وريث تونغا
– إنها الحرب يا أمي لم أكن أتخيل أن ينتهي العالم بسبب طفل.
– لكنك لست السبب بُني فأنا هي!
****
وريث تونغا
لم يطرق الفرح يومًا باب مملكة تونغا فكان الجميع تحت ولاية الملك الكبير (نورمندي) صاحب الصولجان الذهبي، كان الجميع يهابه ربما من شكله الذي شُبِّه بالشيطان، أو عائلته التي انحدرت من سلالة دانيال أشهر السلالات المعروفة بالسحر خاصة الأسود أو ربما معاملته لهم كالعبيد.
ذيع في المملكة اليوم اقتراب وصول وريث العرش قريبا، لم يشاركهم (نورمندي) هذا الخبر سوى الآن فهو من المحافظين بشدة ولا يسمح لأموره الشخصية الانتشار في غير موعدها، لكن الجميع يعلم سبب كتمانه للأمر للآن؛ كي لا يتربص أحد بابنه الأذية.
– يا شعب تونغا يُعلن الملك عن إقامة حفل صغير يدعوا فيه الجميع للطعام، ولكن لا تعتادوا الأمر فهو بسبب اقتراب وصول وريث المملكة الجديد، هللوا وافرحوا قد جاءتكم السعادة الآن.
انتشر الخبر في المملكة كالنار في الهشيم وظل الجميع يهللون فرحًا بقدوم الوريث وقدوم خيره معه، لعله ينقذهم قليلًا من تحكمات والده ويُنعم عليهم ولو بالخبز، وبين كل هذه السعادة كان هناك البعض لا يصدقون ما سمعوه، كيف يُخفى شيء كهذا ولم، حيث أنه أول وريث للمملكة وكعادة كل الملوك يحتفلون حين معرفة الخبر لا حين ولادة الملكة، لكن سعادتهم بالحفلة شغلتهم عن الاهتمام بمثل هذا الموضوع ولكن من بين كل السعادة كان هناك بيتًا واحدًا لم تدخل السعادة بابه بعد، بل طرقه الحزن وخيبة الأمل خاصة بعد الخبر الجديد.
****
تسير في القصر فتاة حسناء تتمايل بخصرها المنحوت ويغطي شعرها نصف ظهرها، تحمل بإحدى يديها كوبًا من الخمر وباليد الأخرى تمسك طرف زيها، فكان طويلًا ينقسم إلى ثلاث أجزاءٍ يظهر منه فقط عباءة تلتصق بجسدها لتُبرز معالمه أكثر ويعلوها طبقه تطير خلفها مع الهواء، كانت فتاة جميلة ذو بشرة بيضاء وعينان زرقاوان كسماء الليل، يعلوهما خطًا مُنمقًا باللون الأسود أكسبها كبرياء وطبعًا غليظًا لمن يراها وشفتان مرسومتان يعلوهما الحمرة، قاطع صوت طخطخة حليها التي ترتديهم بكثرة صوت جاريتها تناديها قائله بانكسار:
– سيدتي أعذريني لكن لا يمكنك الخروج في هذه الحالة.
أجابتها بصوتٍ هادل:
– قلتُ مرارًا أنني بخير، سأجلس في الساحة الأمامية قليلًا هل يمكنني؟
– عفوًا سيدتي لم أقصد أردت فقط أن….
– اذهبي لمن أرسلك وأخبريه، لن تهرب سيدتي فقط تتوق لبعض الهواء المنعش علّها تشعر بقليل من حريتها.
جاءهم صوتٌ ثالث قطع حديثهم قائلًا بصوتٍ رخيم:
– (ميروب)…
رأته الجارية ففورًا قامت بالانحناء له فأشار لها بالذهاب، وأكمل حديثه:
– أنا أرسلتها.
– أعلم جيدًا من أرسلها سيدي.
– وتعلمين جيدًا منع خروجك من الجناح الملكي.
– وأنتَ تعلم جيدًا أنك لا تستطيع أسري.
– وكيف آسرك وأنتِ أم الوريث.
– إذا ماذا تفعل الآن، لم أخرج من الجناح منذ معرفة ولادتي والآن اقتربت الولادة وأنتَ تعلم جيدًا أن ما تفعله لن يمنع ما سيحدث.
– أؤدي مهامي كملك للملكة وهذا واجبي، أن احميكي وأحمي وريثي.
– تقصد مملكتك وتاجك، أنتَ لا تريد سوا الحفاظ على العرش وعلى ممتلكاتك.
– ماذا إذا، إن لم أحافظ على العرش من سيحافظ.
– (نورمندي) أنتَ لا تهتم بأحدٍ سواك.
قالتها (ميروب) بصوتٍ عالٍ موجهه سبابتها تجاه (نورمندي) مما أشعل في نفسه الغيظ، فقام بالنداء لجاريتها الخاصة عن طريق صفع يديه ببعضهما قائلًا بصوت أجش:
– اذهبي معها للحرملك ولا تسمحي لها بالخروج مرة أخرى.
ثم وجه حديثه للملكة قائلًا بتهديد ملحوظ:
– ياعزيزتي إن تكرر ما حدث اليوم أنتِ تعلمين ماذا سيحدث.
سارت (ميروب) مع جاريتها باتجاه جناحها وظل (نورمندي) يراقبها بعينين غائظتين حتى اختفت عن ناظريه، ظلت (ميروب) تهمهم بالوعيد ويعلوا قسمات وجهها الغضب والحقد على (نورمندي) قائله بصوتٍ خفيض:
– لن يبقى الأمر كما هو، سيتحول كلُّ شيء بمجيئه يا (نورمندي)، فقط انتظر.
****
يظُن الجميع أن الغنى هو غنى المنصب والنعم كما (نورمندي) وأمثاله المحاطين به من كلّ جانب، يتنافسون فيما بينهم للوصول إلى أعلى المناصب والتقرب من الملك، أو للتخلص منه للحصول على مكانته والجلوس على عرشه، يتسامرون فيما بينهم في البلاط الملكي، حين علموا بوجود مجلس للحكم اليوم بعد صدور خبر وصول الوريث.
صمتوا جميعًا عند دخول الملك للبلاط ويتبعه حاشيته من خدم ومعينين، جلس الملك على عرشه واضعًا قدميه على الكرسي أمامه وبدأ بالحديث مع أمراءه لإجراء بعض التعديلات لتناسب قدوم الأمير وريث مملكة تونغا.
– جميعكم تعلمون خبر وصول وريث تونغا عن قريب.
– نعم سيدي.
– أجل أكيد، لكن لم الآن؟
نظر إليه الملك بعدوانيه وقال بصوت عالٍ:
– هذه أسرار بيتي ولا يحق لشخصٍ أن يجبرني متى أخرجها ومتى لا.
– لكنه سيكون وريث المملكة سيدي، لذا وجب علينا المعرفة.
قام الملك من مجلسه واقترب من صاحب الحديث موجهًا سيفه إلى رقبته، قائلًا بغضب:
– لم أخفه عنكم بل انتظرت للوقت المناسب لأخبركم به، هل تعتقدون أن أعدائي سيسمحون بقدومه، كما أنني أخبرت أنه لا يوجد من يجبرني على شيء، أتسمعني!
– أعتذر سيدي.
عاد الملك لعرشه متمتمًا ببعض الحديث ثم نظر إليهم وقال:
– سيتم بعض التعديلات اليوم.
أكمل حديثه ببعض التعديلات الواجبة في المملكة حتى وصل لتعديلٍ يخص صاحب الحديث، فنظر له وقال وأكمل بصرامة:
– سيتم إقصاء الأمير (إكزوبري) إلى المنطقة الجنوبية ليكون تحت ولاية الأمير (هانوم) مساعدًا له.
علت الهمهمات في البلاط الملكي فقال الملك بصرامة وهو يقف:
– انتهى الحديث، سيأتي بعد غدٍ موكب من الجنوب وستتعدل الأحوال.
ظل الأمير (إكزوبري) ينظر للملك بحقد وهو يسمع من حوله كلمات وقعها كالسيف عليه منها:
– لماذا ينقله، لقد كان ملكًا هنا ماذا فعل ليرسله للجنوب مساعدًا للأمير هناك.
****
– ماذا ستفعلين سيدتي؟
– لا شيء (بومين).
– هل ستقبلين بالوضع؟
– لا سينتهي قريبًا، أعلن الملك اليوم الحرب في القصر وستكون النهاية موشكة.
****
– إنها الحرب ياأمي لم أكن أتخيل أن ينتهي العالم بسبب طفل.
– لكنك لست السبب بُني فأنا هي!
– لا أمي، لو لم أكن لما حدث كلّ هذا، أتمنى لو لم أكن.
– فقط اترك السكين من يدك عزيزي، سوف تُحَل جميع المشاكل أقسم لك.
– لا أمي لا أستطيع تقبل فراقُكِ وأبي يكون بسببي.
– قلت لا دخل لك بهذا أنا السبب أنا.
****
– سيدتي، سيدتي هل أنتِ بخير؟
– أنا السبب أنا السبب.
قامت (بومين) برفع الغطاء عن (ميروب) لكنها عثرت على بقعة دماء تتوسط فراشها فقامت بالصراخ، وتوجهت للملك بسرعة قائله بخوف وهي مطأطأة رأسها:
– اعذرني سيدي لكن ملكتي مريضة.
نظر لها الملك عاقدًا حاجبيه وقد أفلت ما أمسكته يداه من كوبٍ من المشروب، نظر لها الملك بريبة وقال والقلق يساوره:
– ماذا بها، أبلغي الطبيب الآن.
حضر الطبيب وقام بفحص الملكة وبعد قليل خرج قائلًا بأسى:
– إنها بخير.
– والطفل كيف حاله؟
نظر الطبيب للملك بآسى قائلًا:
– اعذرني لم أستطع إنقاذه، تعرضت الملكة لنزيف شديد.
تركهم الطبيب وعلى وجهه أمارات الحزن والأسى، دخل الملك الغرفة وجلس على فراش (ميروب) ونظر لبطنها بأسى واضعًا يده عليها ثم قال:
– حتى أنتَ رحلت كالجميع، تعلم جيدًا ماذا فعلت لتستطيع القدوم لعالمنا، لكن ما الفائدة الآن فتغلب القهر عليه كما يتغلب الماء على فتات الخبز حتى يشبعها.
نهض الملك وقام بتقبيل جبين زوجته وهو آسفٌ في داخله عما فعله، ثم قال موجهًا حديثه لجاريتها قائلًا:
– عندما تفيق أخبريني.
سار الملك خارج الحرملك وذهب للبلاط الملكي وأمر من هناك بإحضار (إكزوبري) فورًا.
****
– كيف الآن ملكتي؟
– بخير يا (بومين)، أخبريني ماذا فعل الملك؟
– لا شيء فقط ذهب للبلاط وسمعت أنه يُطالب بحضور أمير ما لا أتذكر اسمه.
– حسنًا يمكنكِ الذهاب.
– لا يمكنني سيدتي، فقد أمرني الم…
وجهت (ميروب) ناظرها لها وقالت بنفاذ صبر:
– أريد المكوث بمفردي.
تركتها (بومين) بمفردها مع سوداوية تفكيرها وحزنها على وليدها، نظرت للسكين أمامها وتذكرت ما رأته، كانت تعلم مسبقًا استحاله قدومه وها هو ذهب ككل شيءٍ جميل، قامت (ميروب) من موضعها وذهبت لصندوق حُليها لتُخرج خاتمًا مميزًا عندها لتضعه بإصبعها ليتحول الحزن بعينيها للمعة تدل على شيءٍ قادم.
****
بعد مرور شهر.
ظل الحال كما هو عليه، يحتجز الملك (ميروب) في جناحها وترافقها (ميروب) أما هو وحاشيته فيبحثون عن (إكزوبري) داخل المملكة.
كانت الملكة لا يشغلها شيء سوا عدم عثور الملك على (إكزوبري) حتى لا تفشل مخططاتهم، وليلًا يعود الملك للقصر يوسعها ضربًا حتى تعترف عن مكانه ويتركها ليعود للبحث من جديد، حتى جاء اليوم الموعود.
– سيدي لقد عثرنا على (إكزوبري).
ترك الملك جناح الملكة حيث كان يحدثها كعادته وذهب ليبحث عن ما قيل له.
– كيف علمت؟
– رأيناه يخرج من المنطقة الشمالية اليوم سيدي.
– هل قبضتم عليه.
– نعم والآن تم احتجازه ننتظر قدومك.
ذهب الملك وترك خلفه (ميروب) تتنصت لكل ما قيل وفي يدها يقبع الخاتم تحركه يمينًا ويسارًا بقلق وقد قررت في نفسها انتهاء الحرب اليوم.
مر اليوم كأنه سنة فكانت تجلس (ميروب) حزينة لا يشغلها سوا ما حدث ويحدث، وكيف وافقت عليه من البداية.
يتعرض (إكزوبري) الآن للتعذيب بسبب تلك الأفكار الغبية، لقد طمعتْ في كلّ شيء، طفل، مملكة، ملك، وريث وحب لكن لم تفكر في نهاية الأمر قط.
