تكنولوجيا

شخابيط تقنية…نهاية الشيخوخة: بقلم محمود علام

dwrf
دايمًا الصحة البشرية هي أكثر شيء ثمين إحنا بنملكه في حياتنا كلها.. لكن كتير من الناس بتنسى ده، وتفتكر إن أثمن شيء هو المال أو الوسامة، لحد ما بيفقدوا الصحة دي.. ساعتها بيعرفوا ويتأكدوا.. وحاليًا إحنا في عصر التقدم التكنولوجي، بنعيش فترات طويلة فعلًا ما كانتش ممكنة من قبل، وده بسبب التقدم العلمي والتكنولوجي اللي خلى تقنيات طبية كتيرة تتعمل عشان تساعدنا على الحفاظ على صحتنا وحياتنا..

لكن مع تقدم متوسط المعيشة ده، كان بردو معنى كده إننا هنعيش فترة طويلة من حياتنا واحنا عواجيز، بنتألم طول الوقت بفعل الأمراض، وبفعل تداعي أجسامنا، وانهيار وظائفنا العضوية، لحد ما بنموت في النهاية.. وده دايمًا أكتر شيء الناس بتخاف منه.. إنهم يكبروا ويبقوا عواجيز، ويبتدي جسمهم يوجعهم وصحتهم تتدهور، ويعانوا من آلام عديدة لحد ما يتوفوا في النهاية.. وده اللي بيحصل حاليًا في دول العالم الأول المتقدمة تكنولوجيًا.. الناس بتعيش لفترة طويلة آه، لكن بتعيش فترة أطول بتتألم وبتتعذب، بسبب انهيار وظائف الجسد وتدهور الصحة مع التقدم في العمر..

وعشان كده، علماء كتير في المجال الطبي وفي مختبرات طبية حول العالم، بدأوا يركزوا ف انهم يعملوا حاجة جديدة بقى.. يركزوا في إنهم يطوروا من الطب بحيث إنه يطول متوسط فترة الصحة البشرية Optimizing Health Spans، بدل ما يطولوا فترات المعيشة ذات نفسها Optimizing Life Spans.. بمعنى إنهم بيحاولوا يطولوا الفترات اللي احنا فيها ف حياتنا بنكون أصحاء غير مرضي، وبنتمتع بحياة طبيعية بدون ألم.. وعشان يقدروا يطولوا الفترة دي، كان لازم إنهم يواجهوا المشكلة الفعلية والأساسية اللي بتؤدي لانهيار وظائف الجسد والأمراض، وللموت بعد فترة طويلة.. الشيخوخة نفسها..

خلوني أحكيلكم عن 3 وسائل طبية متقدمة، العلماء بيدرسوها حاليًا وبيطوروا منها، هتقدر تزود عمر البشر لمعدلات كبيرة جدًا، وتقضي على الشيخوخة بمعناها المفهوم.. وسائل تكنولوجية و طبية شديدة التقدم، غير متوفرة ف دول العالم الثالث، ولم تدخل حيز التطبيق البشري بعد، لكن أحرزت نتائج متقدمة جدًا في التجارب المعملية، خلتهم قريب جدًا هيبدأوا استعمالها على البشر بشكل طبيعي..

أيه هي الوسائل دي ؟.. هقولكم..

1- NAD+ أو ثنائي نوكليوتيد الأدنين وأميد النيكوتين (C21H27N7O14P2) :

زي ما انتوا عارفين طبعًا.. الخلايا الحية هي أشبه بمصانع حيوية شديدة التعقيد، جواها بتدور كل التفاعلات الكيميائية اللي بتدي للجسم الطاقة اللي بيعيش بيها وبيجري وظائفة الحيوية.. لكن مع الوقت.. الخلايا دي بتحتاج إنها تتدمر، وتتصنع مرة تانية.. تتغير زيها زي قطع غيار السيارات بالظبط.. بتوصل في نهاية مراحلها العمرية لإنها تصبح عديمة النفع، وتحتاج إنها تتهدم وتتبني من جديد.. وبيكون إنتاجها للمكونات اللي احنا محتاجينها أقل بكتير من المعتاد..

واحد من المكونات دي هو الإنزيم المساعد NAD+.. اللي هو اسمه (ثنائي نوكليوتيد الأدنين وأميد النيكوتين).. الإنزيم المساعد ده وظيفته ايه؟.. وظيفته معقدة جدًا مفيش مجال لشرحها هنا، لكن ممكن نقدر نقول إنه بيخلي الخلايا بتاعتنا تاخد بالها من نفسها، وتنتج المكونات الحيوية للجسم بصورة أكفأ، وبيقلل من معدل تداعيها.. طيب كويس أوي..

إحنا بقى لما بنوصل لسن متقدم، نقول 50 مثلًا أو أكتر.. بيكون معدل إنتاج الإنزيم ده ف أجسامنا ضئيل جدًا، مقارنة بشاب مثلًا في العشرينات..نقدر نقول النصف مثلًا.. وقلة الكمية الموجودة منه في أجسامنا دي مرتبطة بظهور مجموعة كبيرة من الأمراض زي مثلًا (ألزايمر Alzheimer) – (سرطان الجلد Skin Cancer) – (أمراض القلب والأوعية الدموية Cardiovascular Disease) – (التصلب المتعدد Multiple Sclerosis)..

طب وبعدين ؟.. المشكلة إن NAD+ مبيقدرش يدخل الخلايا الحية في صورة حبوب دوائية.. دي كانت مشكلة عويصة واجهها الأطباء لحد ما لقوا إن في مواد أخرى أكثر مرونة تقدر تخش الخلايا الحية، وتتحول لـ NAD+ جواها..

التجارب اللي تم إجراءها على الفئران في سنة 2016 أظهرت إن في الواقع التقنية دي أدت لزيادة إنتاج الخلايا الجذعية للجلد والمخ والعضلات، وجددت شباب الفئران دي، وأدتها قدرة متزايدة على إصلاح الحمض النووي بتاعها DNA، وكمان زودت معدل العمر بتاعها..

عايز أقولكم إن الموضوع ده خلى N.A.S.A نفسها تهتم، لإنها كانت بتدور على تقنيات زي دي عشان تستعملها على رواد الفضاء بتوعها في رحلات المريخ القادمة..

المهم إن حاليًا بيتم التخطيط لإجراء التجارب على البشر، وإن مستقبلًا ممكن تكون حبوب دواء الـ NAD+ هي أول أقراص دوائية مضادة للشيخوخة في التاريخ!

2- الخلايا الهرمة Senescent Cells :

الخلايا الحية عمومًا ليها فترة صلاحية، وبعد ما بتنتهي، الخلايا دي بتموت.. يعني من الصحيح إننا نقول إن الخلايا بتكبر وبتعجز، زيها زي الأجسام الحية بالظبط.. طب ده بيحصل إزاي ؟

مع كل عملية إنقسام للخلايا الحية، بحيث إنها تتحول لخليتين، الخلايا دي بتنسخ الكروموسومات بتاعتها.. وبسبب ده، بتفقد جزء صغير من الحمض النووي بتاعها.. تخيلوا مثلًا إن الحمض النووي أشبه برباط الحذاء.. كل ما بتنقسم الخلية، بتفقد جزء صغير من الرباط من فوق.. وتأثير ده كارثي جدًا على الخلايا.. وعشان كده بيكون في حاجة موجودة في أطراف الحمض النووي للخلايا، إسمها (القسيم الطرفي Telomeres).. الحاجات دي للتبسيط بتبقى زيها زي قطع المعدن الموجودة في أطراف رباط الحذاء، عشان تحفظها من إنها تبوظ أو تتقطع.. هي دي بالظبط وظيفتها.. تحافظ على الـ DNA من إنه يبوظ ويتكسر مع كثرة عمليات الإنقسام.. ولكن القسيمات الطرفية دي بتقل مع كل عملية إنقسام.. طيب جميل أوي..

اللي بيحصل بقى إن الخلايا لما بتكبر في السن، فإن الـ Telomeres بتاعتها دي بتكون انتهت تمامًا.. وعشان كده الخلايا دي بتتحول لحاجة أشبه بالزومبي.. حاجة إسمها الخلايا الهرمة Senescent Cells.. الخلايا دي بتكون شبه ميتة.. عجوزة بشكل لا يصدق، بحيث إنها مش بتقوم بالإنتاج زي الخلايا الحية اللي حواليها.. لا بتكون منهارة وشبه ميتة وحتى مش قادرة تنقسم وتتجدد.. وبتفضل الخلايا دي جوه الجسم، وأعدادها بتزيد مع مرور الوقت وتقدم العمر، لحد ما بتبقى أعدادها في المتقدمين في السن كبيرة جدًا.. وبتؤدي لأمراض عديدة مرتبطة بالشيخوخة زي مثلًا الفشل الكلوي Kidney Failure أو السكري Diabetes..

طيب إحنا إزاي ممكن نحل المشكلة دي؟.. إزاي ممكن نقتل الخلايا دي عشان نحافظ على أجسامنا من الشيخوخة والأمراض؟.. المشكلة إن أعدادها كبيرة وسط الخلايا، ومن الصعب لدرجة الإستحالة قتلها بدون ما نأذي الخلايا الحية الطبيعية اللي حواليها.. بالإضافة لإن أعدادها كبيرة لدرجة فلكية، مش أقل من مليارات بدون مبالغة.. طب هنعمل أيه؟

من خلال دراسة طبية مكثفة للبيولوجيا الحيوية للخلايا الحية، كان العلماء والأطباء دول عارفين إن الخلايا الحية الصحية بتقدر إنها تدمر نفسها، وتنتحر بمعنى أصح، بمجرد لما توصل لعمر معين، عشان تحافظ على الجسم من الإنهيار.. لكن المشكلة إن الخلايا الهرمة بنت الهرمة دي، مش بتعمل كده 😀 طب وبعدين؟.. إكتشف العلماء دول إن الخلايا الهرمة دي بيكون إنتاجها لبروتين معين متوقف.. البروتين ده هو اللي بيقول للخلية الحية الصحية إن وقت موتها قد حان.. ولما بيكون إنتاجه متوقف زي ما بيحصل في الخلية بنت الهرمة دي، بتفضل واقفة زي ما هي كده.. لا هي ميتة ولا عايشة.. حاجة ف منتهى التناحة يعني..

وعشان كده الأطباء في دراسة طبية اتعملت سنة 2016 عملوا حاجة بسيطة أوي.. حقنوا فئران التجارب بالبروتين الناقص ده.. والنتيجة كانت إنهم قدروا يقضوا على 80% تقريبًا من الخلايا الهرمة اللي ف أجسامهم، من غير أي ضرر على الخلايا الطبيعية.. وبسبب ده، الفئران دي أصبحت أكثر نشاطًا وصحة، وكمان الفرو بتاعها اللي كان وقع بسبب تقدمها في السن، نبت من جديد!

طبعًا حاليًا بردو شركات الدواء العالمية بتقوم بدراسة التقنية دي بشكل جدي، وقريب أول التجارب البشرية هتبدأ.. وساعتها ممكن نكون وصلنا لحقنة تقدر حرفيًا إنها ترجعنا شباب تاني، وتزود مقدار عمرنا بقدر لا يقاس..

3- الخلايا الجذعية Stem Cells :

الخلايا الجذعية دي هي أشبه بمخططات العمل Blueprints الخاصة بالأجسام البشرية.. كإنها بالظبط الخرايط اللي بيها أجسامنا بتقدر تشتغل.. بتبقى موجودة في كذا مكان في الأجسام البشرية، وبتقدر إنها تنقسم وتنسخ نفسها، عشان تجدد الخلايا الحية الجديدة في الجسم، وتحافظ على شبابه.. بالظبط زي ما يكون عندك عربية، وتعملها صيانة كل فترة، تغير الزيت والفلاتر والسيور والكلام ده كله..

