تكنولوجيا

كارثة البلاستيك بقلم: محمود علام

كارثة البلاستيك بقلم: محمود علام
زمان أوي، من حوالي 100 سنة كده، اكتشاف البلاستيك كان له أثر كبير جدًا على الحضارة البشرية.. أثر غير حياتنا تمامًا.. بسبب رخصه وفعاليته وكونه مادة نضيفة ومعقمة، قدر يغير اعتمادنا الصناعي تمامًا، ويخليه معتمد عليه بالكامل تقريبًا.. بس للأسف، المعجزة التكنولوجية اللي إسمها البلاستيك دي، فقدنا السيطرة عليها بسرعة.. وحاليًا هي اتحولت لخطر حقيقي بيهدد البيئة والكائنات الحية الأرضية، وخصوصًا الجنس البشري على المدى البعيد..

إزاي ؟.. خلوني أحكيلكم سريعًا في مقال النهارده

أول حاجة بس خلينا نفهمها، ايه هو البلاستيك ؟..

البلاستيك في الواقع بيتكون من حاجة إسمها (البوليمرات Polymers).. ودي بتبقى عبارة عن سلاسل طويلة ومتكررة من المجموعات الجزيئية Molecule Groups.. والحقيقة إن المجموعات أو البوليمرات دي موجودة في كل مكان في الطبيعة.. في جدران الخلايا.. في الشعر.. في الحرير.. في الحمض النووي DNA.. في حاجات أكتر من قدرتنا على الحصر.. لكن البلاستيك بقى بيكون عبارة عن بوليمرات إحنا اللي بنصنعها.. بوليمرات صناعية Synthetic Polymers بتتكون من تحليل النفط الخام Crude Oil لمكوناته الأساسية، وبعدين إعادة تجميعها وترتيبها وتشكيلها، بحيث إنها تكون البوليمرات الصناعية دي.. واللي في الآخر بتدينا البلاستيك بشكله المعروف.. ساعتها بقى إحنا بنقدر نلعب بيه زي ما احنا عايزين.. بسبب خاماته شديدة الرخص، وخفه وزنه ومرونته، بنقدر نشكله في ي شكل إحنا عايزينه، وبنعمله بأعداد مهولة وبأقل المجهود، ومن غير وقت يذكر.. الأزايز البلاستيك.. أكياس النايلون.. الأغلفة البلاستيكية في المطاعم.. الباكليت Bakelite اللي بدأ استعماله في الأجزاء الميكانيكية.. الـ PVC اللي بدأنا استعماله في المواسير، والتروس الكهربية، أو العلب البلاستيكية.. الأكريليك Acrylic اللي بيتم استعماله في تصنيع زجاج صناعي مضاد للكسر والخدش.. كتير وكتييييير جدًا من المواد اللي داخله في الصناعات اليومية بتاعتنا حاليًا..

بس للأسف.. البلاستيك بقاله فترة طويلة أوي بطل يكون المادة أو الماتيريال Material المبهر ده، وبدأ يتحول لمجرد قمامة.. سواء بقى في الأكواب البلاستيكية بتاعت المية.. الأكياس البلاستيكية.. الأغلفة البلاستيكية.. مسألتوش نفسكوا الحاجات دي كلها بتروح فين ؟.. يعني إحنا بنغمض عينينا ونفتحها ونفتكر إن البلاستيك خلاص بقى اختفي واترمى.. حلو.. هو بيترمي فعلًا.. بس بيروح فين، وايه اللي بيحصله ؟.. 🤔

المشكلة للأسف إن بسبب كون البوليمرات الصناعية دي قوية جدًا، ف فترة تحللها بتستغرق فترات أسطورية، ما بين 500 إلى 1000 سنة !!.. يعني البلاستيك بيتحلل في فترة أكبر من عشرات الأضعاف لأعمارنا الطبيعية، وممكن أكتر كمان.. وإحنا بغباءنا قررنا –بشكلٍ ما- إننا نستعمل مادة شبه دائمة زي دي، في إننا نعمل منها الحاجات اللي المفروض تكون للإستعمال الواحد فقط، وتترمي بعدها !!.. ودي كارثة كبيرة فعلًا إنتوا مش مدركين حجمها..

