طلاسمقصص الرعب

بوابة الشمس “الحارس” بقلم محمود وهبة

بوابة الشمس "الحارس" بقلم محمود وهبة

تلك الليلة المظلمة حتي تحت هذة الإضاءة القوية، والموحشة، والساكنة حتى بين الجميع رغم علو حديثهم من حوله، يحاول إيجاد مبرر لما حدث، علامات الذهول علي كامل وجهه المجهد، امتلأ كامل الرصيف بالركاب وزاد الازدحام، لمح من وسط الجميع شخصا يسدد نظرة خائفة مرتعدة إليه وهو شبه متخفي.

التفت حوله و لم يجد أحدا يبادلة النظرة فعاد بنظرة لتتلاقي العينان فيرتعش جسد الرجل ويهرول محاولا الفرار منه في خوف، تتبعه متعجبا لدية الكثير من الأسئلة وكلما اقترب منه زاد خوف الرجل كأنه ينظر إلى الموت على قدمين، و مع اقتراب صوت القطار قفز الرجل أمامه ليلقي حتفة و سط صراخ الجميع و تركه في شرود وعدم استيعاب لما يحدث معه، فهناك اثنان ماتا هربا منه دون سبب واضح في تلك الليلة المفزعة.

عاد إلي منزله الضئيل الهش المكون من طابقين أحدهما يمتلئ بالماء طوال فترة الشتاء وبه مكان ضيق للاحتفاظ بالطعام وتحضيرة وفراش صغير يلقي بجسده فوقه في كل يوم، وهناك مكان مظلم للاستحمام وقضاء الحاجة، بينما الطابق العلوي المكون من أخشاب أوشكت علي التحلل وسقف به الكثير من الفجوات وفراش متماسك للجدة والتي تبقت له من بعد وفاة بقية أسرته.

دخل إلي البيت المتهالك وأغلق ذلك الباب المزعج في هدوء على قدر استطاعته ثم صعد السلالم المهترئة واطمئن على جدته وهبط كي يغتسل وسط تذكره لكل ما مر به في ذلك اليوم، وظل على حاله تحت الماء يتذكر أوجه من ماتوا هربا منه انتحارا حتي سمع صوت جدتة تقول “ألبرتو! ألبرتو، هل أحضرت الدواء؟”.

أفاق من سباته وهرول إلي فراشه وتذكر أن الماء مازال ينسكب وأنه مازال عاريا فعاد وهو يقول “نعم يا جدتي، لقد أحضرته من السيد والاس وهو يقول أن عليك الاستمرار في تناولة حتي تتحسني”، أوقف تدفق المياة وارتدي ملابس نومه الممزقة وصعد وبيده زجاجة اقترب بها من جدته وأعطاها جرعة منها ثم هبط وأشعل النيران ووضع فوقها قدح من ماء وسكب به بعض التوابل ثم وضع أرجل دجاج كان قد أحضرها خلسة وهو في عودته بعد أن سرقهم من أحد المحلات.

انتظر دقائق حتي غليت الماء، أمسك إناءا صغيرا ووضع به بعض من طعام الفقراء وصعد إلي جدته مبتسما، أطعمها وشرد قليلا في فتحه من فتحات السقف.

نظرت له جدته وقالت “ألبرتو، ما الذي تخفية عني؟ ما كل هذا التفكير؟ ما الذي يشغلك؟”

تنبه لها وابتسم وقال “كنت أفكر أن أعمل ساعات إضافية كي أشتري لوح كبير من الأخشاب وأغطي كل تلك الفتحات التي تسبب لنا الإزعاج في كل شتاء”.

أمسكت جدتة بيده وقالت “هل تعتقد أن علتي في عقلي يا صغيري؟ أنا اقوم بتربيتك منذ الثالثه والآن أنت أوشكت على إنهاء عقدك الثاني، أنا اعلم إذا كنت تخفي شيئا، هيا أخبرني”.

نظر “ألبرتو” لجدته وقال “هل كل ما رويتيه لي عن تلاقي الأرواح حقيقة؟ عن باب الشمس والمختار، عن استطاعتنا لرؤية من ماتوا والتحدث معهم أو إرجاعهم مرة أخري؟ هل هناك غيرنا هنا على تلك الأرض الفقيرة يمكنه مساعدتنا؟”.

أصدرت الجدة ضحكة وأتبعتها بسعال شديد ثم قالت “تقصد ما كنت أحكية لك منذ الصغر حتى وقت قريب، وقت انهماكك في العمل وابتعادك عن الحقيقة”.

سحب “ألبرتو” يده ووقف ينظر إلى المنزل في ضيق وقال “أي حقيقة؟ أتقصدين ما تركة لي أبي، ذلك المنزل الخرب أم الديون التي أهرب من أصحابها يوميا، أم ماذا؟ ما الذي كنت تتوقعي مني فعله يا جدتي؟”.

اعتدلت جدتة من نومتها وقالت بصوت ضعيف “لم يترك أباك لك دينا ومنزل ضيق فقط، بل ترك لك كنزا أيضا وأعتقد أنه قد حان الوقت كي تحصل عليه بعد أن أتممت عقدك الثاني”.

اتسعت عين “ألبرتو” وتغيرت ملامح وجهه والتفت سريعا ونظر إلى جدته وهو يقول “كنز! أكنا نمتلك كنزا طوال كل تلك المدة ولم تخبريني؟ أين هو؟”.

أشارت جدتة إلى لوح خشبي بارز في الحائط وقالت “آخرجة من خلف ذلك الجدار”.

آسرع “ألبرتو” إلى أسفل وعاد وبيدة أداة حادة وظل يحطم في الجدار حتي أحدث فجوه به، أزاح الخشب المتناثر ومد يده داخل الفجوة وأخرج صندوقا وعاد به إلى جدتة سعيدا.

ابتسمت الجدة فتحت الصندوق وأدارته باتجاه “ألبرتو” الذي تبددت ابتسامتة فور رؤيته ما يحوية الصندوق، أدخل يده وأخرج ثلاثة أحجار و ورقة قديمة وهو يمعن النظر مرة أخري داخل الصندوق وقال متعجبا” أحجار! هذا هو الكنز الذي تركه لي والدي؟”.

أمسكت الجدة الأحجار وقالت “نعم حجر لسداد الدين وحجر لمعرفة الحقيقة وحجر لفتح الباب”.

استشاط “ألبرتو” غضبا وألقي بالحجارة إلى الحائط وقال “كل هذا هراء، لقد اكتفيت من كل هذا، انا أمقت هذة الحياة ولا أقوى على الاستمرار، سأرحل من هنا بحلول الفجر، سأرحل إلى بلد جديد وأكوّن حياة جديدة، لقد سئمت الانتظار وسط كل هذا الوحل”.

دمعت عين الجدة وحاولت أن تهبط من الفراش لتلتقط الأحجار فوقعت أرضا وأرتطم رأسها بالأرض وسالت الدماء منها، هرول إليها “ألبرتو” وهو يبكي وأمسك بها وحاول أن يعود بها إلى الفراش فنظرت له وقالت ” ألبرتو، يجب أن تصدق، إن أردت أن تعيدني مرة أخري إلى الحياة عليك أن تصدق، الباب موجود وكلنا هناك ننتظر وننظر من خلفه ” ثم سكتت ملامحها و انتهت.

تناثرت دموع “ألبرتو” وهو ينظر إليها في عدم استيعاب ولم يعد إليه رشده إلا وهو يقول “أي باب؟ أي باب يا جدتي” وقعت عيناه على الصندوق فوجد علية نقش لرسمة شمس تشرق من بين باب يطل وحيدا وكلمة غائرة مكتوبة “باب الشمس”.

انتهي كل شيء سريعا بعد أن ترك جدته أسفل بعض الأحجار في أرض قاحلة ورحل، تلك الأحصنة التي تجر العربة تصدر صهيلا كأها تواسي “ألبرتو” على فقده لجدته وهو جالس دامع العينين ممسك بالصندوق الخشبي وينظر له في حيرة وقلة حيلة، توقفت العربة وقال صاحبها “سنستريح هنا تلك الليلة وعلى الجميع الهبوط والمساعدة في تجهيز المخيم”.

هبط الجميع واحدا تلو الآخر وهبط بعدهم “ألبرتو” في جمود وفور أن لمست قدمه الأرض ورفع عينه حتى وقعت عينه على الشمس وهي تغرب بين بناء حجري يطل وحيدا فوق أرض مرتفعة بالقرب منهم، شرد قليلا وظل ينظر إلى ذلك المظهر حتى أفاق على يد وضعت على كتفه “هل ستساعدنا في تحضير المخيم أم تفضل الجلوس هنا وحدك حتى تجدك الذئاب وتصبح وليمة لا تقي من جوع؟” ثم ابتسم له في ملامح توحي بالغباء الدفين.

حل الليل سريعا و دوي الكثير من عواء الذئاب في السماء، تمنعهم تلك النيران من الاقتراب من المخيم وجلس كل واحد داخل خيمته وبجانبه كل ما يخصه من مأكله ومشربه وسلاحه الذي يحتمي به، بينما “ألبرتو” يرتعش جسده وهو يحتضن الصندوق الخشبي داخل خيمته الفارغة من كل شيء إلا من الفقر بارد الملمس خبيث الطعم والرائحة.

أفاق على صوت الرجال وهم يتحضرون للمغادرة واحدهم ينادي عليه كي يحضر متعلقاته داخل العربة ويتجهز للرحيل، خرج من خيمته ونظر إلى الجميع في ريبة، نظر إلى مكان الشمس فوجدها تستقر داخل ذلك البناء الحجري، اقترب منه أحد الرجال وقال “أنت تنظر إلى ذلك الشيء من ليلة أمس، ما الذي يجذبك إليه؟”.

قال “ألبرتو” في تساؤل “هل تعلم ماهيتة؟ أنا فقط منجذب إليه”.

قال الرجل شارحا “هذا ما يسمي باب الشمس وهو الأثر الوحيد المتبقي من حضارة لم نعلم عنها أي شيء منذ أن ولدنا، جدي كان يروي لي أنه نافذة إلي العالم الآخر” ثم أصدر ضحكة عالية ساخرا وهو يبتعد.

ركب الجميع داخل العربة وذهبوا في طريقهم وقبل أن يحل الليل كانوا قد وصلوا إلي المكان المنشود، قرية جديدة تبني بالقرب من التلال العالية، مرت الأيام وانتهي العمال ومن بينهم “ألبرتو” في بناء القرية وتوافد الجميع إليها و تفجرت الحياة من وسطها وأصبح موطنه الجديد.

مرت الشهور و نفذ كل ما كان يدخره “ألبرتو” وكان عليه الفرار من الدائنين والبحث عن مكان جديد وموطن جديد وخاصة بعد أن تورط مع ابنة أحد الأغنياء في تلك القرية، وعند الفجر قرر الرحيل ولكنه فوجئ بوجود الحرس على بابه ومن خلفهم الدائنون، حاول الهرب و فشل وقبض عليه، اجتمع الدائنون واتفقوا على استرداد أموالهم أو قتله و زادت المصائب مصيبة أخري عندما اكتشف أحد الأثرياء ما فعلة بابنته.

جاء وقت تنفيذ إعدامه وقبل أن يشنقوه تذكر كلمات جدته الأخيرة عن الأحجار وقال “أنا لدي ما يسد دينكم ويفيض كي أتزوج ابنتك” وأشار إلى الرجل الثري، انفجرت الضحكات ولكنه رفع صوته وقال بجدية “أنا لدي ما يجعلني أغناكم على الإطلاق وما يجعلكم تعملون لدي” اختفت كل الابتسامات من أوجه الجميع وفكوا وثاقه واتبعوه إلى منزله.

دخل إلى المنزل وعاد بالصندوق الخشبي وفتحه أمام الجميع وأخرج الأحجار الثلاثة وظل ينظر إليهم ولا يعلم ما العمل، ظل الجميع يحملقون به وينتظرون ذلك المال الوفير واندفع الحرس إليه فور رؤيته عاجزا وأمسكوا به، سقط كل شيء أرضا، ووقع أحد الأحجار على قطعة حديد شطرته إلى نصفين وظهر من بينه “ماس” تناثر أمام الجميع.

تركه الحرس و هرول هو يجمع ما تناثر وأخرج ما تبقي من داخل الحجر وقد عادت إليه روحه، رفع واحد منهم إلي أعلي وقال “هذة تكفي لشراء تلك القرية بمن بها ثم ألقاها أرضا ليهرع إليها كل الدائنين يتشاجرون عليها بينما هو دخل إلي منزله وأغلق بابه في وجه الجميع.

انتابه القلق وتخلل إلي مسامعه كلام جدته وأخرج الحجرين الأخرين وفتح الورقة ليجد بداخلها جواب من والده أرسله إلى جدته ولم يعد بعدها لا هو ولا أمه، ومحتواها  غريب..

“اللقاء لم يكن متوقع حدوثه بهذة الصورة المخيفة، رسائله لم تتحدث على أن العديد منهم سيحضر، لو كنت أعلم أنه لن يحضر وحيدا لم أكن لآتي إلى هنا وسط تلك الغابة الخاوية من سنين عديدة بسبب ظواهرها الغريبة ونفور الكثير منها هربا إلى قرى أخرى بعيده عن قرية “بوابة الشمس” كما يطلقون عليها فيما مضي عبر عصور طويلة، على كل حال لم أتمكن حتي الآن من تحديد هوية ساكنيها هل هم جان أو أرواح أم أشباح أم بخلاف كل ذلك، لذلك كان علي القدوم إلى هذا الميعاد المظلم والموافقة على عرضه الغير مطمئن، ما سأواجه الآن سوف أتذكره طيلة حياتي إن كان مقدر لي البقاء بعد لحظات، أشباه ظلال تجول المكان بحثا عني ولكني مستتر فقد تعلمت التخفي عنهم بقول بعض الكلمات أرددها وإن أخطأت أو سكت سيفاجؤن بي وسطهم وسيكون عليهم إبداء ردة فعل، ردة فعل على كل حال ستكون غير متوقعة إيجابا أو سلبا، دعونا نصمت ونواجه مصيرنا، والآن الظلام هو سيد الأمر والسكون هو مساعده والخوف خادمه المطيع، تبا، كان عليّ إحضار الأحجار معي ولكنها ستكون لك ألبرتو، أحسن استخدامها فالاول لسد الدين والثاني لمعرفة الحقيقة كاملة والثالث لفتح البوابة، أحبك وليتني أعود إليك كي أخبرك بها وأحتضنك”.

قرر “ألبرتو” الذهاب ومراقبة ذلك الصرح الحجري عن قرب ومطالعته جيدا وأخذ معه الحجرين المتبقيين، ساد الطقس برودة لم تمتاز بها تلك البلدة من قبل، هدوء طاغي ولا أثر للحياة على بعد أميال من التلال، ضوء يتسلل خروجا من حقيبة “ألبرتو” جعله يرتعد خوفا ويهبط أرضا كي لا ينكشف أمره.

أفرغ محتويات الحقيبة ليجد أن أحد الأحجار أصبح مشعا، أمسك به ليقسم إلى نصفين وأصبح ساخن الملمس، تركة أرضا وعاد ليمسك به من جديد ليفقد الوعي، أفاق على أصوات حوله من كل مكان لظلال سوداء تتحرك بين الأشجار وفي كل مكان، ظلال لم يعرف لها هيئة، أحس بأحدهم يقترب مسرعا في اتجاهه وتوقف أمامه مباشرة وأصدر صوتا وهو يشير ناحيته، شعر أنه محاصر ووقع في الأسر.

لم يعي ما يقال ولكنه كان يعلم أشياء لم يعلمها من قبل تبدلت هيئتهم وأصبحت أشكال، تغير نطقهم وأصبح في رتم منظم، بعد قليل من الوقت أصبح يعي و ويفهم ما يقال، وظل يستمع بحرص لما يدور حوله، حتي قاطع حديثهم وهم يحيطون به وقال “أريد أن أعلم من أنتم و لما تتجمعون حول ذلك تلك التلال؟”.

ساد الصمت لبرهه حتى أتي إليه من يبدو علية صفات القيادة وقال “ألبرتو، أليس كذلك؟”.

صمت “ألبرتو” لثوان كادت تغادره أفكاره بعد أن وجد أجسادهم تتعاظم وأطوالهم تتعالي كالنخل ثم قال “نعم، ما الذي يحدث؟”.

نظر إليه في غضب وقال “من أين أتيت بتلك الأحجار؟ وما الذي كنت تنوي أن تفعلة بهم؟”.

استشعر “ألبرتو” الغضب في صوته وقال مسرعا “أعدهم إليّ هنا”.

صاح هذا الكيان وتبدلت ألوان من يحيطون به إلى السواد القاتم وأوشكوا أن يفتكوا به لولا أن نطق سريعا “أنا أريد أن أعيد عائلتي إليّ مرة أخري، إن كان لديك الطريقة في إعادتهم فلم لا؟”.

هدأت الأصوات وتضاءلت أحجامهم وظلوا ينظرون إلى بعضهم البعض وقال قائدهم “أظن أنك لا تعلم ما الذي يوجد هناك ولا تعي خطورة ما تحمله، سأشرح لك وبعدها يتحتم عليك العودة ودفن تلك الأحجار بعيدا حيث لن يتم العثور عليها ونحن سنعود إلى حراستنا وقدرنا اللانهائي في حراسة هذا العالم، ولكن عليك أن تروي لي أولا كل ما تعرفة عن بوابة الشمس”.

بعد أن انتهي “ألبرتو” من سرد ما حدث له طوال حياته وأن هذا الصندوق وما يحويه من جواب وأحجار هو ورثه وأمله الوحيد في إعادة أهله إلى الحياة تجهم وجهه القائد وقال “هذا شيء غريب حقا”.

تعجب “ألبرتو” وقال “وما الغريب في ما رويته لك؟”.

قال القائد “يتطلب عودة حامل الحجر ربعمائة عام وفي كل مرة يأتي إلينا مسخ قد تجاوز عمره للتو العشرون ويسعي جاهدا لفتح تلك البوابة، بوابة الجحيم كما نطلق عليها، فنحن قد كلفنا بحراستها جيل بعد جيل دون كلل أو ممل أو ظهور لبقية الأجناس التي تقطن معنا الأرض، وفي كل مرة نقتل ذلك المسخ ونرسل أحد أقوى جنودنا كي يبتعد عن البوابة بتلك الأحجار ويدفنها عميقا، ولكن الغريب أنها تعود كل مرة مع مسخ جديد لنعيد الكرة ونقتله، إنما في حالتك فهي الغرابه بعينها، أنت لست مسخ وأنت أيضا لا تعلم شيء عن ذلك الجحيم القابع خلف البوابة من الجانب الآخر”.

نظر له “ألبرتو” متعجبا من كلامة وقال “ولكن أخبرتني جدتي أن عائلتي تمكث هناك بالجانب الآخر وتلك هي الطريقة الوحيدة كي أستعديهم جميعا، أرجوك اتركني أعيدهم”.

وقف القائد وصاح في جنوده “أحضروا لي الحارس المكلف بدفن الأحجار”، فخرج من أوسطهم كيان تبدو عليه الجديه والقوة، اتجه نحو “ألبرتو” ووجه إليه لكمة أفقدته الوعي.

عندما أفاق “ألبرتو” وجد نفسه داخل حفرة عميقة وبجانبه تلك الأحجار، ظل لساعات يحاول الخروج من تلك الحفرة بلا فائدة، مرت ساعات أخري وتبعها يومين كان يموت فيها موتا بطيئا من الجوع والعطش والبكاء حتى أتاه أحدهم صدفة وأخرجه، وعالجه وأطعمه حتى استراح واستعاد ما كان له من عافية، أعطاه جزء من الحجر الماسي نظير ما فعله ثم عزم أن يرجع إلى البوابة ويفتحها عنوه.

وفي طريقه تذكر أن بلدته التي ولد وعاش بها بالقرب فتوجه نحوها ولكنه لم يجدها، سأل المارة في كل مكان والرحاله ولم يجد أحدا يعلم بها، صعق وأحس أن عقله قد ضعفت قواه، أخرج صور عائلته و أخذ يريها لكل من يقابله ولكن لم يتعرف عليهم أحد، اتجه إلى أقرب محطة للقطار وبحث عن المحطة الخاصة ببلدته التي كان يذهب إليها في كل يوم إلى عمله ذهابا وإيابا ولكنه لم يجدها على الخريطة، أصابه الجنون وأراد ان يعلم الحقيقة الكامنة وراء تلك البوابة.

مرت أيام حتى وصل إلى مكان التلال ونظر إلى تلك البوابة القابعه وسط الظلام وهو يعلم أنهم هناك ينظرون عن كثب في انتظار القادم، أشعل النيران في كل شيء قابل للاشتعال وأحدث ذلك دخان عظيم ثم أمسك بالأحجار وقد صنع مثلها تماما في الشبه وألقاهم في أماكن متفرقة ثم ركض نحو بوابة الشمس.

بدأوا في الظهور تباعا وقد نجحت خطته فكل منهم يعدوا باتجاه مختلف تاركين له فرصة الوصول إلى البوابة، ظل يعدو حتي وصل أمامها، أخرج الحجر الأخير ووضعه مكانه في تجويف وقبل أن يضغط عليه استوقفه صوت القائد يقول “رجاء لا تفعل يا ألبرتو ففي آخر مرة فتح ذلك الباب لم يقفل إلا وقد عم الأرض الطوفان واندثرت حضارات ومات الكثير، إنه باب للجحيم، سنعاني بشدة، لا تفعل”.

دوي صوت جدته في رأسه وهي تضحك وتحثه علي الضغط، وضع يده وضغط علي الحجر ينزلق سريعا في تجويفه محدثا رجه عمت كل التلال بل والأرض التي تحيطها وسط صراخ القائد ومن لحق به، ارتسم داخل فجوة البوابة لوح شفاف، نظر ألبرتو إلى داخله ليجد أناس كثر يجرون نحوه من الجانب الآخر في مقدمتهم جدته وأبويه، ابتسم ودمعت عينه و لكن سرعان ما اختفت البسمه عندما رأي تبدل ملامح جدته إلى شيء بشع ويحمل قرون أعلى رأسه.

ارتعد جسده، أراد أن يسحب الحجر لكنه ملتصق بالجدار، نظر إلى من خلفه فوجدهم قد تجهزوا جيدا للحرب القادمة، عاد بنظره مرة أخري ليجدهم أصبحوا على مشارف العبور، أغمض عينه و أخذ نفسا ملأ به صدره ليسمع صوت انفجار شديد ويعم تلك التلال إعصار قضي علي كل من كان حولها من بلدان قريبة ولم يترك شيئا سوى غابة مقفرة وتلال موحشة وفوقها بوابة عظيمة الشكل وحجر يبتعد محلقا إلى مكان مجهول قد قذف عن طريق يد خارقة للطبيعة، ثم ساد الصمت بعد أن هدأت العاصفة ورحل الإعصار تاركا خلفه الموت في كل مكان وبوابة تحمل الشمس.

زر الذهاب إلى الأعلى