قاطع صوت تفكيرها خادم للملك يقف موليًا ظهره للجناح قائلًا:
– يريد الملك الجميع في البلاط الملكي الآن.
– لماذا؟
– سوف يعاقب (إكزوبري) على أفعاله.
****
اجتمع الجميع في البلاط الملكي منتظرين دخول الملك وكان في المنتصف يمْثل (إكزوبري) على قدميه مطأطًأ برأسه التي تنزف من كثرة الضرب لأسفل، مُكبل الأطراف ترتعد أوصاله من هول الموقف ينظر بعينيه بريبه في جميع أركان البلاط حتى استكانت على الملكة فترقرقت من عينيه دمعه هزت فؤادها، وحوله يوجد الحراس يحملون أسلحتهم على مقربة من رقبته.
جاء الملك فوقف الجميع في البلاط محيين له، فرفع يده عاليًا فصمت الجميع، جلس الملك على عرشه ووضع سيفه أمامه ممسكًا إياه بيده رافعًا رأسه عاليًا مما زاده شموخًا وفي عينيه البنيتان حروبًا كثيرة على وشك أن تخمد فقال بشموخ:
– جميعكم تعلمون أن من يقوم بخيانتي يُقتل، الماثل أمامكم (إكزوبري) قام بسرقة مملكتي، كما أخبر بعض الأعداء عن مخططاتي وقرب وصول الوريث الشرعي، وأرسل بعضهم رجال لقتل وريثي، وأخبركم أسفًا أنه نجح في ذلك.
نظرت جميع سيدات الحرملك للملكة وبدئوا في مواساتها، كما هلل بعض الرجال بالأسف فأردف الملك حديثه قائلًا:
– اليوم سيُقتل (إكزوبري) أمامكم، والآن.
قام الملك من موضع واقترب من (إكزوبري) واضعًا سيفه على رقبته، فازدادت اهتزازة جسده ونظر للملكة بخوف وفي عينيه ألف سيفٍ يخترق فؤادها، فقامت الملكة من موضعها وتوجهت له بسرعة قائلة:
– وكيف تقتله هنا وقد قتل وريث المملكة، ألا يحق للجميع رؤيته يُقتل.
جاء صوت من الجالسين موافقًا لقول الملكة وتبعه بعض الموافقات، فنظر الملك للملكة قائلًا بصوتٍ خفيض:
– ابتعدي عن هنا الآن كي لا يمسك غضبي.
– لقد مسني مُسبقًا (نورمندي)، مسني يوم تزوجتك إكراهًا، مسني يوم علمت عدم قدرتك على الإنجاب، ومسني يوم طلبت مني إقامة علاقة مع (إكزوبري) أميرك الأقرب الذي يؤتمن، هل تظن نفسك رجلًا بأفعالك تلك، هل تظن أن قدوم هذا الطفل قد يُفيد، ما أنتَ إلا ذئبٌ بشري يريد التحكم في الجميع.
– اصمتي وابتعدي من هنا وإلا قتلتك معه الآن.
– اقتلني فلا أتوق للعيش معك بعد الآن.
– هل تظنين أنني كنت سأتركك تهربين معه بابني.
– إنه ابني أنا و(إكزوبري)، وليس بابنك.
اشتعلت نار الغضب في وجه الملك وقام بإزاحتها بشدة من أمامه ورفع سيفه، انتشرت الدماء في أرجاء القصر وعلى الموجودين، شعرت (ميروب) بأن السيف لم يقطع رأس (إكزوبري) بل قطع أوصالها، تذكرت فقدانها لابنها الوحيد وكل الألم الذي عانته منذ دخولها هذا القصر، تذكرت كيف قبلت أن تحمل من غير زوجها فقط لتضمن بقائها، تذكرت كيف وقعت في عشق هذا الأمير النبيل وما آل إليه بسبب حبها، نظرت لـ(نورمندي) قائله بحقد:
– يظن الجميع أن (إكزوبري) خانك، وليس في الأمر شيء ولكن إن ظنوا أنني أيضًا أعتقد أن الأمر أكثر إهانة.
ثم رفعت سبابتها على مقربة من فمها ووضعت الخاتم بيدها لتمتص السم لترقد هي الأخرى بجانب (إكزوبري)، وتترك الجميع خلفها ينهش في عرضها، وعرض الملك، الملك العظيم (نورمندي).