولية ذلك الأمر بشكل كبير، وذلك باعتباره الجهة المنظمة للمسابقات المحلية، فيكفي أن تعلم أنه سيتم إقامة المباراة النهائية لنسخة كأس مصر 2022 في مارس 2024، وذلك في مشهد يحمل كل معاني العبثية التي تعاني منها الكرة المصرية.
القيمة التسويقية
تعاني الكرة المصرية من وضعًا اقتصاديًا فريد من نوعه، ففي الوقت الذي تئن فيه الأندية من الأزمات المالية، نجد ارتفاعًا مذهلاً في قيمة اللاعبين التسويقية، ليبدو الوضع أشبه بشركة تتعرض لخسائر سنوية باهظة في الوقت الذي يحقق فيه جميع موظفيها أرباحًا طائلة.
ولا يوجد حلاً لتلك المعضلة سوى وجود آلية واضحة لتحديد القيمة التسويقية للاعبين، ومحاولة وضع سقفًا للحد الأقصى من الرواتب، فلا يُعقل وصول القيمة التسويقية لبعض اللاعبين لمبالغ تتراوح بين 30-40 مليون جنيه، بالرغم من عدم خوضهم أي مباراة على المستوى الدولي، وهو ما قد يجعل القيمة التسويقية للعديد من لاعبي الدوري المصري أعلى من نظرائهم بالبريميرليج، إذا ما وضعنا في الاعتبار فرق العملة ومعدل التضخم بالبلاد.
الإعلام بين النقد والتريند
لا تنفصل المنظومة الإعلامية عن الإدارية في الكرة المصرية، لاسيما مع وجود تداخل في المهام بين أعضائها، وهو الأمر الذي لا يحدث بأي مكان آخر في العالم.
وتغيب الموضوعية والمهنية عن أداء غالبية أفراد المنظومة الإعلامية بشكل كبير، فهناك من يمجد لاعبًا لمجرد إحرازه هدفين في مباراة أو التسجيل في مباراتين متتاليتين، في الوقت الذي يلجأ فيه البعض لأسلوب السخرية والتهكم على الجميع بشكل مستمر، من أجل صناعة «التريند»، الذي يدر عليه أموالاً في صورة حملات إعلانية، وذلك لتعويض فشله في التواجد بمجال التدريب، ناهيك عن قيام بعض اللاعبين القدامى الذين لا يتعدى رصيدهم الدولي خمس مباريات على أفضل الأحوال بتوجيه النقد الهدام بشكل مستمر، وذلك لتصفية بعض الحسابات الشخصية ليس أكثر.
قاعدة الناشئين
يستحوذ المنتخب الأول ومن بعده الأولمبي على اهتمام مسئولي الكرة في مصر، وذلك دون الالتفات إلى مرحلة منتخب الناشئين تحت 17 عامًا، والذي اختفى بشكل كبير من على الساحة الإفريقية في السنوات الأخيرة، فيكفي أن تعلم فشل المنتخب المصري في مجرد التأهل لنهائيات كأس أمم إفريقيا لتلك المرحلة العمرية منذ عام 2011، علمًا بأن مصر قد تذيلت مجموعتها في تلك النسخة.
وبالتالي نجد غياب وجود قاعدة حقيقية من الناشئين القادرين على إمداد المنتخب الأول في السنوات المقبلة أمرًا مؤسفًا ينذر بعواقب وخيمة، في الوقت الذي امتلكت فيه الكرة السنغالية خطة واضحة للتطوير بالسنوات الأخيرة، وهو ما أسفر عن تتويج منتخب بلادهم بألقاب كأس أمم إفريقيا على صعيد المنتخب الأول، منتخب الشباب، منتخب الناشئين بالإضافة لبطولة المحليين، وذلك في نفس التوقيت.
أزمة محمد صلاح
لم يكن خروج محمد صلاح من معسكر منتخب مصر لتلقي العلاج مع ناديه ليفربول بإنجلترا السبب المباشر في الإخفاق الإفريقي، فلم يكن أداء المنتخب مقنعًا في وجوده أيضًا إلا أن تلك الأزمة لخصت العديد من مشاكل الكرة المصرية على الصعيد الإداري والإعلامي على حد سواء.
وتسبب اتحاد الكرة في إثارة اللغط والبلبلة بالإعلان المبكر عن مدة غياب صلاح، والتي جعلت مشاركته واردة بشكل كبير في حال التأهل لربع النهائي، وذلك قبل أن يخرج يورجن كلوب المدير الفني لليفربول، للكشف عن وجود اتفاق مسبق مع اتحاد الكرة المصرية حول تلقي صلاح العلاج بإنجلترا، وهو ما تسبب في عاصفة من الانتقادات لقائد المنتخب، والتي وصلت إلى تخوينه من قبل أحد اللاعبين السابقين الذي تم طرده من معسكر منتخب مصر، بسبب فضيحة جنسية وفقًا لاعترافاته الشخصية من قبل.
التعامل مع نجم بقيمة صلاح، لا يكون سوى بشكل موضوعي ومنطقي بعيدًا عن التشنجات والمزايدات التي لا طائل منها، فنجم ليفربول ليس البطل الخارق الذي يمكنه صناعة الفارق بمفرده، ولا هو اللاعب المنزه عن الخطأ المحظور نقده.
وأخيرًا، يمكن القول أن تغيير جهاز فني أو استقالة أعضاء اتحاد الكرة ليس سوى مُسكنًا لأمراض الكرة المصرية، التي تعاني منها عبر عقود في دائرة مفرغة، فالإصلاح الحقيقي لا يأتي سوى بتغيير الأفكار والمنظومة الإدارية المتعفنة في جميع قطاعات اللعبة.