الحياة والمناخرياضة

ناديا كومانتشي.. المرأة التي صنعت تاريخ الجمباز

ناديا كومانتشي.. الصعود لمنصات التتويج هو الغاية التي يبحث عنها كل الرياضيين بمختلف اللعبات، إلا أن البعض يتخطى تلك المرحلة لما هو أهم بكتابة تاريخ جديد باللعبة، وهنا سنتناول قصة أسطورة الجمباز الرومانية ناديا كومانتشي.

بزوغ مبكر للموهبة

وُلدت ناديا كومانتشي يوم 12 نوفمبر عام 1961  في مدينة أونيت برومانيا، حيث أطلق والدها عليها اسم «ناديا» تيمنًا ببطلة إحدى الأفلام الروسية.

ولاحظت والدة ناديا فرط الحركة والنشاط التي تمتعت بها طفلتها، فألحقتها بحصص الجمباز مع فريق يُدعى «فلاكارا» من أجل إفراغ طاقتها بها لتنعم ببعض الهدوء في المنزل.

وتم اختيار ناديا للالتحاق بالمدرسة التجريبية لمدرب الجمباز الشهير «بيلا كارولي»، وهي في سن السادسة بعدما أبدى إعجابه الشديد بأدائها لحركة العجلة الدوارة «cartwheel»، إذ كان كارولي يبحث عن المواهب الصغيرة عبر مدارس رومانيا من أجل الإشراف على تدريبها.

بداية التألق مع كارولي

بدأت ناديا تدريبها تحت إشراف كارولي في سن السابعة، لتبدأ في حصد الثمار سريعًا بفوزها ببطولة رومانيا للجمباز في سن التاسعة، كأصغر من يحقق ذلك الإنجاز في تاريخ البلاد.

وشاركت ناديا في أولى البطولات الدولية في عمر العاشرة لتحصد الميدالية الذهبية، ثم دعمت تألقها بالتتويج بذهبية جديدة في العام التالي ببطولة «دجوبا»، التي تعد أبرز بطولات الناشئين على المستوى الدولي، وذلك من خلال جهازي حصان القفز والمتوازي.

ولفتت موهبة ناديا الأنظار بعد تتويجها بالميدالية الذهبية في كافة الأجهزة، التي لعبت عليها باستثناء جهاز تمارين الحركات الأرضية، وذلك خلال البطولة الأوروبية للجمباز الفني للسيدات التي استضافتها النرويج عام 1975، حيث كانت ناديا وقتها في الثالثة عشر من عمرها.

التحضير للأولمبياد

راهن كارولي على تألق ناديا بدورة الألعاب الأولمبية التي ستستضيفها مدينة مونتريال الكندية عام 1976، فبدأ التحضير لها بالمشاركة في دورة أمريكا الدولية بشهر مارس من العام ذاته، لتحصد العلامة الكاملة في جهازي حصان القفز والحركات الأرضية.

والتقت ناديا ذات الأربعة عشر عامًا بلاعب الجمباز الأمريكي «بارت كونور»، الذي كان يكبرها بأربع أعوام خلال مشاركتها بفعاليات دورة أمريكا الدولية لتبدأ قصة الحب بين الثنائي التي ستنتهي بالزواج في وقت لاحق.

ناديا والمجد الأولمبي

كانت ناديا على موعد مع كتابة تاريخ جديد في لعبة الجمباز بأولمبياد مونتريال 1976، بعدما باتت أول من يحصد العلامة الكاملة (10) في تاريخ اللعبة بالأولمبياد سواء على مستوى الرجال أو السيدات، وذلك بعرضها الاستثنائي على جهاز المتوازي، وهو ما تسبب في حيرة الجماهير وناديا نفسها عندما فوجئوا بعرض الرقم على هيئة 1:00، في ظل عدم قدرة اللوحات وقتها على طباعة الرقم 10.00 بشكله الطبيعي.

وواصلت ناديا صناعة التاريخ في أولمبياد مونتريال بتحقيق ست علامات كاملة (10)، لتفوز بذهبية عارضة التوازن، والقضبان غير المستوية، والمنافسات الفردية الشاملة فيما حققت فضية الفرق وبرونزية التمارين الأرضية، وهو ما كان حديث جميع الصحف ووكالات الأنباء وقتها لتبدأ رياضة الجمباز في خطف الأضواء عالميًا.

وباتت ناديا أصغر لاعبة تُتوج بالذهب الأولمبي في تاريخ رومانيا عن عمر 14 عامًا، بالإضافة لكونها سادس أصغر المتوجين بالذهب في تاريخ الأولمبياد وفقًا للعديد من المواقع الرياضية.

وتحولت ناديا لأيقونة رياضية في بلادها عند العودة لرومانيا، فنالت الجائزة الذهبية للمنجل والمطرقة بالإضافة لحصولها على جائزة بطلة العمل الاشتراكي، لتصبح أصغر من يحصل على تلك الجائزة في عهد الرئيس نيكولاي تشاوشيسكو.

بداية الصدام مع النظام الشيوعي

واصلت ناديا تألقها في مختلف البطولات عقب نهاية الأولمبياد، فدافعت عن لقبها بنجاح في البطولة الأوروبية إلا أن الصدام بدأ مع نظام الدكتاتور الشيوعي تشاوشيسكو عام 1977، بعد صدور الأوامر بانسحاب الفريق الروماني من أحد البطولات الأوروبية، بسبب الاعتراض على التحكيم ليتم إبعاد مدربها كارولي وإلحاقها بمجمع بوخارست لمواصلة تدريبها هناك.