خلوني أفهمكم بالراحة.. في الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا، البلاستيك والأغلفة البلاستيكية بتكون أكتر من حوالي 13 من إجمالي النفايات اللي بتنتجها.. تخيلوا انتوا العدد. لو هنتكلم على الموضوع ده عالميًا، فيكفي إني أقولكم إن عدد أطنان النفايات اللي تم إنتاجها من البلاستيك، من ساعة بداية إستعماله، هو حوالي 8.3 مليار طن متري Metric Tons من النفايات !!.. منهم 335 مليون طن ف 2016 لوحدها.. منها حوالي 6.3 بقوا نفايات غير قابلة لإعادة التدوير والإستعمال Recycling.. لو حبيتوا تتخيلوا الحجم، ممكن أقولكم إننا لو تخيلنا العدد ده كله هو عبارة عن مكعب واحد من البلاستيك، فهو هيكون مكعب ارتفاعه 1.9 كيلومتر لفوق، و6.9 كيلومتر بالعرض !!.. مكعب واحد من البلاستيك الخالص.. 🙄

طيب إحنا بنعمل ايه بكل النفايات دي ؟.. 9% منها بيتم إعادة تصنيعه recycled.. و 12% بيتحرق وبيلوث الجو.. والباقي كله بيتم إلقاءه في المحيط !.. 79% بيتم إلقاءه في المحيط، بمعدل حوالي 8 مليون طن سنويًا.. ويكفي إني أقولكم إن حجم البلاستيك الموجود في المحيط متوقع إنه هيبقى أتقل من حجم الثروة السمكية الموجودة في محيطات وبحار الأرض بالكامل، بحلول سنة 2050.. وكل ده مش بيتحلل !!.. هيفضل موجود لحد سنة 3000 !.. حد بقى هييجي ويسألني آيه بقى خطورة ده علينا كبشر ؟؟ أنا أقولك.. الثروة السمكية دي كلها اللي في البحار والمحيطات، بتاكل البلاستيك ده.. لإن بفعل الشمس، في أجزاء صغيرة من البلاستيك ده بتنفصل عنه، وبتكون حاجة إسمها الميكرو بلاستيك Micro plastics.. دي بتبقى أجزاء صغيرة جدًا ومجهرية أشبه بذرات الرمال كده.. الذرات دي بقى بتاكلها الثروة السمكية، وبعدين تاكلها الأسماك الأكبر منها.. وهكذا، لحد ما بتوصل في الآخر لطبقنا إحنا.. ولما بناكلها، فإحنا يعتبر بناكل بلاستيك.. وضرر ده لا يوصف على الصحة البشرية.. مثلًا المادة الكيميائية BP اللي بيتم استعمالها على البلاستيك عشان تخليه شفاف، فيه دراسات بتبين إن ليها تأثير كارثي على النظام الهرموني البشري.. الـ DEHPاللي بيخلي البلاستيك مرن، بيسبب الكانسر Cancer.. وغيره كتير أوي أوي.. ده غير كمان ملايين الأسماك اللي بتموت في البحر كل يوم، وبتتحلل وبتأذي أسماك تانية، وبتهدد أنواع كاملة بالإنقراض، زي الحيتان مثلًا اللي بتاكل عشرات الكيلوهات من الأكياس البلاستيكية والعلب كل يوم، وهي بفطرتها الطبيعية البريئة، فاكراه سمك صغير.. الإنسان هو جرثومة فعلًا، بتلوث كل شيء حواليها..

حاليًا وبناءًا على دراسات اتعملت عالميًا، 8 من كل 10 أطفال بشريين ، وكل البشر البالغين في العالم تقريبًا عندهم حاجة إسمها الـ Pthalates في جسمهم.. منتج بلاستيكي شائع..

93% من البشر عندهم BPA في البول بتاعهم.. مادة تانية..

آلاف الأبحاث تم عملها على الموضوع ده، وكلها بتنذر بكارثة جاية.. بس إحنا كعادتنا، كائنات مغرورة، بترفض الإستماع دايمًا، وبتعمل اللي على مزاجها..

في أسطورة إغريقية قديمة كانت بتتكلم عن ملك إسمه ميداس Midas، طلب من الآلهة أمنية وحققوهاله.. الأمنية دي كانت هي إنه يحول كل شيء يلمسه إلى ذهب.. وفعلًا ده حصل، وبقى يحول كل حاجة بيلمسها لذهب خالص.. في الأول فرح كتير جدًا، وحس إنه فعلًا بقى أغنى رجل على الأرض، لحد ما أدرك الأبعاد الحقيقية للكارثة.. تدريجيًا كل شيء حواليه إتحول لذهب جامد، بلا حياة.. حتى بنته لما حضنها، إتحولت بين إيديه لتمثال دهب..

أتمنى ده يكون بيفكركم بحاجة.. لإنه لو إحنا مش حاسين بالخطر المتربص بينا السنين اللي جاية، فالأوان فات فعلًا..

محمود علام

محمود علام هو كاتب روائي وباحث، وسيناريست مصري، بدأ النشر منذ سنة 2016، وصدر له العديد من الأعمال هي (كتاب الشمس ٢٠١٦ - الله لا يرمي النرد ٢٠١٧ - التنظيم ٢٠١٧ - السائرون ٢٠١٨ - الجيل الثالث ٢٠١٩ تخت النشر)، و التي نالت كلها صدى واسع في أوساط القراء، جاعلة إياه من أشهر الكتاب الشباب المتواجدين على الساحة وأكثرهم نشاطًا..
زر الذهاب إلى الأعلى