آخر هزة خصر!
آخر هزة خصر!.. ستكون هزّة الخصر الأخيرة.. ورغم إنهائها مقطوعة الرقص لم تُزَح عنها الأعين، مُثبتةٌ ككشافات تتطلع على انحناءات الجسد ما ظهر منها وما خفي خلف الأستار، تهدّئ ارتجاج الرقص مُوقفةً حركاتها تدريجيًا كآلةٍ ضُغِط زر إطفائها.
لم يعد يسيل من مساماتها عرق بعد جوقة الاهتزاز ومحاكاة النغمات المنتفضة، ربما نفد ماءُ عمرها لكثرة ما سكبته في أكواب الثملين، وإن قيل: «عمرها» فهي لم تعد تتذكر كم راكمت في خزانة السنوات من أرقام، كفّت عن الإحصاء منذ حوصرت في عتمة الليل لا صباح يشرق على حياتها.
هرعت إلى غرفة خالية دون أن تهتم بصيحات الجمهور وتصفيقه لها، استلقت وأغمضت عينيها آملة ألا تصحو بعد الآن.
…
– ماذا تعني؟
– هذا مخيف، مخيف جدًا، لن أقصد غرفتها ثانية.
– ألم تحظَ بمداعبة أو لمسة ناعمة منها؟ أكّد الجميع أنها تحيي القلب العليل، ما بالك ترتجف؟
– أيّ قلب عليل؟ لو رأيتَ ما رأيتُه لفررتَ بجلدك ناسيًا من تكون هذه الـ..
– هيه! انتظر.. دعني أفهم ما حدث، ياه! حمّسني لمعرفة ما جرى، لو أدخل وأتفحص ما جرى بنفسي.
صرخةٌ مشبعةٌ بالذعر ترنّ في أروقة المكان، تلتصق قدماه بظهره ويسعى إلى الخارج وقلبه يكاد ينفجر!
…
لا روح فيها، لكنها لم تمت، حسنها الرائع غدا مرعبًا، ألمها يفصح عن نفسه ببرودة الموت، المرآة الطويلة تظهرها بطولها الفارع، حمرتها الفاتنة وعينيها المكحولتين، و.. جسدها المتخشب، من يراها يحسبها دمية خشبية لعرض الملابس.
يتقدمُ أحدهم للمسها فتتجوف حيث حطّت أصابعه، خندقٌ يُحفَر في كتفها، ثقب في ذراعها، تمتد يد إلى وجهها فيسقطُ جانبُه محدثاً دويًّا وتكسرًا، هربَ قاصدو المتعة ومترصدو الجمال، تركوها هيكلًا خاويًا من الحياة، مفرغًا من الصبا، كئيبًا، تركوها في المرقص تنتصب إلى الأبد، تمثالاً يبش له من لا يعرف قصته ويركض فارًا منه كل عالمٍ بهويتها!
…
لكن ذاك اللغزَ حيّر من سمع به، لم يجزم أحد أكان حقيقة أم أسطورة، كل صباح ومع ولادة نهار جديد تُعزف موسيقى حالمة متفائلة، تُبث الدماء في خشب جسدها الذابل، تولدُ من رحم شوقها للصباح، عاشت تواقة لتشهده، تستيقظ، ترقص دون أعين تترقبها، تتحرك بحرية، لن يعتدي على حرمة ميلاناتها الحلوة أحد.. تتغنى، ترقص، تتمايل، تهتز..
ستكون هزة الخصر الأخيرة، ولكن.. لن يراقبها متلصص، فجمالها في أعينهم غدا جمال وحش، يخافون أن تُلقى عليهم لعنتها، يبتعدون..
وترقص هي.. ترقص، إنما ليس ليلاً، ليس بين جموع الجائعين لروعتها.
إذن، فلتكن هناك هزة خصر أخرى، لن تنهي مقطوعة الرقص هنا!
قصة قصيرة