تكنولوجيا

EES بقلم: محمود علام

(الحث الكهربي لفوق الجافية)

EES بقلم: محمود علام
عندك قريب أو حد تعرفه مصاب بالشلل لأي سبب ؟.. حادثة أو أي ظرف أدى لإنه يفقد الإحساس والحركة في نصه التحتاني مثلًا أو جزء معين من جسمه ؟..

أكيد سمعت كتير إنه مش هيمشي تاني، وإن الموضوع مستحيل، وإن كل حياته بعد كده هيقضيها على كرسي متحرك، محتاج لمساعدة من الناس في كل وقت، عشان يقدر يقوم بأبسط مهام كل واحد فينا بيقدر يعملها كل يوم بدون أي مشكلة أو مشقة..

في مقال النهارده، خليني أحكيلك عن فتح علمي جديد، هيغير الفكرة دي عندك للأبد.. فتح هيخلي المشلولين حركيًا دول يقدروا يقفوا تاني.. ويمشوا من جديد

الموضوع بدأ من خلال بحث بيتم إجراءه منذ سنوات طويلة، عن حاجة إسمها (الحث الكهربي لفوق الجافية Epidural Electrical Stimulation) أو اختصارًا EES.. الموضوع ده هو تكنولوجيا أو تكنيك علاجي طبي جديد كان بيتم إجراء أبحاث طويلة عليه من زمن كبير، على الحيوانات، وكان ناجح جدًا فيها، بس كان نجاحه في البشر محدود جدًا وبيستهلك فترات طويلة.. بس مؤخرًا، وفي أواخر سنة ٢٠١٨، جه باحثين اسمهم جريجوار كورتين Grégoire Courtine و جوسلين بلوخ Jocelyne Bloch و فريق كبير معاهم من الباحثين والأطباء العلاجيين، أعلنوا لأول مرة إنهم قدروا يوصلوا لفتح علمي وطبي هائل، خلاهم يقدروا يستعملوا التقنية دي في إنهم يخلوا ٣ من المرضى بتوعهم يقوموا يقفوا، ويمشوا مرة تانية بدون مساعدة، في خلال أيام قليلة

خلوني أحكيلكم عن فكرة عمل التقنية دي..

الموضوع كله هو إننا بنجيب أقطاب كهربية Electrodes، وبركبها في العمود الفقري للشخص المصاب، وبعدين الأقطاب دي بتوصل إشارات كهربية للعمود الفقري ده.. الفكرة هي إن لما بتكون في إصابة في العمود الفقري، فإن الإصابة دي بتقطع التواصل أو الإشارات ما بين العمود الفقري، والمخ.. بتمنع الإشارات المخية الحركية من إنها توصل لما هو تحت موقع الإصابة، فبالتالي الجزء السفلي من الجسم بيكون منقطع تمامًا عن الجزء العلوي.. كإنه مش موجود.. اللي بتعمله بقى تكنولوجيا ال EES هي إنها بتملى الفراغ ده.. كإنها بتعمل جسر ما بين المخ والجزء السفلي من الجسم.. بحيث إنها بتنقل إشارات كهربية معينة، لأجزاء معينة من العمود الفقري والأعصاب، عشان تقدر من خلالها تستحث الحركة في الأعضاء المشلولة مرة تانية، وبالتالي تخلي المخ يبتدي يستعيد الإحساس بيها مرة تانية ويتعرف على موقعها، ويبتدي يتواصل معاها مرة تانية من خلال الإشارات العصبية والمخية..

الفكرة إن الموضوع ده ما كانش ممكن في البشر قبل كده.. كان سهل في الحيوانات والقوارض وكده، لكن بالنسبة للبشر كان شديد الصعوبة لدرجة الإستحالة، بسبب اختلاف أجسام الحيوانات دي الفسيولوجي عننا.. الموضوع كان متطلب إنهم يبنوا خريطة كاملة وهمية للنمط أو النموذج اللي الإشارات الحسية دي بتنتقل بيه للأعصاب أو للعمود الفقري.. لإن الموضوع مش هينفع يكون مجرد إشارة كهربية مستمرة، أو حتى إشارة عشوائية..

لأ هما كانوا لازم يعرفوا بالظبط فين ف كل مصاب الإشارات الحركية دي بيتم ارسالها واستقبالها، في كل صورة من الصور الحركية، ويكونوا النمط أو ال Pattern ده قدامهم، ويلقنوه للأقطاب الكهربية الذكية المزروعة في العمود الفقري للمصاب، بحيث إنهم يقدروا يوصلوا الإشارات الكهربية الصناعية دي للأجزاء اللي بتسبب الحركة والتواصل بين المخ والعمود الفقري.. إشارات مدروسة ومعينة، في وقت معين، مش عشوائية.. وده كان صعب جدًا لفترة طويلة.. لكن بفضل جهود الباحثين دول، الموضوع ما بقاش حلم

صحيح إنه لسه التكنولوجيا دي في المهد، ولسه محتاجة دراسة وتطويرات عشان توصل للكفاءة الكاملة، وده اللي متوقع إنه يتم خلال فترة قليلة جدًا.. يمكن مثلا ٢٠٢٢ أو ٢٠٢٣.. بس المبهر إنها موجودة أصلًا  تخيلوا الأمل اللي ممكن ينبعث في قلوب الناس المحرومين من المشي أو الحركة دول مثلًا، وهما شايفين الناس اللي تم علاجهم وهما بيقوموا ويقفوا لأول مرة، ويمشوا بره حدود المستشفى

تخيلوا الأمل اللي ممكن الفتح ده يحمله للتطور الطبي المستقبلي، ومدى فهمنا للإشارات المخية والاتصال بين المخ والأطراف أو حتى الأعضاء الجسمانية نفسها.. تخيلوا الطب البشري رايح على فين، ومعاه صحتنا كبشر، وقدرتنا على التحكم في أجسامنا وإصلاحها..

هو ده الحلم اللي بيحمله الطب والعلاج الطبيعي للمستقبل

محمود علام

محمود علام هو كاتب روائي وباحث، وسيناريست مصري، بدأ النشر منذ سنة 2016، وصدر له العديد من الأعمال هي (كتاب الشمس ٢٠١٦ - الله لا يرمي النرد ٢٠١٧ - التنظيم ٢٠١٧ - السائرون ٢٠١٨ - الجيل الثالث ٢٠١٩ تخت النشر)، و التي نالت كلها صدى واسع في أوساط القراء، جاعلة إياه من أشهر الكتاب الشباب المتواجدين على الساحة وأكثرهم نشاطًا..
زر الذهاب إلى الأعلى