وتدهورت حالة ناديا النفسية بعد إبعاد مدربها كارولي لدرجة إقدامها على محاولة الانتحار في سن الخامسة عشر، وهو ما اعترفت به لاحقًا في حوارها لجريدة «لوس آنجيلوس تايمز» الأمريكية عام 1990.

وتراجع مستوى ناديا بعد تلك الواقعة، فاكتفت بالحصول على فضية وحيدة في جهاز حصان القفز ببطولة العالم، التي استضافتها مدينة ستراسبورج الفرنسية عام 1978.

العودة للتألق ومعجزة تكساس

عادت ناديا للتدرب تحت قيادة كارولي بأوامر من النظام، الذي أراد الحفاظ على أيقونة الرياضة الرومانية في المحافل الدولية، ليؤتي ذلك بثماره سريعًا لتحصد لقبها الأوروبي الثالث على التوالي عام 1979، وهو ما لم يحققه أي لاعب أو لاعبة في تاريخ الجمباز وقتها.

وتعرضت ناديا لإصابة قوية في المعصم نتج عنها تسممًا بالدم لتضطر لدخول المستشفى قبل انطلاق بطولة العالم في ولاية تيكساس الأمريكية، إلا أن البطلة الرومانية أصرت على تحدي أوامر الأطباء لتغادر المستشفى من أجل المشاركة في البطولة، حيث حصلت على درجة 9.95 في جهاز التوازن، لتقود المنتخب الروماني للميدالية الذهبية الأولى في تاريخ مشاركاته ببطولة العالم لتواصل صناعة التاريخ.

وخضعت ناديا لعملية جراحية في اليد المصابة عقب انتهاء مشاركتها ببطولة العالم، والتي تعرضت لخراج بسبب إصرارها على اللعب لتبتعد قليلًا عن الجمباز.

إنجازات أولمبية وصدام جديد

لم تفقد ناديا شغفها وجوعها للمزيد من الميداليات الأولمبية، عندما شاركت بدورة موسكو 1980 لتحقق ذهبية جهاز عارضة التوازن وأخرى بالتمارين الأرضية، قبل أن تضيف فضيتين في منافسات الفرق والفردي العام.

وكانت ناديا على موعد جديد مع الصدام بنظام تشاوشيسكو الشيوعي، عندما نظم اتحاد الجمباز الروماني رحلة للولايات المتحدة عام 1981، لتنتهي بانشقاق مدربها كارولي وعائلته عن المجموعة من أجل هروبهم من قبضة النظام الشيوعي، علمًا بأنه قد عرض على ناديا مرافقته في رحلة الهروب غير أنها رفضت العرض، ليتم فرض الحظر على البطلة الرومانية فور عودتها للبلاد.

واصطدم حلم ناديا بالمشاركة الأولمبية الثالثة في دورة لوس آنجيلوس 1984 برفض الحكومة الرومانية مشاركتها، بالرغم من وجود بعثة لرومانيا بالبطولة، التي قاطعتها غالبية الدول الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي، ردًا على مقاطعة الولايات المتحدة ودول الكتلة الغربية لأولمبياد موسكو 1980.

وذهبت ناديا ضمن البعثة الرومانية كمراقبة لعروض الجمباز، حيث كان عليها مشاهدة مدربها السابق كارولي، وهو يقود اللاعبة الأمريكية «ماري لوريتون»، للتتويج بخمس ميداليات أولمبية، وذلك دون أن تتمكن من مجرد تبادل الحديث معه في ظل المراقبة الأمنية المكثفة، التي تعرضت لها من مسئولي البعثة الرومانية.

اعتزال وهروب وعودة سعيدة

أعلنت ناديا اعتزالها الجمباز عام 1984 لتسدل الستار على مشوار حافل، إلا أنها سأمت من المضايقات الأمنية لها لتنجح في الهروب من البلاد يوم 27 نوفمبر 1989، حيث عبرت إلى الحدود المجرية ومنها إلى النمسا ثم الولايات المتحدة الأمريكية لتستقر في ولاية أوكلاهوما، وتلتقي مجددًا مع حبيبها الأمريكي بارت كونور.

وسقط نظام تشاوتشيسكو الشيوعي في رومانيا بعد رحيل ناديا بأقل من شهر، إثر ثورة اندلعت في البلاد ليعقبها انهيار الشيوعية في دول أوروبا الشرقية، وهو ما ساعدها على العودة إلى وطنها عام 1996 لتتزوج ببارت في حفل زفاف بالعاصمة بوخاريست.

تكريمات عديدة

  • أطلق اسم «ناديا كومانتشي» على الساحة الأولمبية في مدينة «مونتريال» الكندية في أكتوبر 2017، تخليدًا لإنجازها الاستثنائي في الدورة الأولمبية.
  • تم اختيار ناديا كمتحدثة في الحفل السنوي الخمسين لعيد الاستقلال بالولايات المتحدة في «مونتي تشيلو» يوم 4 يوليو 2012، لتصبح أول رياضية يتم دعوتها للتحدث في تاريخ الحفل.
  • تم اختيار ناديا كأحد أفضل الرياضيين في القرن العشرين من قبل أكاديمية «لوريوس» الرياضية العالمية.
  • تشغل ناديا منصب الرئيس الفخري للاتحاد الروماني للجمباز، والرئيس الفخري للجنة الأولمبية الرومانية، والسفير الرياضي لرومانيا، بالإضافة لكونها عضوة في مؤسسة الاتحاد الدولي للجمباز علاوةً على مشاركتها في جمع التبرعات للعديد من الجمعيات الخيرية حول العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى