فتاة الظل.. ربما تساءلت يوما ما الذي يدفع بشخص ما أن يمتنع عن الكلام أو ينزوي على نفسه، ولما يقرر البعض أن ينعزلوا عن الجميع؟ أهو يأس.. اكتئاب.. أم جنون؟
فتاة الظل
ربما لم تتسائل أبدا ولم تهتم.. لا عليك فمعظمنا لا يفعل فنحن في الحقيقة مشغولون للغاية للحد، الذي لا ندرك معه أننا أصبحنا هؤلاء الصامتين والمعزولين عن الجميع. حتى أننا فقدنا القدرة على التعبير عن أنفسنا وأصبحت الكلمات محشورة في حلوقنا ما تكاد تصل أفواهنا حتى تعود نتجرعها على مضض لنواسي أنفسنا بعدها قائلين: “ما الفائدة من الحديث؟ فلن يفهم أحد، وإذا تحدثنا فمن ذا يستمع؟ فالكل مشغول وهناك دائما شيء أهم علينا القيام به لا نعلم ما هو”.
ولكن المشكلة الحقيقية ليست في أننا لا نريد، بل في كوننا نخاف.. نعم، فنحن نخاف أن نستمع لأحدهم خشية أن نتورط. لا نعلم كيف، ولكن لا بد من ورطة تنتظرنا في مكان ما فلا يمكن للأمر أن يمر بسلام هكذا فهناك دائما خديعة تُحاك لنا من خلف تلك الأدمع التي نراها لأحدهم.
والخوف الأكبر الذي نخشاه هو أن نتحدث حينها سيكون علينا أن نغوص عميقا بداخلنا وأن نتكشف أمام أحدهم وهذا شيء مُقلق بالطبع، كما سنضطر للتخلي عن الهالة التي أحطنا أنفسنا بها وعن القوة والثقة التي ألصقناها بنا وسيعترينا الضعف والوهن.
المنطقة الآمنة
نحن لا نريد أن نبدوا هكذا، لذا نفضل أن نقبع في الظل فهي المنطقة الآمنة التي خلقناها لأنفسنا لنلقي بها كل آلامنا وشقائنا وحكايات كثيرة أردنا أن نقصها ولكن عبثا حاولنا، فلا أهمية لهذا أيضا وبالطبع لن ننسى أن نلقي بأرواحنا البائسة المتهالكة فوق كومة الأشياء تلك لنعود إليهم بلا روح، لنصافح ونبتسم ونجامل ونتحدث عن تفاهات وكأن لا شيء أصابنا يوما.
وفتاة الظل هي واحدة من أولئك الهائمين في الأرض كالأشباح وقد قررت بملئ إرادتها أن تقبع في الظل، وهي هناك منذ أمد بعيد، حيث لا مرايا تريها إلى أي حال قد وصلت ولا شيء يصل لمسامعها سوى سكون طاغٍ، يمكنها معه التخلي عن كل شيء فهي دائما خائفة.
تخاف الحديث وآراء الآخرين كما تخاف المخاطرة والتغيير وتخاف المستقبل لكن لا بأس في ذلك، فمن لا يفعل، فجميعنا نتطلع للمستقبل بعيون خائفة فهو المجهول والمجهول دائما مخيف كالموت.
وربما شاهدت يوما أحد الأفلام الأجنبيه التي يكون البطل فيها يحتضر فتقرر أحد الشخصيات مساعدته على النجاة قائلة: “إياك أن تتبع الضوء، لا تذهب للعالم الآخر، عليك البقاء هنا”.
وأنا أقول لك: إياك أن تتبع الظل أو تغوص فيه وإياك أن تمضي نحو النفق المظلم في أعماقك فإنه مهلك يا صديقي.