“الشموع السوداء” دائمًا ما كانت تثير تلك الشموع بداخلي رهبة لا أعلم سببها، دائمًا ما أذكر تلك الليلة عندما تسللت لأدخل ذلك الكهف الذي قد صنعه أبي داخل المنزل وقد أطلق عليه المكتب، لم أعلم حينها
ما السر الذي يخفيه أبي ليدخل ذلك المكان بالساعات ولا يضئ سوا شمعة واحدة!
لأعيش ليالي طوال لا أدري ما تلك الخيالات التي تطل علينا من خلف زجاج ذلك المكتب؟!
اليوم اتضح لي من الحقائق مايكفي.. اليوم وقد بلغ بي العمر أرزله كان لابد أن أذكر لأبنائي ما السر الذي كنت أخفيه لأصنع صنعه أبي بداخل ذلك الكهف..
الغريب بالأمر أن تلك الشمعة كانت ورث متناقل بين الآباء والأجداد، منذ وفاة والدي وقد أخذت العهد علي نفسي أن اقتحم ذلك الكهف واكشف ستره.. كنت دائمًا أبحث عن السر الذي يجعل والدي يمنع أي شخص من الاقتراب من ذلك المكتب، حتي في لحظاته الأخيرة يحذرنا من ذلك الكهف المقدس الذي تركه!
أذكر ذلك اليوم جيدًا، أذكر كل شيء حدث تلك الليلة.. عندما تقدمت لأفتح ذلك الباب لأجد أبي الذي دفنته منذ سويعات أمامي يقرأ في ذلك الورق الذي يشبه البرديات!
حاولت أن أتمالك أعصابي، ولكن لم يكن هناك مفر سوى الصراخ لأهرب من حيث دخلت، ولكن لم يعد ذلك الباب موجود!
لم يعد هناك سوى شبح أبي وأنا بالغرفة!
“الشموع السوداء”
اعتقدت أن الصراخ سيشفع لي، ولكن لم أجد ذلك الصوت الذي يخرج عندما تصرخ! لم يكن هناك سوى الصمت!
أبي يقرأ تلك الأوراق التي تشبه البرديات وكأنني غير مرئي بالنسبة له!
عجبت لابن آدم دائمًا مايتطلع ليهتك بالأسرار المخفية.
دائمًا ما يبحث عن وجودي بالرغم من وجودي أمامه طوال الوقت!
لم أشعر إلا وذلك الصوت يحاورني:
– من أنت؟
– أنا الذي أقسم أن يكون لك عونًا أبد الدهر.
– وكيف تكون عوني وأنا لا أراك؟!
– قريبًا ستراني وتعلم ماذا أكون، كل ماعليك أن تقرأ ماقرأ أباك.
لم يعد للصوت وجود ولا حتى ذلك الشبح الذي كان يشبه أبي، عاد كل شيء كما كان..
عادت الأضواء الخافتة كما كانت، وانطفأت الشموع.. عادت خيوط العنكبوت التي نسجت منذ مرض والدي.. عاد كل شيء كما كان، لكن ليس كل شئ!
أصبحت أنا خارج كل شيء شاهدت نفسي وأنا أساق لتلك المكتبة لأمسك بنفس الوريقات التي أمسك بها أبي منذ قليل..
لم أعد أدرك معني الواقع!
هل ما أراه هو الواقع؟
أم ما أساق إليه هو الواقع؟
لتقع عيناي علي ذلك المكتوب في أول صفحة بخط غريب لا أعتقد أني قد رأيته من قبل: “الشموع السوداء”.
لا أدري لماذا بمجرد قراءة الاسم وقعت عيناي علي تلك اللوحة التي علقت علي الجدار، والتي تحمل وصف الاسم!
ولكن لماذا تكتب باللون الأحمر؟ أم أنها نسجت بالدماء؟
لم يعنيني من كل ذلك سوي تلك الرسمة التي لا أعلم أي شناعة قد قام بها من كتب تلك الوريقات؛ ليرسم ذلك الشيطان المقرن! ربما لم يثير رهبتي أي شيء في تلك الليلة بقدر تلك الرسمة.
لا أعلم أي شيء كان يتحكم بمشاعري ليصيبني بجفاء في المشاعر، ليجعلني أتصفح المزيد من الأوراق لأجد بأحد الأوراق الشمعة التي دائمًا ما كان يشعلها أبي، لأجد تلك الورقة التي غيرت كل شئ:
في اليوم الذي تبدأ فيه في قراءة هذه الأوراق لابد أن أكون قد انطفأت شمعة عمري لتشتعل شمعة عمرك أنت..
بني ربما قسوت عليك في تلك الحياة، ربما لم تجدني يومًا ذلك الأب الذي تحلم أن يكون.. ولكن اعلم بني أني قد عانيت أشد العناء..
ربما في تلك السطور القادمة ستعلم ما سر تلك الأوراق التي بين يديك، ستعلم عن كل رمز ونقش، ستعلم سر تلك الشمعة السوداء التي دائمًا ما كانت تضاء.
لكن دعني أسرد عليك منذ البداية ما حدث ذلك اليوم علي لسان جدك “أبي”..
“الشموع السوداء”.. الجزء الأول
اليوم أول يوم لي سائق علي ذلك القطار، اعمل سائق قطار لشحن البضائع من أحد المناجم في منطقة ربما لا تجد بها غير تلك الجبال والرمال علي كل الجوانب.. كنت أقود علي ذلك الطريق لأصل به القاهرة في الصباح، لم يكن هناك سوى ذلك المكان الذي كنت أخشاه.. منذ نعومه أظافري أكره الضباب، كنت أعتقد بأنه نذير شؤم؛ لعله كان تنبأ بالمستقبل!
ذلك المكان لم يكن يكسوه سوى الضباب، كأن ظلمه الليل لا تكفي لتأتي ظلمه الضباب اللعين لتزيد ما أشعر به من غصه تعتصر قلبي..
كانت الأيام تمر وتزداد الرهبة من ذلك المكان يومًا بعد يوم،
جل ما كنت أصنعه أن أتحصن بذكر الله وقراءة القرآن، ولكن لا أعلم ماذا حدث لعقلي في تلك الرحلة!
تحديتهم لأعلن لهم بأعلى صوت أني لا أخشاهم، ولا أخشى أي شيء.
أذكر أن مسافة الضباب لم تكن تتعدى العشر دقائق، لكن ذلك اليوم لا أعلم ماذا حدث؟!
الضباب لا ينتهي! حتي صوت المحركات الذي يؤنسني لا أسمعه، أصبح الصمت هو المحرك لكل شيء!
الصمت الذي لا يخلو من صوت نبضات قلبي الذي يعلن عن خطر يداهمه!
مع بدء اقتحام الضباب للعربة كل شيء من حولي اختفى، لم يكن هناك وجود لشيء، لا أرى سوى بعض الهالات السوداء التي تتشكل أمامي وتختفي، إلا أن تشكل ذلك المقرن ذو العين الحمراء لم يكن يظهر منه شيء.. كل شيء كأنه دخان أسود مشكل!
لم يكن بإمكاني الصراخ.. أيقنت في ذلك الوقت اقتراب موعدي معهم…
انتظروا الجزء الثاني من قصة الشموع السوداء …….
اقرأ أيضاً
ماري عديمة الرأس بقلم: محمد جمال