اكتفاء
كانت فترة صعبة بعد وفاة بابا، ملحقتش أفوق من صدمة فقدانه عشان اتصدم مرة تانية في وفاة ماما بعده ب ٦ شهور، وسابوني لوحدي في بيت طويل عريض.
مكنش لينا قرايب كتير، كلهم بعد العزا اختفوا، لطبيعة الحال يعني كله مشغول في حياته.
فضلت فترة كبيرة بروح الشغل وأرجع آكل وأنام، بلف في دايرة بس من غير روح كل حاجة باهتة من حوليا، بقيت حتى مش عايزة آكل وبرجع أنام، نظرات الشفقة من زمايلي في الشغل كانت بتقتلني، وقررت أسيب الشغل، ومش برد على تليفونات ولا بفتح الباب غير لجارتي عشان كانت صديقة أمي وبتفكرني بيها.
وتحولت حياتي لفترات كبيرة من النوم، ولما بصحى بقعد أفكر في كل حاجة سوداوية ممكن تخطر على بال إنسان!
أنا عايشة ليه؟! أنا محدش بيحبني ليه؟! طيب ما انتحر وأروح للناس اللي بتحبني!!
وبالفعل جربت أكتر من مرة إني أنهي حياتي بس بتراجع في آخر لحظة، ومرات تانية جارتي بتخبط في الوقت اللي أنا على وشك قطع شراييني بالموس فيه.
في يوم جارتي خبطت عليا وهي معاها واحد غريب ولما سألتها مين دا قالتلي أنه قريبها وأنها قررت تعرفه عليا، وطبعًا مش محتاجه حد ناصح عشان من أول ما اتكلم عرفت إنه دكتور نفسي، اتعصبت بس بعد كده هديت وقولتله أنا عندي إيه؟ قال دا اكتئاب، وقالي الكلام اللي كان ممكن أقف قدام المراية وأقوله لنفسي، زي لازم ترجعي الشغل ولازم تتخطي وفاة أعز ما عندك و…إلخ
وجه اليوم الفارق في حياتي لحد كبير، لما لقيت الباب بيخبط وفتحت طلعت أختي، فرحت أوي أن أخيرًا هيبقى ليا ونيس، رحبت بيها وهي كانت عكسي تمامًا مبتهجة ومبتسمة طول الوقت، حاولت ابقى زيها بس قولت كفاية هي سعيدة وأنا هبقى أحاول أخرج من الاكتئاب بعدين.
خلتها تنزل الشغل مكاني من غير ما حد يعرف لأننا توأم متطابق، وفعلًا محدش أخد باله لأنها شبهي جدًا وبتروح الشغل بلبسي المعتاد ليهم.
بقيت بتكلم معاها كتير وبنسهر نشوف أفلام، بس أنا لسه بعاني من حالات عياط هيستيرية، ولسه عندي رغبة دائمة في الانتحار، بس كنت من جوايا سعيدة عشان هي على طول بتضحك لدرجة إنها بتحكيلي في الشغل إنهم مستغربين السعادة المفرطة اللي هي فيها.
بعد فترة اقنعتني أختي إني أنزل الشغل ونبدل عشان هي تعبت وعشان كمان أنا لازم أنزل من البيت، ولما روحت الشغل مش قادرة أبطل عياط وحالة الاكتئاب واضحة عليا، زمايلي نصحوني إني أروح لدكتور نفسي، بس أنا قولتلهم إني بالفعل اتكلمت مع دكتور واداني أدوية اكتئاب بس أنا اللي مش منتظمه عليها، زميلتي المقربة قالتلي ما أنتِ كنتِ بتضحكي امبارح بشكل هستيري ودا معناه إنك محتاجه مساعدة عشان تتخطي المرحلة دي، طمنتها إني هبقى تمام.
وفضل الحال على كده شهور بنبدل على الشغل هي يوم وأنا يوم، وبتمنعني من الانتحار مرات كتير وأنا بحجم حالات ضحكها الهيستيري دا بس كنت سعيدة بيها.
مقدرتش اتخطى صعوبة النوم والأكل وصعوبة الاختيار حتى لو هختار ألبس أبيض ولا أسود.
لحد ما في يوم صحيت لقيت إيدي كلها دم! اتفزعت ولقيت أختي جنبي كمان إيديها مليانة دم وبتضحك بفظاعة بس بطريقة مرعبة خوفتني! فضلت اسألها دم مين دا وهي عماله تضحك، لحد ما قالتلي دا دم الجارة السخيفة اللي مش بتبطل تخبط على الباب كل يوم صبح وليل وحجتها إنها بتطمن علينا، بس في الواقع هي متطفلة وسخيفة فقررت أخلص منها، ودفنتها كمان في المخرن بتاع بيتها وأنتِ عارفة إني محترفة في أفلام الجريمة فأخفيت أي أثر ليا..
وكملت ضحك هستيري وأنا مرعوبة من اللي حصل، وأقل خطوة بره البيت بترعبني، لحسن حظنا أن الست دي كانت عايشة لوحدها وأولادها كلهم بره البلد.
فضلت أزعقلها جامد وأهددها إني هنتحر وهي مستمرة في الضحك، كنت خايفة بس من جوايا فيه حاجة سعيدة بيها!!
