سينما

عن رامي وصراع الهوية

بقلم عبدالرحمن جاويش

عن رامي وصراع الهوية
عن رامي وصراع الهوية ،
من اللحظات الأولى التي يتشكل فيها وعي الإنسان على الأرض، وقضية الهوية هي ما يشغله، أن يعرف من يكون، وإلى أي مدى يشبه من حوله وينسجم عما يحيطه من اجتماعٍ بشري.. وعلى مستوى الشاشات، طالما كانت حكايات الهوية والأقليات ورصد حالة الغربة التي يعيشها أصحاب هذه المعاناة مصدرًا لإلهام صناع السينما والدراما.

ولكن على مستوى الأقليات العربية والمسلمة لم تنجح الكثير من الأعمال في رصد مشاكلها المعيشية بشكلٍ دقيقة ولا بصورةٍ صادقة، والتي تكون في المعتاد رؤية “كسولة” من كاتب لم يرهق نفسه بالبحث بشكلٍ أدق في المجتمع الإسلامي المقيم بالغرب، وصراعاته الحقيقية، لعل أحدث هذه المحاولات الفاشلة كان في المسلسل الإسباني Elite، والذي تناول الأقلية المسلمة في إسبانيا بشكل ظالم؛ أظهر فيه الشباب بصورة المتمردين والذين لا ينتمون تمامًا لأي خلفية مسلمة، وجعل من الكبار متشددين لا يفهمون تعاليم ولا أصول، فقط يمارسون فاشيتهم على الأبناء دون أي نقاش أو حوار حقيقي..

كل هذه العوامل مهدت الطريق لواحد من أبناء الجيل الأول من المهاجرين المصريين للولايات، وهو “رامي يوسف” الذي قام بصناعة مسلسل يحمل اسمه الأول “رامي”.. والذي حقق موسمه الأول على الأقل عدة أهداف؛ تجمع بين الفن ووعي الغرب بمأساة الأقليات المسلمة، وكذلك علاج حساسيتنا تجاه تناول الغرب لقضايا الشاب المسلم حين يخرج من دائرته الآمنة وخارج مجتمعه المحافظ.. هو مسلسل حاول تحقيق “الإنصاف” وقد نجح في جذب المصريين بمناقشة بعض من قضاياهم، علاوة على تتر “لونجا” الذي أبدعه هاني شنودة سنة 1979، وجذب الجمهور العالمي بأحداث ممتعة؛ أهلت المسلسل لحصد جائزة الجولدن جلوب عن أفضل ممثل في مسلسل كوميدي أو موسيقي، كما تم ترشيحه للعديد من الجوائز.

يتناول المسلسل قضية الهوية المتعددة، ومحاولة شاب مسلم هو “رامي حسن” في التعامل مع خلفيته الإسلامية التي لا يحاول تجنبها أو التمرد عليها؛ بل على العكس.. فرامي يحاول التوفيق بينها وبين نمط حياته الامريكي، والذي يفرض عليه أساليب معينة في “الحصول على المتعة اليومية” لا يوافق عليها بالضرورة دينه الإسلامي.

يستعرض المسلسل بأحداثه “الكوميدية الخفيفة” الحياة اليومية لأبطاله من المهاجرين المصريين لنيوجيرسي، وحالة الحيرة التي يعيشها الشباب المسلم في هذا المجتمع.. ولكن ما يميز “رامي” ويجعل قصته فريدة بالنسبة للجمهور هي رغبته الصادقة في الاحتفاظ بهويته الأصلية كمصري مسلم يحافظ على أدق تفاصيل وشعائر الدين الإسلامي، وفي نفس الوقت يواعد الفتيات وينتهز بعض فرص الحصول على المرح.

 وبجانب قصة رامي نتعرف على شخصيات أخرى اعتدنا رؤيتها في مجتمعاتنا وليست في مسلسل أمريكي، مثل العم المتعصب ضد اليهود، والأب “الأصلع” الذي طحنه الروتين للحصول على قوت عيش أسرته، والأم التي تبحث لابنها عن عروس، وأصدقائه الذين يبحثون عن فتيات مناسبة من الجالية المسلمة في نيو جيرسي.. وشخصيات أخرى هي بنت بيئتها مثل مدير رامي في شركة الـstart up الفاشلة وصديقه المصاب بضمور العضلات، علاوةً على تناول بعض الممارسات اليهودية والعادات الإفريقية خلال أحداث المسلسل.

“الكوميديا هي فن صناعة سياق متناقض”..

من هذه العبارة يستمد مسلسل رامي سحره، فجميع المواقف والمفارقات المضحكة تعتمد على العيوب والتناقضات في شخصية البطل ومن حوله، رامي ليس مجرد “مسلم” يحاول الالتزام، لكنه شخصية مثيرة للاهتمام بعيدًا عن هويته المُرَكَبة، هو شخص طموح يسعى للسؤال والتأمل للوصول لأي فكرة جديدة تطرح أمامه.

“رامي” الذي استمد صدقه من كونه تجربة حياتية يسقط بشكل واضح على “ذكورية” التربية العربية؛ فمن تناقضات رامي أنه يرى المواعدة أقل إثمًا من تناول الكحول، على الرغم من كون الزنا ذنبًا أعظم في الإسلام عن شرب الخمر.. وفي نفس التوقيت لا يمارس أي سلطة على أخته، وهو تصرف “أمريكاني” بجدارة.

يثير رامي الكثير من الألفة في قلوب المصريين المغتربين من خلال شخصية الأب التي يعلب دوره “عمرو واكد” بمظهره الذي يشبه معظم الآباء المصريين؛ وحبه لبيته وخوفه الزائد عن ابنته أكثر من ابنه، وسعادته بأجواء رمضان..

ولكن أكثر ما نال إعجابي في المسلسل هو رؤية الشعرة بين غياب الهوية وبين الغربة.. فأزمة رامي ليست في غربته ووجوده في مكانٍ مخالف لا يناسب عقيدته.. ويظهر هذا في الأحداث حين يعود رامي لمصر لمقابلة ثلةً من أقاربه الأصليين، فيشعر بتعقد المشكلة أكثر مما كان في نيوجيرسي.. ليكتشف رامي أن أزمته أزمة هوية، معضلة بين ما يفكر فيه وبين ما يعيشه.. لتظل الأزمة عالقة لمواسم جديدة؛ كيف سيتصالح رامي مع هويته المعقدة، ما هي المعادلة الأصح لمن كبرت فروعه في بيئة مختلفة عن التي نبتت فيها الجذور؟

اقرأ أيضاً

كذب the simpsons ولوصدقوا

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى