قصص الرعب

ڤودو (الجزء الثاني)

"القربان"

ڤودو (الجزء الثاني)
”إيميلي،إيميلي، استيقظي“
هكذا أستيقظ كل ليلة على صوت زوجي وهو يوقظني بعد أن مررت بكابوس مرعب، تأتيني فيه امرأة تلبس فستان أزرق غامق مطرز يشبه كثيرًا ملابس الهنود، ولكنها كانت مرعبة وعينيها تحمل نظرات الشر، أعتقد أنني رأيت صورًا لها عندما كنا في بيت”دامبالاه“ وسط العديد من الصور على حائط المنزل!

في آخر يوم لنا في هايتي، عندما عرف دامبالاه أننا لن نكمل باقي مدة إقامتنا، حزن كثيرًا وأعطاني تمثالًا صغيرًا خشبي، لا يتعدى حجم إصبعين، مكون من قطعتين يكمل أحدهما الآخر يمكن فكه وتركيبه، وقال لي أنه تميمة تجلب الحظ وتحقق الأمنيات، يجب أن أقوم بفكها وأتمنى أمنية بأن أتنفس بداخلها ٥ مرات وأقول أمنيتي وأغلقها مرة أخرى، وقال لي أن لا أخرجها من جيبي وأعطي لأصدقائي مثلها.

بالطبع لم نكن نصدق في مثل هذه الأشياء ولكن كنوع من الاحترام لتقاليد دامبالاه وكنوع من التذكار لهذه الرحلة المشؤمة قبلتها.
لم نكن قد تقابلنا منذ عودتنا من رحلتنا، بعثت لهم رسائل نصيه لأدعوهم على العشاء عندي، ولكي نتناقش فيما أراه من كوابيس وهلاوس.

وعلى العشاء جلسنا جميعًا وبدأت أتحدث بخصوص ما أراه، وكانت المفاجأة أن (چون) و (فيبي) و (كيڤين) كانوا هم الآخرين يواجهون كوابيس مرعبة تحمل تفاصيل الطقوس: الكاهن، مشهد الدم يغرق ملابسنا، وانتفاض الرجل والمرأة الممسوسين… كُل التفاصيل تطاردنا جميعًا في تلك الكوابيس!

طالت سهرتنا ونحن نحاول إيجاد حل، ومن ضمن الحلول، قالت لي (فيبي): “لما لا تتحدثي مع ذلك المشؤم دامبالاه، ربما لديه تفسير ما لما يحدث؟!”.
لمعت الفكرة وأحسست أنه غباء مني عدم التفكير في هذه الفكرة في المقام الأول.. أحضرت اللابتوب الخاص بي وقررت أن أحدثه عن طريق مكالمة مرئية وأحكي لُه ما حدث لنا جميعًا.

وعندما انتهينا من كلامنا، تنهد دامبالاه وقال بنبرة تدل أنه متوقع ما حدث: “استمعوا لي جيدًا، ما يحدث معكم ليس هلاوس أو كوابيس، بل إنها (لجبا) روح من الأرواح الشريرة التي حضرت في هذا اليوم وسوف يترككم وشأنكم إذا قدمتم له قربانًا من الماعز.. يجب أن تتجمعوا وتذكروا اسمه ويتم الذبح وتتركوا الماعز المذبوح في الخلاء، تحديدًا في مكان قريب من وجودكم، وتعودوا اليوم التالي، إذا اختفت الماعز فإن القُربان قد قُبل، وأتمنى أن يُقبل!”.

انتهت المحادثة بيننا وعلى وجوهنا علامات الذهول، هل سنفعل ما قال عليه؟
“إنها خرافات يجب أن يكون هناك حل أخر!” أنهى (كيڤين) جملته وهو يتصبب عرقًا وينظر في ركن الغرفة، وأكمل: ”سوف نذهب لرجل دين في الصباح ولن نفعل ما قاله هذا المخبول“.
وافقنا جميعًا..

في صباح اليوم التالي، بعد كابوس آخر أكثر بشاعة، ذهبنا إلى رجل دين تعرفه (فيبي) وقال لنا: “الڤودو سحر أسود خبيث، لم يكن من الصواب حضوركم تلك الطقوس، كل ما لدي الآن هو الرُقيه والدعاء لكم، عندما بدأ رجل الدين بالرُقيه، (چون) بدا عليه التعب والغثيان ولكن أكملنا الرُقية وانصرف كل شخص إلى بيته.

مر باقي يومي بشكل عادي لا يخلو إلا من القليل من مزاج مُعكر وخيالات، جاء وقت النوم وكذلك جاء (لجبا) هو الآخر ينظر لي بخبث، ولكنه تحدث هذه المرة، أحسست أنني مقيدة إلى السرير وهو فوقي مباشرة يحوم، وقال لي: “كل محاولاتك ستفشل، لم يكن ذهابك إلى بيتي صدفة، فأنا قد دعوتك والآن أنتِ ملكي للأبد” وضحك بخبث واختفى!

قصصت ما حدث لأصدقائي اللذين لم يحدث معهم مثلي، ما حدث معهم كان المعتاد من الخيالات والكوابيس.
كان زوجي مفزوعًا لما يحدث لي، ولكنه أخذ ابنتنا وذهب عند والدته بعد ما طلبت منه ذلك.
أحضرت ماعز صغير وجمعت أصدقائي وقلت لهم أنه حلنا الوحيد تقريبًا، وبالفعل في المساء ذهبنا خلف منزلي المتواجد بجانب مساحة واسعة من الغابات، وأشعلنا النيران وقال كيڤين أنه سيتولى مهمة الذبح.

”لجبا لجبا لجبا“، هكذا ذكرنا اسمه عدة مرات وذبح كيفين الماعز المسكين ووضعه بجانب شجرة ما.
في صباح اليوم التالي لم نجد الماعز وظننا أنه تم الأمر، تحدثت إلى دامبالاه الذي كان مندهشًا أن القربان قُبل، وقال بنبرة متلعثمة: ” ج ج جيد، أنه قبل القُربان”.

احتفلنا بمناسبة انتهاء الكابوس، وقررنا أن نسهر في حفل شواء حتى الصباح، ولكن عندما أتى الصباح استيقظنا لنجد أنفسنا مازلنا في العراء ولم يكن چون موجود، بحثنا عنه بكل مكان ولكنه اختفى!!!
أبلغنا الشرطة وأهل چون ولكن بلا نتيجة! حتى أتى الليل علينا ونحن مُتعبين من البحث عنه، وقررنا أننا لا يجب أن نترك بعضنا حتى نعرف ماذا يحدث!!

أصبح مجئ المساء لعنة علينا، في كل ليلة منذ عدنا من (هايتي) يحدث شيء أبشع من سابقه..

تحدثت مع دامبالاه فيما حدث لنا وقال لي أنه يجب علينا أن نذهب إلى هايتي مرة أخرى حتى يحل الكاهن الأمر وقال شيء غريب حول أن صديقنا سيظهر إذا وافقنا على السفر مرة أخرى إلى هناك.
بعد رفض تام منا جميعًا، وبعد أن اقتنعت أنه لا يوجد حل آخر، حاولت إقناع (فيبي و كيڤين)، بعد وقت طويل اقتنعوا وحجزنا تذاكر السفر، وفي نفس اللحظة خبط الباب لنجد أنه (چون) قد عاد! وقال إنه لا يتذكر شيئًا من تلك الليلة التي نمنا بها في العراء وأنه استيقظ صباحًا في وسط الغابة الجنوبية! حجزنا له بعد شرح وإقناع لمدة طويلة أخرى.

سافرنا وذهبنا إلى بيت دامبالاه ولكن العجيب أن كل الناس كانوا ينظرون لنا بشكل مريب، أتى الكاهن وبدأ في تمتمة طلاسم وتعاويذ، ونشر مسحوق ما أزرق اللون على وجوهنا ونحن لا نفهم شيء، قال دامبالاه أنه يقوم بحمايتنا وبعد ساعة من الزمن انتهى الكاهن وارتسمت على شفتيه ابتسامة تدل على الانتصار، ارتحنا لهذه الابتسامة وظننا أنه طرد (لجبا) ولكن كان الأمر مختلفًا!!!