وجه اليوم اللي قررنا ننزل فيه من البيت سوا، لأن بسبب إننا بنبدل الشغل مع بعض كنت بخاف أنزل معاها حد ياخد باله ويرفدوني، بس نزلنا سوا وروحنا التجمع بتاع أهل البلد اللي احنا فيها وكل الناس بتبصلنا بنظرة شفقة وخوف غير مفهومة، وكل ما اتكلم مع أختي أو هي تكلمني لازم الناس تبصلنا، حسيت إننا غير مرغوب فينا، وروحنا وهي فهمتني إنهم مش بيحبونا ولازم نخلص منهم، هنا اتأكدت أنها أختي وبتحبني عشان مستحملتش نظرات الناس ليا على إني مجنونة، هما اللي مجانين.
وبالفعل اتفقنا إننا كل يوم بليل هنموت حد منهم وهنخلي البلد كلها متعرفش تنام بسبب الرعب اللي هنسببهولهم.
أول ليلة نزلنا وروحنا على البيت اللي في وشنا ودخلنا عليهم بعد ميعاد نومهم وقتلنا الطفل الممل اللي كان بيرشني بمسدس المياه كل يوم، وبعدين دخلنا على أوضة الراجل ومراته وبطعنتين في المكان المناسب ماتوا من غير ما يطلعوا أي صوت، ودفناهم في نفس المخزن بتاع الست اللي قتلتها أختي ونضفنا أي أثر وجمعنا هدومهم كلها كأنهم سافروا فجأة.
بعد يومين أو تلاتة أهل البلد ابتدوا يسألوا إزاي الراجل سافر فجأة وفين الست العجوز اللي عايشه لوحدها! بردو سافرت فجأة من فترة كده!!
بس في الواقع الموضوع كان مسلي لينا أوي، بيقولوا أول مرة بتقتل فيها بتبقى أصعب مرة، وبالتالي المرات اللي بعد كده كانت أسهل بكتير خاصةً إننا محترفين في إخفاء أي أثر لينا.
بعد أربع حالات الناس ابتدت تطلب الشرطة، وبعد استجوابات لينا ولأهل البلد موصلوش لحاجة بس التحقيق كان شغال.
بس الظابط وهو بيحقق معايا قالي أن أهل البلد لما بيعدوا على بيتي بيسمعوا صوتي بكلم نفسي، ضحكت وقولتله لا أنا بكلم أختي، قالي هي فين دي، قولتله هتيجي تكلمك حاضر، وندهت عليها وجات كلمته وهنا وشه بان عليه الاندهاش، سألته إذا كان فيه حاجة غريبة، قالي لا بس لو أنتِ بتحاولي تستخفي بيا أنا ممكن أسجنك بالسبب دا، فأنا أكدتله أنه لا خالص وإن كل الكلام اللي قولته أنا وأختي هو الحقيقة..
بان على وشه الاستغراب والحيرة ومشي.
بعد يومين لقيت الشرطة جاية تقبض عليا أنا وأختي مفهمتش السبب ليه لحد ما وصلت هناك وعرفت إننا في آخر بيت أختي وقع منها فردة حلق ودا دليل واضح جدًا، هي حطت إيدها على ودنها واكتشفت أن مفيش حلق، فضلت تضحك جدًا!
بس أنا قررت أحميها واعترفت بكل حاجة ونسبت كل الجرائم لنفسي وقولت للظابط هي بريئة، وهنا الظابط اتنهد وقالي دلوقتي هيدخلك طبيب نفسي هيفهمك على شوية حاجات.
كنت قاعدة في أوضة فيها سرير وحوض وتوليت ولمبة باهتة وكرسي ودا الحجز الاحتياطي.
دخل الدكتور ومعاه شنطته ودفتر ملاحظات ومراية، أنا استغربت جدًا ليه المراية، الباقي مفهوم!!
قعد يسألني أسئلة عليا وعلى أختي وعلى وفاة بابا وماما.
وبعدين قالي اسمعيني واستوعبي اللي هقوله، أنتِ اسمك جوليا وأبوكي وأمك ماتوا من فترة، وأنتِ دخلتي في اكتئاب حاد وصلك لمرض نفسي تاني اسمه الاضطراب الثنائي القطب، بمعنى أن الإنسان لما يدخل في الاكتئاب ليه مراحل أنتِ خلصتيها كلها، لدرجة إن مخك اخترع شخصية تانية وبردو بتعاني من اضطرابات، أنتِ معندكيش أخت وطول الوقت دا أنتِ عايشة لوحدك.
طبعًا أنا ضحكت ضحكة سخرية وقولتله أنا عندي أخت وقاعدة جنبي أنت مش شايفها!!!
وقتها هو طلع المراية وقالي طيب شوفي كده فيه حد تاني معانا في الأوضة ولا لا، وكمان طلع موبايله وقال مش بتقولي أنها قاعدة جنبك، صورني ووراني الصورة وأنا ببص للمكان الفاضي جنبي وببص لأختي اللي هي كمان بتبصلي نظرات زهول!
حسيت إن فيه حاجات جوايا بتنهار وأحاسيس متناقضة ومش قادرة أصدق الدكتور حتى بعد ما شوفت بعيني، قالي هديكي أدوية هتساعدك تبقي أحسن ولازم تثقي فيا.
قعدت فترة كبيرة في العلاج في مستشفى تابعة للسجن، لأنهم طبعًا بعد اعترافي طلعوا الجثث وتم التحقيق في كل حاجة عملتها أنا وأختي المزعومة، وقررت اكتب مذكراتي، وهحكي لكم كمان على صديقتي الجديدة!