تاريخحكايات

سر تماثيل جزيرة القيامة النائية.. الجنة الخضراء المُعرضة للاختفاء

سر تماثيل جزيرة القيامة.. الهجرات والمستوطنين.. تطور الثقافة.. الحروب بين القبائل.. موت السكان.. كلها تحدد مسار تاريخ جزيرة القيامة.

كيف تكونت جزيرة القيامة؟ وما الذي حدث والسبب في انهيار الجزيرة؟ وما الذي تسبب في سقوط الحضارة القائمة فيها؟ وكذلك موت السكان الأصليون المعروفون باسم رابا نوي؟

كيف تكونت جزيرة القيامة؟

منذ ما يقرب من 750.000 عام تجمعت ثلاثة براكين لتشكل جزيرة الفصح أو جزيرة القيامة “Easter Island”، وتسمى أيضا رابا نوي، تقع على بعد 2300 ميل من ساحل تشيلي.

سر تماثيل جزيرة القيامة النائيةفي الفترة ما بين 300-700م استولى البولينيزيين على البحر وبدأوا يقومون برحلات بحرية باستخدام الزوارق الكبيرة واستخدموا النجوم كعلامات للملاحة، وحينها وجدوا الجزيرة على الحافة الجنوبية الشرقية لبولينيزيا.

وهناك وجدوا الجزيرة ذات المناظر الطبيعية الجميلة المغطاة بالأشجار وأطلقوا عليها اسم رابا نوي “Rapa Nui”، أخذ البحارة معهم أشجار التوت والدجاج والأغنام وقصب السكر والبطاطس والخضروات من موطنهم الأصلي، وبدأوا في زراعة الأرض ومن هنا بدأت حضارتهم الجديدة، ولكن لم يكن مُقدر لها أن تدوم.

سر تماثيل جزيرة القيامة النائية

اكتشاف الجزيرة على يد “ياكوب روغيفين”

في عام 1722م  عثر المكتشف الهولندي ياكوب روغيفين “Jacob Roggeveen” على الجزيرة الأكثر عُزلة في المحيط الهادئ وقرر أن يطلق عليها “جزيرة القيامة”.

وبعد يوم من اكتشافه وصف سكان الجزيرة بأنهم مجموعة مميزة من البشر، شحمة الأذن لديهم تمتد إلى أكتافهم وكانوا يرتدون الحلقات الكبيرة في ثقوب الأذن، وزارها أيضا المستكشف الإنجليزي الكابتن جيمس كوك “James Cook” عام 1774م ولفت انتباه أذن سكان الجزيرة الطويلة والريش على الرأس.

سر تماثيل جزيرة القيامة النائية

الجنة الخضراء

يرجع الفضل إلى زائر تاهيتي بالقرن التاسع عشر في تسمية جزيرة رابا نوي، لأن شكله يذكره بجزيرة “رابا” التاهيتية، كانت الجزيرة جنة خصبة حيث كانت مليئة بغابات من أشجار النخيل الكبيرة.

ولم تكن هناك أي أنهار أو بحيرات طبيعية في الجزيرة، ولكن الفوهات البركانية خزنت المياة العذبة اللازمة للحياة من مياه الأمطار.

حافظ شعب الجزيرة، على نظام الطبقات والعشائر الجغرافية، التي قادها الزعيم العظيم أريكي ماو “ariki mao”، واعتبره سكان الجزيرة زعيما نبيلا، وكان يتم اختياره على أساس القوة في منافسات خطيرة؛ والفائز هو الذي يحكم لمدة عام.

سر تماثيل جزيرة القيامة النائية

الأذن الطويلة للسكان في جزيرة القيامة وسر التماثيل

كان هناك مجموعتين من السكان البعض بآذان طويلة والبعض الآخر بآذان قصيرة؛ تقول نظرية “ثور هايردال” المتخصص في تاريخ الحضارات أن الآذان الطويلة كانت للسكان الأوائل في الجزيرة من البولينيزيين، وتقول الأسطورة المحلية أن الآذان القصيرة ثارت ضد الآذان الطويلة وأنها قضت على معظمها.

وفي الواقع إنها تشبه بعض التماثيل الحجرية الشهيرة في الجزيرة ذات الوجوه المنحوتة بدقة، والآذان الطويلة الموجودة حول بحيرة تيتيكاكا في بيرو.

وهذا يضيف لمصداقية النظرية أنه في مرحلة ما قد يكون هناك بيروفيين في جزيرة القيامة.

سر تماثيل جزيرة القيامة النائية

تماثيل الجزيرة النائية

في أوج حضارتهم، كان عدد سكان رابا نوي حوالي 12000 فرد، وكانت سفن الصيد هي مصدر الحصول على الغذاء لسكان الجزيرة، وأقام سكان الجزر تماثيل كبيرة تسمى مواي “The moai” حول الساحل؛ ربما تكون مواي هي السمة الأكثر شهرة لجزيرة القيامة اليوم، وهناك ما يقرب من 900 تمثال على الجزيرة ويبلغ طول الواحد 30 قدما.

ويظن العديد من الناس أن مواي هم زعماء الجزيرة، ولكن يشير العلماء أن التماثيل كانت رموز للسلطة والقوة الدينية والسياسية، ولم تكن رموز للسكان بل مستودعات للروح المقدسة، وبمرور الوقت دفنت التماثيل ولم يعد ظاهرا منها غير الرؤوس فقط.

لاحظ الأوروبيون الأوائل أن سكان الجزيرة يركعون بأيديهم للتماثيل أثناء المراسم، وتم صنع التماثيل من البازلت الأحمر ومتوسط وزن التمثال الواحد 80 طنا، ولا يزال من غير المؤكد كيف نقل سكان الجزيرة هذه الصخور لتشييد تلك التماثيل.

ويتوقع الخبراء أن التماثيل للأجداد والملوك الإلهيين لتكريمهم ومع كل ذلك، فإن الهدف الحقيقي للتماثيل لا يزال موضوعا للنقاش.

جزيرة القيامة 8

شعب رابا نوي

ومن المثير للإهتمام أن شعب رابا نوي كان لديه نظام مستقل للكتابة، حيث كان يتم التعبير عنه في شكل حروف رسومية؛ وكان هذا نوعًا من البرامج النصية المعروفة باسم “Rongorongo”، ولم يتمكن الخبراء من العثور على أي شيء مماثل له في أي مكان آخر في العالم.

بالإضافة إلى ذلك لم يُعرف سوى عدد قليل من القادة الروحيين أو الملوك، وظل المعنى الخفي للكتابة مخفيًا، بجانب أن معظمها اختفى مع الوقت، وهذا ما يجعل من الصعب على العلماء استرجاع تفاصيل تاريخ جزيرة القيامة على وجه الدقة.

سر تماثيل جزيرة القيامة النائية

الحفريات على الجزيرة

اهتم علماء الآثار بجزيرة القيامة منذ اكتشافها، وقد اكتشفوا بعد أعمال الحفر والتنقيب أن المستوطنين الأصليين بدأوا في عملية إزالة الغابات في الجزيرة لإفساح المجال لزراعة المحاصيل. بجانب أن سكان الجزيرة استخدموا خشب الأشجار لبناء قوارب الصيد والمنازل والأضرحة.

وتم نقل صخور تماثيل “مواي” إلى الساحل من المحاجر، ولما لم يعد هناك المزيد من الأشجار لقطعها اضطر سكان الجزر إلى تقييد الصيد على الساحل المباشر مع تدهور القوارب وتآكل التربة الزراعية بدأت حضارتهم في الإنهيار شيئا فشيئا.

الحروب بين العشائر

بجانب كل ذلك فإن تاريخ الجزيرة مليء بالصراعات فمع نقص الموارد دمرت العشائر بعضها البعض، ودمروا جزءا من التماثيل ولما وصل “ياكوب روغيفين” إلى الجزيرة عام 1722م كانت خالية من الأشجار وكانت ثقافتهم على شفا الانقراض.

وما عثر عليه العلماء كان مجموعة منفصلة من مجموعات أخرى وقد فُقد الكثير من التاريخ الثقافي لتلك الحضارة، ومع أول اتصال أوروبي في الجزيرة حاول أحد سكان الجزيرة أخذ المسدس وأطلق النار على الأوروبيين، مما تسبب في موت عدد من سكان الجزيرة.

نهاية الحضارة

مع الوقت حدث نوع من التبادل بين الأطراف حتى أصبحت الجزيرة ميناء لصائدي الحيتان والمسافرين، وكان السكان طيبين ولكن مع ازدهار تجارة الرقيق بدأوا في اختطاف سكان الجزيرة ونقلوا الأمراض الجنسية للنساء، مما أدرى لزعزعة استقرار الجزيرة.

وبحلول منتصف القرن الثامن عشر تقلص عدد السكان بشكل مهول وواصل الانخفاض حتى ستينيات القرن التاسع عشر، وبحول عام 1877م وصل عدد سكان الجزيرة لـ100 فرد حافظوا على تماسكهم، وبدأ السكان يتسللون ببطء مرة أخرى للجزيرة عام 1900م، وفي عام 2012م كان هناك 5.761 شخصا معظمهم من أصل بولينيزي.

في عام 1995م وضعت اليونسكو الجزيرة ضمن قائمة التراث الإنساني والحضاري، ويوجد جزء كبير من الجزيرة كمحمية طبيعية، وفي عام 1888م ضمتها تشيلي إليها وعام 1966م منحت سكانها الجنسية التشيلية.


اقرأ أيضا:

قصة وحش جيفودان

المصدر
مصدرمصدر
زر الذهاب إلى الأعلى