أكملنا اليوم وقدموا لنا طعام وفير، وكان أهل البلدة يأتون محملين بالأطعمة والحلويات وغيرها لنا وهذا كان غريب! وفي المساء هجم على المنزل ستة رجال أشداء وقاموا بتقييدنا، وتبدلت نظرة دامبالاه إلى الشر والخبث!
وبدأ في الكلام “كان يجب أن أكون لطيفًا معكم.. لكسب ثقتكُم!!، يجب أن أشرح لكم ما حدث وما يحدث وما سوف يحدث.. في البداية يجب أن تعرفوا أنكم لم تأتوا إلى هنا بالصدفة، لقد وقع الاختيار على صديقتكم (إيميلي) لتكون قربان ل (لِجبا)، (لِجبا) هي روح مقدسة ولكن شريرة، وكل عشرة سنوات تختار قربان لها ويجب أن يكون بشري وأن يكون دم جديد لشخص لا ينتمي لشعب (تاهيتي)، أتى لي (لِجبا) في الحلم وطلب مني أن أشجعك على السفر لأنه اختارك أنتِ يا إيميلي لتكوني الوعاء الجديد له في فترة الطقوس الموسمية، دخلت الفكرة برأسك سريعًا عندما قصصت عليكِ فكرة الطقوس وما إلى ذلك، والطقوس التي حدثت كانت طقوس وهمية الهدف منها أن يلقي الكاهن عليكم علامة ليختار منكم (لجبا) وكان يجب أن تقضوا وقتًا أطول ولكن ما حدث أرهبكم وجعلكم تستعجلون الرحيل، ولذلك أعطيتكم تميمة الحظ… أو هكذا ظننتم، التميمة كانت حلقة الوصل بينكم وبين (لِجبا)، والقربان الذي قدمتموه له كان توثيق منكم واعتراف بوجوده، ولذلك أنتم هنا اليوم لكي يختار أحد منكم والباقي يُقَدَم كقرابين”.

كانت أفواهنا وأعيننا مفتوحة من شدة الذهول، ولم ننتبه أن أهل القرية بأكملهم متراصين حولنا يجهزون لطقوس جديدة ويرقصون، ويرشون علينا الورود وبوردة زرقاء وأخرى حمراء، أتى الكاهن ورش علينا الدماء المخلوطة بالزيوت، وأخذ يتمتم طلاسم ويعلو صوت الناس بطلاسم أخرى ويعلو صوت الطبول ثم فجأه انطفأت النيران وعم الصمت وغبت عن الوعي!!!

استيقظت لأجد نفسي في سريري.. في بيتي.. في بلدي، لقد عدت!! كيف حدث ذلك؟ متى حدث؟ هل حدث ذلك في تلك الليلة؟؟؟ هل كل هذا مجرد حلم؟؟
قمت من السرير وسألت زوجي الذي يبدو مندهشًا كأنه لأول مرة يسمع صوتي، ماذا حدث أنا لا أتذكر شيئًا، قال لي:
“أنتِ تعانين من صدمة لأن أصدقائك…. أصدقائك ماتوا في حادث سيارة في هايتي في طريقكم للعودة، وأنتِ كُتبت لكي النجاة، وطوال الأسبوع الماضي لم تتحدثي لأحد ولا حتى أنا، ولكن أنتِ بخير حمدًا لله عزيزتي”.

تركني في حالة ذهول، دخلت لأغسل وجهي ربما أستوعب ما يحدث، وضعت رأسي كاملة تحت المياه لتطفئ النيران داخل رأسي، وعندما رفعت رأسي وجدت نفسي بنفس ملامحي في المرآة ولكن بملابس زرقاء غامقة لونها، مزركشة!! صرخت!! ولكن صورتي ثابتة في المرآة حتى انطلقت منه صرخة مدوية كسر المرآة وصوته في أذني يقول لي:
“قلت لكي أنكِ ملكي للأبد”..

لمشاهدة الجزء الأول أضغط (هنا)

زر الذهاب إلى الأعلى