تاريخ

نظرية ميازما .. كيف حفزت الأوبئة المدن على توفير مساحات خضراء للسكان ؟

نظرية ميازما .. كيف حفزت الأوبئة المدن على توفير مساحات خضراء للسكان ؟
ساعدت نظرية ميازما في القرن التاسع عشر على بناء المتنزهات العامة وزراعة الأشجار بالطرق العامة ليُشكل أجمل المناظر الطبيعية بالعالم، في صيف عام 1832م دمرت الكوليرا مدينة نيويورك تاركه ضحاياها يعانون من الغثيان والقيء، وصلت الكوليرا لآسيا وشقت طريقها عبر أوروبا قبل وصولها لشواطئ نيويورك، لم تستغرق سوى أسابيع وحصدت 3500 شخص من سكان المدينة، وعند عودة الكوليرا للمرة الثانية عام 1849م تجاوز عدد الوفيات 5000 شخص طوال القرن التاسع عشر.

ترك تفشي وباء الكوليرا علامة لا تُمحى ليس فقط في عدد الوفيات ولكن في التصميم الحضري مثل الشوارع الواسعة والحدائق والتي حولت مدينة نيويورك والمدن الرئيسية الأخرى إلى المدن الكبيرة التي نعرفها اليوم.

نظرية ميازما لتحسين المدن لتفادي الأمراض

كانت المدن في القرن التاسع عشر مزدحمة وقذرة مما جعلها أرضًا خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة، كانت القمامة وروث الحيوانات والنفايات البشرية تتدفق مع مياه الشرب مما تسبب في حدوث المرض، التزم مسئولو الصحة بفكرة يعود تاريخها للقرون الوسطى تقول أن الأوبئة أو الأمراض المعدية ناجمة عن الهواء الفاسد المعروفة بنظرية ميازما تقول أن أصل الوباء نتيجة لتعفن المواد العضوية.

دعا أنصار نظرية ميازما لتحسين التهوية والصرف والممارسات الصحية لتخليص المدن من الروائح الكريهة والهواء الفاسد، ولذلك استجاب حكام مدينة نيويورك، على سبيل المثال تم طرد ما يقرب من 20 ألف خنزير من قلب المدينة وبناء نظام القنوات المائية بطول 41 ميلًا لتوفير مياه شرب نظيفة من شمال المدينة.

تقول سارة كار الأستاذ المساعد بكلية الهندسة المعمارية جامعة نورث إيسترن، من المُحتمل أن الخوف من تفشي الملاريا كان له الأثر الأكثر أهمية وتأثير على البيئة العمرانية عقب تفشي الكوليرا والحمى الصفراء.

وبشكل رئيسي قادت مبادرات البنية التحتية الضخمة بالمدن الجديدة، مثل تركيب الصرف الصحي تحت الأرض وتُصبح الشوارع فوقها أكثر استقامة وأوسع، وساعد رصف الشوارع على سهولة غسلها يوميًا حتى لا ينبعث منها غازات فاسدة وسمح ذلك بتوسع الصناعة والإسكان.

تقول سارة أنه في روما القديمة كانت هنالك تحسينات في البنية التحتية تم تنفيذها بعد وباء من الأوبئة المنتشرة قديمًا، تم إزالة الطرق غير الصالحة التي تتجمع بها المياه النتنة وتم تركيب أنابيب للصرف الصحي.

الحدائق العامة لدعم النظرية

أحد المؤيدين لـ نظرية ميازما المهندس فريدريك لو أولمستد مصمم مناظر طبيعية وهو مؤسس هندسة المناظر الطبيعية، دافع عن الشفاء من الأمراض بالحدائق أعتقد أن مهمتها مثل الرئتين تُخرج الهواء الفاسد وتُدخل الهواء النقي، وتُشير كتابات فريدريك إلى أهمية المساحات الكبيرة المفتوحة للناس لسهولة الحصول على الهواء النقي وضوء الشمس.

وعلى ذلك بدأ في تنفيذ بارك Central Park صممه مع المعماري كالفيرت فوكس عقب تفشي وباء الكوليرا للمرة الثانية بالمدينة، وبفضل نجاح الفكرة صمم أولمستد الذي مات طفله بسبب الكوليرا أكثر من 100 حديقة وأماكن ترفيهية.

الأوبئة تُغير شكل باريس ولندن

ومع تفشي الكوليرا في لندن عام 1854 وحصد ما يقرب من 10 آلاف شخص قام الطبيب البريطاني جون سنو برسم خرائط للمرض ووجد علاقة بين الهواء الملوث ومعدلات الإصابة، وفي نفس العام اكتشف الطبيب فيليبو باتشيني جرثومة الكوليرا وعزلها، ولكن استمرت مياه الصرف الصحي تتدفق عبر نهر التايمز، وفي عام 1858 تسببت الرائحة الكريهة على بناء نظام المجاري، وبناء السدود مع توسيع الطرق وبناء الحدائق على ضفاف النهر.

في فرنسا ساعد تفشي المرض على حصد نحو 19 ألفًا وعقب ذلك سعى ابن شقيق نابليون لإعادة بناء باريس وقال دعونا نفتح شوارع جديدة ونُجدد أحياء الطبقة العاملة التي تفتقر للتهوية ونسمح لضوء الشمس بالدخول، وبتوجيه من البارون جورج هوسمان، هدمت السلطات الفرنسية 12 ألف مبنى وبنت شوارع واسعة وحدائق تصطف على جانبيها الأشجار، ونصبت النوافير وركبت نظام للصرف الصحي متطور حول مدينة باريس لمدينة النور فقد جلبت خطط هوسمان الهواء النقي والضوء الشبكة الحضرية الكثيفة وتم الاستشهاد بها في بناء مدن أخرى مثل شيكاغو.

المصدر
المصدر

هاجر طلعت

طالبة دكتوراه تخصص إعلام - تكنولوجيا الصحافة أحب التدوين وكتابة المقالات شاركت في تأسيس عدد من المواقع العربية مهتمة بالزراعة المنزلية والتصميم والقراءة والتصوير .
زر الذهاب إلى الأعلى