نور الشريف.. الاسم يكفي
مرت بضعة أيام على الذكرى الخامسة لوفاة أحد عباقرة السينما والتلفزيون في مصر.. وهو الفنان الكبير “نور الشريف”.. إذا وضعت تصنيفًا لأفضل عشرة ممثلين مصريين فلا يمكن أن يخرج عنهم نور الشريف، الذي تفوق في دراسة المسرح وأصبح معلمًا لفنونه، فجمع بين الموهبة والتفوق الأكاديمي، ليحقق رقمًا قياسيًا في عدد الأفلام التي شارك فيها والتي تجاوزت المئتي فيلم، صحيح أنه لم يحطم الرقم الأعلى لملك الترسو فريد شوقي، لكن الرقم يظل عظيمًا.
(1) الجوكر
بدأت حياة نور الشريف بصدمة أن اسمه ليس كما يتصور، فهو كان يظن أن عمه هو والده الحقيقي، وقد عرف في أول أيام دراسته أن والده مات دون أن يراه، وأن عمه هو من يربيه.. وكحال قصة اسمه كانت مهنته، فقد نشأ على كونه سيصبح لاعبًا في نادي الزمالك بعد أن كان من ناشئيه.. ولكن بعد فترة التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية في بداية دفعاته.. وقد تخرج وهو الأول على دفعته.
ظهر “الشريف” في أكثر من فيلم ومسرحية، لكن ظهوره الأول والفعلي كان في فيلم “قصر الشوق” حين حصل على أهم أدوار هذه الرواية، وهو دور “كمال عبدالجواد” ابن الشخصية الأبرز بين شخصيات نجيب محفوظ وهو “سي السيد”.. ومع الوقت أصبح نور الشريف هو “جوكر السينما” نظرًا لقدرته على تقديمه كل أنواع الحبكات الدرامية الممكنة؛ فقدم الدراما والرومانسية والحركة والأفلام التاريخية والسياسية، وكذلك نجح في تقديم أعمال كوميدية أشهرها “غريب في بيتي”.. لم يترك مهنة أو فئة من الأشخاص إلا ونزل ساحتها، يكفي أنه “النجم” الوحيد الذي وافق على تأدية دور رجل أبكم في فيلم “الصرخة”.
(2) حبيبها دائمًا
على المستوى الإنساني، فاسم نور الشريف لا يُمكن أن يُذكَر مفردًا، فدائمًا ما يصحب اسمه “بوسي”، وهي قصة الحب الأشهر في تاريخ الوسط الفني، وقد تم تخليد هذه العلاقة في فيلم “حبيبي دائمًا”.. تستشعر الحب والاحترام كلما تحدث كلاهما عن الآخر في فترات الارتباط والانفصال بأفضل الجمل وباختيار دقيق للكلمات.. وطالما تحدث بوسي عن تحديات نور في البداية حتى يرتبط بها، وتغلبه على ظروفه المادية في بداية قصة حبهما.. ولعل عودتهما معًا بعد اكتشاف مرض نور الشريف خير دليل على بقاء الوِد.
(3) شخصية مؤثرة
في رأيي، الفنان المؤثر في واقعه هو من يجمع بين الرأي السديد القائم على معرفة وثقافة وقراءة للواقع، والاستماتة في الدفاع عن هذا الرأي.. وأعتقد أن نور الشريف من الفنانين المعدودين الذين ينطبق عليهم هذا الوصف..
دور نور الشريف لم يقتصر على أفلام يقدمها، بل امتد لمشاريع تثقيفية حاول من خلالها نقل ثقافته للأجيال اللاحقة، لعل أشهرها هو ورشة التمثيل التي أقامها في دولة الكويت، وهي متاحة على الإنترنت.. الورشة نفسها ليست مفيدة للجميع؛ ولكن بقدر ما يمكنك الاستفادة من كم الكتب والأفلام والممثلين الذين تحدث عنهم نور الشريف، وكذلك كواليس تحضيره للشخصيات.
وكذلك حواره مع محمود سعد في حضور “أحمد عز” عقب صدور فيلم “مسجون ترانزيت” والذي تحدث فيه نور الشريف عن المسئولية الحقيقية الواقعة على الممثل، وعن بعض الآراء في السياسات العالمية، وقد رفض نظرية المؤامرة وتحدث أكثر عن تحكم رأس المال في السنوات القادمة، وأدلى برؤية سديدة عن رغبة صناع السينما العالميين بعدم صناعة نجوم جدد مؤثرين لأكثر من خمس أو ست سنوات، حتى لا يمتد تأثير الفنان المثقف الواعي خارج الشاشة.. وهي رؤية أحترمها وأرها تحققت بكامل أركانها.
كذلك دفع نور الشريف ثمن بطولته لفيلم “ناجي العلي” الذي يتحدث عن القضية الفلسطينية ويدافع عنها، مما تسبب في إيقافه عن التمثيل لسنوات ومنع الفيلم من العرض..
(4) الرحلة الدرامية الأفضل
بعد خفوت نجم نور الشريف في السينما لأسباب كثيرة كان أهمها الإيقاف، عاد نور الشريف من بوابة الدراما، ولعله هو وزميليه السعدني والفخراني هم أعظم من قدم دراما تلفزيونية في تاريخ المسلسلات العربية.. تنوعت أعماله الدرامية بين التاريخية كعمر بن عبدالعزيز، والتشويق مثل ثلاثية الدالي، والدراما المجتمعية مثل حضرة المتهم أبي والرحايا، وتفوق في الكوميديا العائلية التي ظهرت في عائلة الحاج متولي ولن أعيش في جلباب أبي.. وغيرها الكثير من الأعمال التي لا ينفك الجمهور عن إعادة مشاهدتها أكثر من مرة عوضًا عن مشاهدة مسلسلات المواسم الرمضانية الحديثة.
(5) النهاية
كان المشهد الأهم والأبرز في المسيرة الطويلة لنور الشريف هو لحظة وفاة الخليفة “عمر بن عبدالعزيز” وقد صرح في أكثر من مناسبة أنه شعر بشعور روحاني عظيم حين جسد مشهد الوفاة.. وقال أكثر من مرة أنه لا يتعرف على نفسه حين يشاهد هذه اللقطة، ولا يخجل من مدح أدائه فيها، وكأنها النهاية المثلى التي طالما تمناها وحلم بها لنفسه.