حصل

هل تردع أمريكا الحوثي باستخدام الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي.. لقد استلزمت الطبيعة المعقدة والمتطورة للصراعات الحديثة دمج التقنيات المتقدمة في استراتيجيات الأمن القومي. وفي هذا السياق، يظهر الذكاء الاصطناعي كأداة لتغيير قواعد اللعبة في القتال ضد الجماعات المتمردة.

من هم الحوثيون؟

في قلب محافظة صعدة، الواقعة على بُعد 240 كم شمال صنعاء، بدأت القصة الفريدة لحركة الحوثيين في اليمن. كان عام 1986 هو العام الذي شهد إنشاء «اتحاد الشباب»، وهي هيئة تهدف إلى تدريس المذهب الزيدي لمعتنقيه. بدر الدين الحوثي، الذي كان يعتبر من بين المدرسين في هذه الهيئة، كان له دور رئيسي في تشكيل الفكر والهوية الحوثية.

ومع توحيد اليمن في عام 1990، فُتِح المجال للتنوع الحزبي، ومن ثَمَّ تحول اتحاد الشباب إلى حزب الحق الذي يُمثِّل الطائفة الزيدية في اليمن. ظهر حسين بدر الدين الحوثي، ابن بدر الدين الحوثي وأحد القادة الشابة الطموحين، كشخصية بارزة في هذا السياق. شارك في مجلس النواب في عام 1993 ومرة أخرى في عام 1997، حيث استمر في بناء قاعدته الشعبية.

وتزامنًا مع هذه الأحداث، نشب خلاف كبير بين بدر الدين الحوثي وبين علماء الزيدية اليمنيين الآخرين حول فتوى تاريخية. كانت هذه الفتوى تتناول قضية شرط النسب الهاشمي للإمامة، حيث أكدت على أن هذا الشرط لم يعد مقبولًا في الزمن الحالي، وأن الشعب لديه الحق في اختيار حاكمه بغض النظر عن نسبته الهاشمية، وفقًا للتطورات التاريخية والاجتماعية.

واعترض بدر الدين الحوثي بشدة على فتوى علماء الزيدية في اليمن، نظرًا لانتمائه إلى فرقة «الجارودية» التي تتقارب في أفكارها مع المذهب الاثني عشري. تطوّرت آراؤه حينما بدأ بدر الدين الحوثي بالدفاع علانية عن المذهب الاثني عشري، وأصدر كتابًا بعنوان «الزيدية في اليمن»، يستعرض فيه التقارب بين الزيدية والاثني عشرية. تعزز هذه الأفكار تمييز بدر الدين الحوثي عن بقية علماء الزيدية، مما دفعه إلى الهجرة إلى طهران لعدة سنوات.

وعلى الرغم من غياب بدر الدين الحوثي عن الساحة اليمنية، انتشرت أفكاره الاثني عشرية في مناطق مثل صعدة والمناطق المحيطة بها. في الوقت نفسه، انشق ابنه حسين بدر الدين الحوثي عن حزب الحق ليشكل جماعة خاصة به. بداية كانت الجماعة تعمل بشكل ثقافي ديني وفكري، وحتى تعاونت مع الحكومة لمقاومة تأثير الإسلام السني، ولكن سرعان ما اتجهت الجماعة نحو المعارضة للحكومة ابتداءً من عام 2002.

توسط علماء اليمن لدى الرئيس علي عبد الله صالح جعله على استعداد لاستقبال بدر الدين الحوثي مرة أخرى في اليمن. عاد بدر الدين ليقوم من جديد بتدريس أفكاره ونشرها بين طلابه ومريديه. ورغم تلك الخطوة، إلا أن الحكومة اليمنية لم تُمنح هذه الجماعة أهمية، ولم ترَ مشكلة حقيقية يمكن أن تنشأ عن وجودها.

وفي عام 2004، خرج الحوثيون في مظاهرات مناهضة للاحتلال الأمريكي للعراق، مما أدى إلى تصاعد التوتر مع الحكومة اليمنية. وفي عام 2008، حدث تطور عندما قامت قطر بوساطة لاتفاق سلام بين الحوثيين والحكومة. لكن الاتفاقية سرعان ما تحطمت، وعادت الأوضاع إلى التصاعد، حيث زادت نفوذ الحوثيين في المناطق المجاورة لصعدة. في عام 2014، تفاقمت الأزمة مع تقدم الحوثيين نحو الساحل الغربي، مما أدى إلى تصاعد النزاع وتورط قوى إقليمية ودولية.

ويسعى المتمردون الحوثيون إلى إقامة نظام إسلامي شيعي في اليمن، الأمر الذي يشكل تحديا مباشرا للحكومة ذات الأغلبية السنية. إنهم يستخدمون مجموعة من التكتيكات، بما في ذلك حرب العصابات والهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات بدون طيار، التي تستهدف البنية التحتية العسكرية والمدنية داخل اليمن والدول المجاورة.

ويشكل المتمردون الحوثيون تهديدًا كبيرًا للاستقرار الإقليمي لسنوات. وأدت هجماتهم المستمرة على الدول المجاورة ومحاولاتهم للإطاحة بالحكومة اليمنية إلى أزمة إنسانية في المنطقة. وإدراكًا للحاجة إلى تدابير مضادة فعالة، وضعت الولايات المتحدة خطة لتسخير قوة الذكاء الاصطناعي لردع تهديد الحوثيين.

وفي هذا الصدد حملت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عبء الرد القوي على التهديدات الحوثية في المياه الاستراتيجية. تأتي هذه الخطوات ضمن استراتيجية متكاملة تستخدم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة لتحسين القدرة على الاستجابة للتهديدات ولمراقبة تحركات الحوثيين لتفادي الهجمات البحرية.

توظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الأهداف العسكرية

لقد برز الذكاء الاصطناعي باعتباره عامل تغيير في مختلف المجالات، والأمن القومي ليس استثناءً. توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية، إمكانات كبيرة لتعزيز جمع المعلومات الاستخبارية واكتشاف التهديدات وعمليات صنع القرار. ومن خلال الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، تهدف الخطة الأمريكية إلى البقاء متقدمًا بخطوة على المتمردين الحوثيين والتخفيف من المخاطر التي يشكلونها على الاستقرار الإقليمي.

ويشمل الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من التقنيات التي يمكن أن تحدث ثورة في جهود مكافحة التمرد. يمكن لخوارزميات التعلم الآلي تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة، وتحديد الأنماط والشذوذات التي قد يغفل عنها المحللون البشريون. تتيح التحليلات التنبؤية المدعومة بالذكاء الاصطناعي إجراء تقييم استباقي للتهديدات واتخاذ القرارات الاستراتيجية، مما يمكّن قوات الأمن من الاستجابة بفعالية.

الفرقة البحرية الأمريكية 59

تعتبر «الفرقة 59» البحرية الأمريكية نموذجًا رائدًا في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأنظمة المسيّرة. استخدام هذه التقنيات يساعد في الكشف المبكر عن التهديدات والتصدي لها بشكل فعال، ويعزز القدرة على حماية الممرات المائية الحيوية والسفن العابرة.

إليك بعض الجوانب البارزة لهذه الفرقة:

  1. التشكيل والتأسيس: تم تشكيل الفرقة في سبتمبر 2021، وهي تابعة للأسطول الخامس الأمريكي المتمركز في المنطقة.
  2. منطقة العمليات: تعمل الفرقة 59 في مناطق حيوية مثل الخليج العربي وخليج عمان وخليج عدن وبحر العرب، وجزء من المحيط الهندي.
  3. المهام والتحديات: تتولى الفرقة مهمة حماية ممرات التجارة البحرية الحيوية وتواجه التحديات المتنوعة، بما في ذلك التهديدات الإيرانية والمسائل الأمنية في المياه الاستراتيجية.
  4. استخدام التكنولوجيا المتقدمة: تستخدم الفرقة الذكاء الاصطناعي لتحسين قدرات الكشف والتصدي للتهديدات، بالإضافة إلى تحسين التنبؤات وزيادة القدرة على التحكم في المركبات المسيّرة.
  5. التعاون والتدريب: شاركت الفرقة في عدة مناورات بحرية متعددة الأطراف، وأدت مهامًا لنشر القوات في مناطق حساسة.
  6. المساهمة في الأمان البحري: تسعى الفرقة إلى تحسين الأمان البحري والتصدي للتهديدات البحرية المتزايدة من خلال استخدام التكنولوجيا والتدريب المتقدم.

بالإضافة إلى ذلك، تمتلك القدرة على التحكم في مئات المسيرات، مع التسعير لتحقيق التنبؤ المتقدم وتوفير بديل لنظام GPS. شاركت الفرقة في تدريبات بحرية متعددة الأطراف وأدت مهامًا حيوية في المضيق الإيراني.

وفي سياق التصدي للتهديدات الإيرانية والحد من نفوذ الحوثيين في اليمن، تكثّف الولايات المتحدة حملتها العسكرية. ووفقًا للخبير العسكري البريطاني مايكل كلارك، يتم التركيز بشكل خاص على قطع تدفق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.

وتشير التقارير إلى استخدام «الفرقة 59» الأمريكية، المجهزة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والأنظمة المسيّرة، في هذه الحملة. يُشار أيضًا إلى تحسين صواريخ «أفعى البحر» البريطانية لتعزيز القدرة الدفاعية للبحرية البريطانية في المنطقة. تُظهر هذه الجهود التزامًا تكنولوجيًا وعسكريًا لوقف التدفق الإيراني وحماية الممرات البحرية الحيوية.

زر الذهاب إلى الأعلى