أساطير

أسطورة الفارس مقطوع الرأس

dad

لقد شاهد بعضنا الفيلم الشهير Sleepy Hollow للنجم Johnny Depp، وهو فيلم جميل ورائع، تدور أحداثه في عصور انتشار الخرافات في أوروبا، وفيه يحاول المحقق أن يكتشف السر وراء الجرائم الغامضة التي تحدث في منطقة “سليبي هولو” ، فهو الرجل الذي يؤمن بالعلم يواجه ولأول مرة شخصية أسطورية وهو “الفارس مقطوع الرأس”.

وما لا يعرفه البعض هو أن أسطورة الفارس مقطوع الرأس هي أسطورة راسخة في أوروبا ونالت شهرتها أثناء العصور المظلمة، بل وما قبلها أيضًا.

وقد كتب عنها القاص الأمريكي واشنطون إيرفينج “Washington Irving” في عام 1820 قصة بعنوان The Legend of Sleepy Hollow، وهي التي بني عليها الفيلم.

أسطورة الفارس مقطوع الرأس

وقام بذلك أثناء زيارته لمدينة برمنجهام الإنجليزية، مما يعني أنه قد سمع عن الأسطورة الشعبية التي تدور حول هذه الشخصية المخيفة، ويصوره الأديب بأنه مقاتل قد لقى حتفه في معركة في فترة الحرب الأهلية الأمريكية، ويقول أنه فارس هيسي، ويشير ذلك الوصف إلى المهاجرين من مدينة هايسن الألمانية “Hessen”.

وقد فقد هذا الفارس رأسه أثناء الحرب الأهلية الأمريكية، فقد كان ضمن القوات التي خاضت معركة السهول البيضاء ومن ثم فقد رأسه في الغابة، ومن وقتها وهو يطوف في الليل ليقطع رؤوس الناس المسافرين أو السكان المحليين ويبحث عن رأسه المفقود.

وتقع أحداث القصة في مدينة تعرف باسم Sleepy Hollow، وهي بلدة صغيرة، ويقوم الفارس المقطوع الرأس بالقيام بجرائمه الوحشية في هذه المنطقة النائية، وتلك البلدة تقع في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، ونظرًا لأنها بلدة ريفية صغيرة فمن السهل أن تنتشر بها هذه الأساطير.

ولم تكن هذه القصة هي الأولى التي تكتب عن هذه الأسطورة الشعبية، فالأمر أقدم وأعمق من ذلك بكثير، حيث نجد أن هناك صفحة واحدة ناجية من قصيدة كتبها أحد الأدباء في القرن الرابع عشر في مملكة بريطانيا، والقصيدة بعنوان Sir Gawain and the Green Knight، ولم يتمكن العلماء من تحديد هوية المؤلف فأسموه Gawain Poet نسبة للقصيدة.

وتحكي القصيدة عن أحد فرسان المائدة المستديرة (وهي قصة الملك أرثر الشهيرة في بريطانيا) والذي قام بتحدي فارس يُدعى الفارس الأخضر ويمسك فأسًا ضخمًا، وقام الفارس الأخضر هذا بتحدي بطل القصيدة في معركة، وانتصر البطل على الفارس الأخضر وقام بقطع رأسه، إلا أن الفارس لم يمت، بل انحنى وأمسك برأسه وقام بتركيبها على جسده مرة أخرى ورحل بعد أن قام بتهديد البطل بأنه سيعود لينتقم منه.

أسطورة الفارس مقطوع الرأس

ومن المشهور عن الفارس مقطوع الرأس أنه يركب حصان أسود اللون كالليل تمامًا، وقد أشير إليه أكثر من مرة بأنه يرتدي بدلة حربية حديدية، واشتهرت الشخصية في الكثير من المناطق في أوروبا.

وكان يُحتفل به قديمًا في عيد الأشباح في العصور الوسطى، والذي تحول اسمه بدخول الديانة المسيحية إلى أوروبا باسم عيد القديسين، والمعروف لدينا باسم Halloween

 

ولا يقتصر وجود أسطورة الفارس المقطوع الرأس على “إنجلترا” فقط، بل أنها موجودة في أكثر من دولة في أوروبا ومعروفة حتى يومنا هذا في المدن الريفية، فهذا الفارس هو معروف في أيرلندا باسم Dullahan، لكن مع اختلاف بسيط في وصفه.

حيث يصوره الأيرلنديون بأنه فارس ضخم عنيف مقطوع الرأس، يركب فوق حصان أسود لديه عين حمراء، ويمسك الفأس أو السيف في يد ورأسه في اليد الأخرى، ويستطيع الرؤية حتى في الظلام الدامس، والسوط الذي يستخدمه لضرب حصانه مصنوع من عمود فقري بشري.

 

وقد اشتهرت أيضًا قصته في اسكتلندا، وبهذا تكون منتشرة في ثلاث من دول المملكة المتحدة، وهذا يفسر تأثر البريطانيين بهذه الأسطورة أكثر من غيرهم من دول أوروبا والتي تواجدت فيها أسطورته لكن بدرجة أقل، خاصة في وسط أوروبا وألمانيا حيث هناك العديد من الأساطير والقصص الخرافية لتأخر دخول المسيحية إليها.

ويمكن تتبع الشخصية في الأدب الألماني عن طريق قصيدة Der wilde Jäger للأديب الألماني Gottfried August Bürger والتي جاءت في عام 1790 وترجمت للإنجليزية بعنوان The Wild Huntsman في عام 1796.

ومن الممكن أن تكون شخصية الفارس مقطوع الرأس هي إعادة إحياء للأسطورة التي انتشرت بشدة في العصور الوسطى وما قبلها عن قبائل من إفريقيا لا يمتلكون رأسًا وهم معروفون باسم Blemmyes وقد شكلوا رعبًا بالنسبة للناس من العصور الوسطى.

أسطورة الفارس مقطوع الرأس

وقد انتشرت قصتهم بشدة أثناء فترة الإمبراطورية الرومانية باعتبارها القوة الأوروبية الأكبر في ذلك الوقت، والتي قام جنودها بالعديد من الحروب والرحلات حول العالم.

وسوف أقوم بالحديث حول هذه القبيلة الخرافية “Blemmyes” التي ليست لديها رؤوس، لكن في مرة قادمة بإذن الله.

عبد الرحمن توفيق

كاتب محتوى ومؤلف قصص، متخرج من كلية الألسن جامعة عين شمس، مهتم بالفن والفنانين وخاصة في السينما والتلفزيون، عاشق للتراث الشعبي والفني.
زر الذهاب إلى الأعلى