لكن المشكلة بردو للأسف إن مع تقدمنا في العمر، الخلايا دي بتقل تدريجيًا لحد ما بتختفي.. بتموت كليًا.. وعشان كده بيبقى الموضوع إشبه بإن عندك عربية بقالها مثلًا 20 سنة معملتهاش صيانة، ولا غيرتلها زيت موتور.. أيه اللي هيحصل؟.. العربية هتعطل طبعًا، وهتحلف طلاق تلاتة ماهي متحركة.. ده بالظبط نفس اللي بيحصل في أجسامنا مع تقدمنا في العمر.. أجسامنا و وظائفنا الحيوية نفسها بتعطل، وكنتيجة لده، بنموت..

اللي عمله الأطباء العباقرة دول بقى، هو إنهم خدوا الخلايا الجذعية الجديدة الشابة اللي بتبقى موجودة في أمخاخ الفئران الوليدة، وحقنوها مباشرة في أمخاخ الفئران العجوزة الكبيرة في السن.. تحديدًا في مكان إسمه تحت المهاد، أو الوِطاء Hypothalamus، اللي هو بيبقى مسئول عن تنظيم معظم الوظائف الحيوية في الجسد الحي..

والنتيجة؟.. النتيجة كانت أشبه بالسحر..

الخلايا الطازجة اللي حقنوها دي، أشبه بما لو كانت عملت سحر لخلايا المخ العجوزة.. رجعتها لشبابها ونشطتها مرة تانية من خلال إضافتها لأحماض نووية معينة إسمها Micro RNAs، خلتها تنظم تمثيلها الغذائي Metabolism، وترجع لطاقتها وشبابها وانتاجها الحيوي مرة تانية.. وبعد 4 شهور بالظبط، لاحظوا إن الفئران دي أمخاخها وعضلاتها بتشتغل بشكل أكثر كفاءة، ومعدلهم العمري زاد بنسبة 10% !.. وكمان لما جربوا يحقنوا الخلايا دي في قلوب الفئران، لاحظوا إن وظائفهم القلبية تحسنت بشكل كبير جدًا، وبقوا قادرين يتمرنوا ويجروا لمدة أطول بنسبة 20%، وكمان الشعر اللي وقع منهم، نبت مرة تانية !

في النهاية بقى، اللي كل ده بيقولهولنا إن مفيش طريقة واحدة، أو إكسير واحد يقدر يرجعنا للشباب زي ما روايات الخيال العلمي والفانتازيا بتقول.. بل الموضوع هو عبارة عن كذا عملية صغيرة بيجتمعوا مع بعض عشان يزودوا وظائف الجسم ونشاطه، ويزودوا العمر معاهم.. ده مستقبلًا مجرد ما يتم إنتهاء تجاربه وبداية تطبيقه عمليًا، هيقدر يوصلنا لأعمار ما كناش نحلم بيها، وكنا بنسمع عنها في الروايات وقصص الخيال بس.. هيكون طبيعي جدًا إننا نشوف واحد عايش 150 سنة، و200 سنة.. مفيش أي غرابة.. وده هيكون بداية الطريق اللي هنقدر بيه نهزم الشيخوخة، ونتحدى الموت نفسه..

المصدر
مصدر:الخلايا الجذعية1مصدر:الخلايا الجذعية2

محمود علام

محمود علام هو كاتب روائي وباحث، وسيناريست مصري، بدأ النشر منذ سنة 2016، وصدر له العديد من الأعمال هي (كتاب الشمس ٢٠١٦ - الله لا يرمي النرد ٢٠١٧ - التنظيم ٢٠١٧ - السائرون ٢٠١٨ - الجيل الثالث ٢٠١٩ تخت النشر)، و التي نالت كلها صدى واسع في أوساط القراء، جاعلة إياه من أشهر الكتاب الشباب المتواجدين على الساحة وأكثرهم نشاطًا..

‫2 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى