هل يعتبر النهاية بداية جديدة؟
أستعيد ذكريات جلسة جمعتني بأحد المنتجين الطموحين منذ سنة ونصف تقريبًا، ظللت أقرأ عليه أكثر من فكرة؛ لاقى بعضها استحسانه، لكن أذكر حين بدأت أعرض أفكار تندرج تحت نوعية “الخيال العلمي” انقلب وجهه وقال لي وهو يبدي امتعاضًا واضحًا: “لا لا الناس مش عايزة ده!”
أذكره اليوم وأنا أتابع إقبال الجمهور على مسلسل النهاية وتفاعلهم معه؛ سواء اختلفنا أو اتفقنا على جودته الفنية، إلا أنه يعتبر نقلة في الأفكار المتناولة على الشاشة.. وأظنه في المرحلة القادمة سيصبح نوعية ثابتة لا يدبر عنها الصُنَّاع كالسابق؛ وستترسخ هذه النوعية مثلها مثل غيرها.
وعلى الرغم من عدم إيمان المنتجين بهذه النوعية من ناحية، وضعف الإمكانيات المصرية في هذه الصناعة من ناحية أخرى، إلا أن هذا لم يمنع ظهور بعض الأفلام التي تعتمد على الخيال العلمي.. أول وأشهر هذه الأعمال كان فيلم “سر طاقية الإخفاء” من إنتاج 1959، والذي يدور حول مسحوق سحري يخفي وجود أي جسم يوضع عليه هذا المسحوق.. لكنها كانت محاولة على استحياء، تعتمد على كوميديا الفرضية أو كوميديا الفانتازيا، وهذا النوع هو نفس الوتر الذي لعب عليه الثلاثي فهمي وهشام ماجد وشيكو، وكان كلمة السر في نجاحهم الحالي.
وفي نفس العام تم إنتاج فيلم “رحلة إلى القمر”.. الذي تنبأ بصعود البشر للقمر؛ وكان من بطولة إسماعيل ياسين ورشدي أباظة.. وقد استوحى الفيلم فكرته من منافسات السوفيت والأمريكان على من يصعد القمر قبل الآخر.. ونوعية أفلام الفضاء لم تتكرر ثانيةً في العصر الحالي.
تكررت المحاولة الثالثة لإنتاج الخيال العلمي عام 1961 من خلال فيلم “هـ3” والذي يروي قصة عالم ابتكر مادة كيميائية عبارة عن أكسير لاستعادة الشباب.. وينجح هذا العقار مع رجل مُسن؛ لكن الأمور لا تجري وفق ما كان يحلم به العالم، فقد نمت مشاعر الشر لدى هذا العجوز وقد حاول أذية كل من حوله.
أما المحاولة الرابعة فقد خرجت لنا على استحياء؛ من خلال شخصية فرعية في فيلم المليونير المزيف سنة 1968.. من خلال شخصية روبوت يدعى “مكمك” أداها الفنان حسن مصطفى في فيلم “المليونير المزيف”.. وبعد هذه المحاولة بعام تم إنتاج فيلم “المجانين الثلاثة” الذي كان مستواه رديئًا وحبكته ضعيفة، تعتمد على ورطة وقع فيها أحد الأطباء حين قام بتكبير صديقه ليصير عمره 180 عام.
تكررت الحبكات الخيالية الضعيفة في عملين سينمائيين خلال فترة السبعينيات، الأول هو فيلم “العالم سنة 2000” الذي اعتمدت قصته على تصغير حجم البطل؛ في استلهام واضح من قصة عقلة الإصبع.. وفيلم آخر هو “مملكة الحب” الذي يروي قصة سفر أبطاله لقارة “أطلانتس” المفقودة.
أما فترة الثمانينيات فشهدت فيلمين من أفضل أفلام الخيال العلمي؛ الأول والأفضل في رأيي هو “جري الوحوش” والذي يروي قصة العالم المصري الذي ينقل جزء من مخ رجل لرجل آخر؛ الأول من ذوي الخصوبة الإنجابية المرتفعة، والثاني لا يستطيع الإنجاب.. وينقل الفيلم رسالة هامة تخص حكمة توزيع الأرزاق انطلاقًا من هذه الحبكة العلمية المُتَخيلة.
والفيلم الثاني هو “قاهر الزمن” الذي ارتكز على حبكة تجميد جسم الإنسان لسنوات دون أن يفقد حياته.
وقد شهدت التسعينيات عملين سينمائيين لم ينل إحداهما حظه من تقدير الجمهور؛ لضعف إمكانيات الإنتاج آنذاك، على الرغم من جودة الحبكتين؛ والحبكة الأولى لفيلم “آدم بدون غطاء” من بطولة محمد صبحي والذي يروي قصة آخر رجل على الأرض بعد أن انهارت.. ليتضح في النهاية أنه كان يحلم؛ مما أضعف الحبكة في نظري.
والفيلم الثاني أفضله أيضًا بصورة شخصية؛ وهو فيلم “الرقص مع الشيطان” من بطولة نور الشريف؛ وهو من أكثر الممثلين ممن خاضوا مدمار الخيال العلمي، ويدور الفيلم حول دكتور “واصل” الذي يعود إلى مصر بعد أن أتم دراسة الصيدلة في الاتحاد السوفيتي، وقد رجع محملًا بأفكار علمية بحتة تنكر أثر الدين على الإنسان.. حتى يظهر له ميراث غريب يغير من مجرى حياته، ويسمح له بإعادة اكتشاف نفسه.
وبالطبع كل هذه المحاولات التي لم تصل لكافة الجمهور كانت من خلال الشاشة الكبيرة، أما على مستوى الدراما فمسلسل “النهاية” هو المسلسل الأول الذي ينتمي لهذه النوعية.. وقد وضعت فيه إمكانيات مادية مهولة نظرًا لثقل أسامي صناعه، واستعداد الجمهور لهذه النوعية.. ورغبتهم في مشاهدة أعمال مشابهة لما تنتج نتفلكس وغيرها من المنصات العالمية.. لا نعلم كيف ستنتهي هذه التجربة، لكنني أظنها مبشرة كنقطة تبدأ من عندها أعمال مماثلة تستفيد من نجاح “النهاية”، وتتفادى أخطائها التي أظنها حتمية.