سينما

تفاصيل لا تفوتها عن شخصية “داوود باشا المصري”

عبدالرحمن جاويش يكتب: عن "داوود باشا المصري".. صاحب الإجابات النموذجيةبقلم عبد الرحمن جاويش: داوود باشا المصري واجاباته النموذجية:

في عملية بناء أي شخصية درامية، الكاتب بيدوَّر على “مفتاح” للشخصية اللي بيحاول يخلقها، المفتاح ده هو اللي بيوصله لباقي تفاصيل وسمات الشخصية، المفتاح ده هو كلمة سر بتساعد عملية البناء تكمل وتظهر الشخصية متسقة مع ذاتها، وكل تحولاتها منطقية، وبيقدر يضيف عمق وأبعاد للشخصية، وبالتالي يحصل الرابط بين الشخصية والمشاهد، وده سر نجاح أي عمل في العالم.

وبما إن كلامنا عن شخصية “داوود باشا المصري”؛ فمفتاح الشخصية دي– في رأيي الشخصي – هي جملة قصيرة جدًا بتتقال وسط الأحداث، بس بتعكس أبعاد كتير جدًا للشخصية: “ساعات باحس إن حياتي دي رواية، وأنا ماليش تأثير فيها؛ يدوب أقراها من بعيد”.

بالجملة دي قدر السيناريست “محسن زايد” يضيف عمق أكبر وبُعد إضافي لشخصية “داوود باشا المصري”، اللي جسدها الممثل “خالد النبوي” وقدر “يشرب الشخصية”، وده كان أحد أسباب نجاح مسلسل “حديث الصباح والمساء”؛ ويكفي أقول لك إن حياة شخصية “داوود” وتفاصيلها بالكامل اتذكرت في الرواية الأصلية لنجيب محفوظ في خمس صفحات بس!

قصة “داوود يزيد المصري” ببساطة إنه طفل اتخطف وهو صغير من وسط أهله الفقراء، واتحبس في معسكرات ” الوالي محمد علي” التعليمية.، بعد كده سفروه فرنسا يدرس الطب.. والحكومة عينته أول ما رجع، ولما بقى شاب وأخد جزء من حريته رجع بيته القديم في حي “الغورية”، عشان يكتشف إن أبوه مات وإن أمه مريضة وبتموت.

وأثناء استقرار “داوود” وسط أهله، اتوسط له أحد أصدقائه عند عائلة “الوراق” الثرية عشان يجوزوه بنتهم، ووافقوا عليه بسبب تعليمه، وبعد فترة زوجته اتوسطت له عند الخديوِ عشان يديله لقب “باشا”، وبكده أصبح الدكتور الثري “داوود باشا المصري”.

وفجأة داوود يسيب كل ده ويحب “جوهر” (اسمها “آدم” في الرواية) الخدامة السمرا اللي  بتشتغل عنده في السرايا.. ويقرر يطلق زوجته في مشهد “سنية هانم الوراق” المشهور، ويعتزل الطب، ويحضر محاكمة الزعيم الوطني “محمد فريد”.. في تمرد منه على كل ثوابت حياته اللي تبان “مُرَفهة”.

تحولات شخصية “داوود” ممكن تبان غير منطقية  للوهلة الأولى.. بس لما تركز هتكتشف إن “داوود” عاش معظم حياته وهو عنده كل حاجة ممكن يتمناها الإنسان، بس خسر أهم حق بشري: وهو حرية الاختيار.

صحيح كل الاختيارات اللي داوود اتحرم منها – تبدو نظريًا – خاطئة، وكانت هتحوله لشخص أسوأ بكتير من الشخص الوسيم الضحوك اللي بيمشي يوزع أحضان على كل الناس اللي بيحبها، وإنه لو كان اتخير كان اختار حياته نفسها اللي هو اتمرد عليه.

بس معضلة داوود باشا إنه اتحرم أصلًا من حق الاختيار، زي طالب كل ما يدخل الامتحان يلاقي المراقب بيحط قدامه نموذج الإجابة، صحيح هو متفوق، بس هو ماختارش ده، ماطلبش من حد يغششه.. وبعدين هيعرف إمتى إن الفشل شعور سيء عشان يتجنبه أصلًا؟!

شخصية داوود تمثيل حي لمقولة “جعلوه فانجعل”، فطبيعي ومنطقي من “داوود باشا” لما يلاقي في الجارية بتاعته كل حاجة كان ممكن يعيشها في بيت أهله لولا إنه اتخطف منه.

لقى فيها الفقر والجهل والطاعة العمياء، لقى فيها كل “قبح” كان ممكن يعيشه مع أهله، لقى فيها كل اختيار كان مستحيل يختاره بإرادته، بس أزمته كانت إن الحياة أجبرته على الاختيار الصح.

وده اللي وصله في النهاية إنه يتخلى عن كل ما هو “وردي” في حياته، ويكمل ما تبقى من عمره مع ست بسيطة لمجرد إنها تركت له حق الاختيار، ولمجرد إنها شافت فيه “تاج راسها”.

فلسفة “داوود” كلنا بنطبقها في حياتنا، بنعند مع المسار المرسوم حتى لو كان يبدو إنه صح، بس داوود عاش حياته يدوَّر على راحة البال، وراحة البال بالنسبة له كانت في إنه يختار، يختار وخلاص، حتى لو هيسيب كل أملاكه ويرجع يعيش في السيدة، حتى لو هيبعد عن ابنه “عبدالعظيم” اللي شاف إنه مجنون لازم يتجنب ذكر اسمه، وحتى لو هيسيب وراه وصية واحدة: إن “جوهر/آدم” تتعامل من بعده معاملة “حرم داوود المصري”، وتتدفن في حوش العائلة.

يمكنكم مشاهدة المقالات السابقة من هنا 

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى