إسلام عبدالله يكتب: القضبان الذهبية
القضبان الذهبية ، تنهمر علينا كل يوم عشرات الأمطار من سحب الأفكار الملبدة بالأعمال الفنية.. سيل جارف يوميًا من الأعمال الروائية والسينمائية والتلفزيونية تغزو عالمنا كل لحظة بلا رحمة.. عواصف من الأفكار تثير زوابعها فوق رؤوسنا من الشرق والغرب، بعضها جيد والكثير منها مسموم مندس علينا.
سواء إذا كان هذا الفعل بشكل مدروس أو بشكل مدروس أيضًا لا محالة؛ فلا مجال للصدف أبدًا في الفن وصناعة الأفكار.. ولكن ليس هذا هو موضوعنا الآن.. نحن نتحدث عن الزوابع والأعاصير والسيول الإبداعية.
ولا أخفيكم سرًا أني استمتع الآن بكتابة تلك الكلمات؛ نظرًا لحالة الحر الشديد التي تحيطني أثناء كتابة تلك المقالة، فكنت أرغب بأن تشعر معي ولو لوهلة بحالة الاستمتاع الطفولية التي كنا نعبر عنها بكلمات (الدنيا برد، الدنيا برد.. وعم خليل بيبيع الورد)، وعلى الرغم من أني لم أشاهد عم خليل هذا أبدًا، ولم أشتري الورد من قبل بحياتي، ولكن ذكريات الطفولة ممتعة أو على الأقل عقلنا يقنعنا بذلك.
القضبان الذهبية اللعنة إنه يتحدث كثيرًا، ياله من ثرثار!
أنا أعلم بأنك تنعتني بهذا الآن؛ ولذلك سوف أدلف إلى مبتغانا سريعًا..
الأعمال الفنية وفروعها، وبشكل أدق الأفكار لتلك الأعمال الفنية سواء كانت روائية أو أشكالها الأخرى من سماعية أو مرئية و ماخلافه، وما سوف أتحدث عنه هو وجهة نظري الشخصية البحتة التي سوف أجد القليل مِن مَن يشاركني رؤيتي والكثير والكثير مِن مَن يختلفون عليها..
“الفكرة”.. الفكرة ثم الفكرة ثم الفكرة..
الفكرة هي أكثر ما يهمني أثناء قراءة عمل أو مشاهدته أو سماعه.. يجب أن تكون فكرة العمل مثيرة ومشوقة حتى إن لم تكن جديدة، ولكن على الأقل تم تناولها بشكل جديد ومختلف.
ولكن أنا أفضل أن يكون العمل بفكرة جديدة تمامًا، ومختلفة عن السائد ومغايرة للواقع الذي نعيش به؛ لهذا أنا لا أميل إلى مطالعة الأعمال الاجتماعية الواقعية.. وهذا ليس لعيب بها ولكن سبق وأن حدث لي اكتفاء ذاتي منها.. يكفي أن السينما والأعمال الدرامية المصرية كانت لا تصنع إلا الأعمال الاجتماعية الواقعية لما يقارب المائة عام..
وذلك جعلنا نشعر بالتخمة من تلك الأعمال، ولهذا عندما هلت علينا الأفلام الهندية والأمريكية انبهرنا بها للغاية ومازلنا ننبهر بها حتى يومنا هذا.. ولذلك أنا ككاتب أشعر بأنه من الواجب علي أن أصنع مثل تلك الأعمال المختلفة المبهرة حتى مع وجود عذر مسبق اسمه: “لا جديد تحت الشمس”..
القضبان الذهبية
عندما نبحث وبتأني نجد بأنه بالفعل هناك أماكن لم تصل إليها الشمس، أماكن تحت الظلال، أماكن سرية غير مكشوفة غير معلنة، أفكار غير تقليدية وغير مسبوقة؛ عندما تظهر أمامنا نصفق لصاحبها ونكيل له المديح.. هو ليس بالأفضل بالطبع ولكنه الأكثر اجتهادًا.. الذي لم يكتفي بأن يقف يبحث تحت الشمس مثل الجميع، بل حفر أسفل الأرض ليجد أنها ممتلئة بفيض من الخيرات، كنز قراصنة غير مكتشف، وهذا لا تجده إلا بالأفكار الغريبة المختلفة المتفردة.
ما المحفز في الحديث عن علاقة حب بين رجل وامرأة؟ ما المثير في أن أشاهد ما يحدث معي وحولي كل يوم في الحياة اليومية بين أروقة الروايات وبين أعمدة شاشات السينما؟
الفكرة الغير تقليدية تصبح معلقة بين عقول الجميع، ولهذا دائمًا ما أرغب بأن أطالع أعمال الفانتازيا والخيال العلمي، ولا أحب الأعمال الاجتماعية كثيرًا.
ستخبرني بأنك تختلف معي وأنك عكسي تمامًا لا تميل إلا للأعمال الواقعية، ولا تحب الفانتازيا وخلافه..
سوف أخبرك بأنك بالفعل رأيك صحيح ولكنه ليس السائد، والدليل على ذلك أمامك جلي بكل وضوح…
فلتنظر إلى أعلى إيرادات الروايات في العالم ستجدها روايات الخيال والفانتزيا: سلسلة هاري بوتر، وسلسلة سيد الخواتم، و ما يشابهم من أعمال، فلتنظر إلى السينما لتجد أن أعلى الأعمال رواجًا وأرباحًا: أفلام الخيال من الأبطال الخارقين، والسحرة و ما يشابهم..
وهذا يعود لسبب علمي وجيه هو تركيبة عقول البشر، مخك لن يتذكر أبدًا أي عمل روتيني تشاهده وتفعله كل يوم.. يجب أن يحدث أمر ما غريب يشده لكي يجعله يتذكره.. إنك تشاهد كل يوم أعمدة الإنارة والأشجار والسيارات في شارعك.. هل تتذكرهم أو تتذكر أنك شاهدتهم من الأصل؟ لا بالطبع لأنه أمر اعتيادي متكرر..
ولكن لتتخيل مثلًا أنك تريضت يومًا بجانب محطة قطار، ولكنك على غير العادة شاهدت قضبان السكة الحديدة ليست مصنوعة من الحديد كالمعتاد، ولكنها مصنعة من قضبان الذهب! من المستحيل تلك اللحظة أن تنسى ذلك المشهد أبدًا؛ لأن عقلك رآها بأنها حالة فريدة وغير متوقعة، وسيظل يحتفظ بها طوال عمرك..
وسيجعلك تتحدث عن تلك التجربة الغريبة والممتعة التي رآها عندما تقابل أي شخص تراه فيما بعد، تجربة مشاهدة قطار قضبانة من الذهب! ولهذا يجب أن تصنع عمل خيالي أو غير واقعي أو واقعي حتى لا يهم، ولكن ما يهم فعلًا أن تجعل قضبانه من ذهب، يعيش في عقل المتلقي الذي يشاهده للأبد.
اقرأ أيضاً