تاريخ

رنا مسعد تكتب: ماهية الإنسان بعيون المصري القديم

رنا مسعد تكتب: ماهية الإنسان بعيون المصري القديم
إذا سألتك اليوم ما هو الإنسان؟ ستجيبني إما بتعريفك الشخصي/ العلمي أو برأيك الديني أو حتى ستعرض عليّ رأي أحد الفلاسفة.

أما إذا كانت الفرصة سانحة لسؤال المصري القديم “ما هو الإنسان؟” ستكون إجابته مختلفة تمامًا رغم أنه امتلك رأي شخصي وديني وكان بارع في العلوم وكوَّن فِكر فلسفي ولكن جميع ما سبق يُعَد عصارة فكِره ونتيجة لرؤيته في زمنهِ.

لذا أرجو أن تدركوا أثناء قراءة هذا المقال أننا نتحدث عن فِكر يخص عصر قديم ليس له علاقة بمعتقداتنا الحالية، حتى وإن تشابهت في بعض الأمور!

لنبدأ..

نظر المصري القديم للكون وخلقه برؤى تأمُلية، ونتج عن ذلك نظريات وتصورات عن خلق العالم والبشر والآلهة وكل نظرية تختلف عن الأُخرى في مضمونها بل وصل الأمر أن كل منطقة في مصر كان لها تصور معين عن قصة الخلق.

وبعيدًا عن تلك النظريات التي تحتاج لشرح مطوَّل سنتناوله بمقالات قادمة، فالمصري القديم اعتقد أن الإنسان يتكون من ٧ عناصر أساسية، ولأنه آمن بوجود عالم آخر بعد الموت، فوضع شروط وخطوات لسلامة الوصول لهذا العالم، من ضمنها الحفاظ على السبع عناصر، وذلك في سبيل أن ينعم بالحياة الأبدية بعد الموت.

السبع عناصر هم ببساطة:

١- الجسد

٢- القلب المُدرك

٣- الاسم

٤- الظل

٥- (الكا)

٦- (البا)

٧- (الآخ)

سأحكي مفهوم كل منهم، خاصة آخر ثلاث عناوين لأن هناك خلط بينهم وتداخل كبير.

الجسد:

عبر المصري عن كلمة الجسد قديمًا باللفظ (غت)، وقصد بالجسد كل ما يتعلق به من أعضاء وتكوين. كما وصفت مذاهب الخلق القديمة أن جسد الإنسان مخلوق من طين.

القلب المُدرِك:

سماه المصري القديم (إِيب)وقصد به “العقل والتفكير والوعي والنية والضمير والإرادة” وهي كلها أمور معنوية.

فتذكُر النصوص المصرية القديمة: “إن قلب المرء، هو ربه وضميره”.

ويقول الحكيم بتاح: “أضحى القلب كثير النسيان غير ذاكِر أمسه”.

وهنا تتجلى عبقرية أجدادنا بتمييزهم وإدراكهم لمعنى القلب المعنوي ومعنى القلب العضوي والذي سُمي (حاتي).

ولعل بعضكم يتذكر عملية ميزان القلب التي درسناها بالصِغَر، فهي مرحلة يمر عليها المتوفى ليتم ميزان قلبه، فإن كان مثقلًا بالأعمال الدنيئة فلا يُسمح له بالعبور للعالم الآخر، فسلامة القلب من الشرور والأهواء أمر ضروري للعبور للعالم الآخر.

صورة توضح ميزان القلب ومحاكمة الميت:

الاسم:

أُطلق على كلمة اسم لفظ (رِن)، وهنا أحب أن أذكركم  بالمثَل القديم (له شنه ورنه) فكلمة (رنه) تعكس معنى الشهرة والاسم الحَسن والسمعة الطيبة وهو ما يشبه نفس المغزى القديم، فاللفظ (رِن) هو الأصل الذي تطورت منه كلمة (رنه).

وأجدادنا اهتموا بالاسماء ونقشوها على المعابد والمقابر لتخليدها وذلك لإيمانهم أن الاسم جزء من كيان صاحبه ويجب ألا يُنسى بل تخليده ضرورة.

ولعل ما قام به تحتمس الثالث من شطب ومحو لاسم حتشبسوت من على جدران معبدها في الدير البحري خير توضيح لأهمية الاسم، فاعتبر تحتمس الثالث بفعلته تلك أنه انتقم من حتشبسوت ومنعها من العبور والخلود.

الظل:

كان يسمى قديمًا (شوت)، واعتقد المصريون أن الظل ملازم لصاحبه ومصيره مرتبط به سواء كان نعيمًا أم جحيمًا، وأهميته أنه يُمَكِّن صاحبه من الخروج من المقبرة نهارًا، وصوَّر الظل في الرسومات القديمة على شكل شبح أسود له نفس هيئة صاحبه.

الثلاث عناوين الباقين قد يظن البعض أنهم معنى واحد لفكرة “الروح” ولكن الحقيقة هناك فروق بينهم ستوَضِح مغزاهم.

الكا:

هو القرين والمقصود بالقرين هو النفس (الذات) الفاعلة بمعنى طاقته وحيويته ومن معناه تتضح أهميته، فبدون النشاط كيف سيحيى المتوفى مرة أخرى؟ وكيف سيعيش بنفس الوقت؟ لذا فهو ملازم للإنسان في الحياة والممات.

البا:

تعني (الروح)، ونحن كبشر حتى اليوم لا نعرف ماهية الروح وأجدادنا لم يعرفوا كذلك ولكن الروح في نظرهم تشبه مفهومنا التقريبي لها، وهو المظهر التعبيري عن الحياة، أي الشئ الذي عندما يفارق الإنسان فإنه يفنى ويموت، ولذلك صورها المصري القديم في رسوماته ونقوشه على شكل طائر له رأس بشرية معتقدًا بتلك الهيئة أن الروح ستكون لها مطلق حرية الحركة في السماء.

صورة توضح شكل طائر (البا):

الآخ:

هو أكثر العناصر غموضًا، العلماء فسروه بأنه “كيان نوراني أو روحاني” أو شئ يعبر عن الإشراق والتجلي والصلاح والشرف والخلاص، يتحول إليه الأبرار والصالحون في العالم الآخر ويضمن خلودهم وعدم فنائهم.

قد يكون المعنى صعب فهمه ولكن الآخ كان يعرف عن طريق رسمه بهيئة طائر  لونه أخضر، وكل متوفى كان يتمنى أن يصبح آخًا في السماء..

نستطيع أن نطلق عليه “جزء من روح المتوفى” لأن بالفعل بعض العلماء أطلقوا عليه “shining spirit” أو الروح المشعة.

وبعد فترة من رسمه بهيئة الطائر الأخضر تحديدًا منذ الدولة الوسطى لم يعد يُرسم بهذا الشكل وأصبحت كلمة (آخ) تستخدم للتعبير عن كلمة مارد أو شبح.

ورغم دقة تفاصيل التفسيرات لمكونات الإنسان في الدراسات والأبحاث إلا أن بعضهم يشوبه لمحة غموض وغيرهم يحمل قدر من التشابه، ولكن سواء هذا أو ذاك، يظل انعكاس التأمُل العميق السمة الأصلية السائدة للفكر الديني القديم.

زر الذهاب إلى الأعلى