اختباء ؟! لقد انتهى العالم وذهب كل شيء نعرفه

اختباء (معدل) 60 %..
لقد أنتهي العالم الذي نعرفه، ذهب كل شيء !! الحضارة والحياة المستقرة، انتشرت الأوبئة المدمرة للجنس البشري، بالكاد تستطيع بعض الأسر النجاة في ظل هذه الظروف العصيبة، تخيل معي أنك في وقت قصير قد سُلبت حقك في حياة كريمة وأصبحت تكافح فقط لتعيش يوم آخر بدون الفتك بك بواسطة أكلي لحوم البشر أو يضربك وباء يقضي علي حمضك النووي من الأساس، فقد بدأت النهاية …. نهاية الجنس البشري!!!
اختباء (معدل) 50.%..
بالطبع تتساءلون لماذا اكتب تلك الرسالة، في الواقع الأسباب كثيرة، منها.. أنني أشعر باقتراب النهاية و شعرت أنه يجب أن أترك رسالة لمن يجدها، أشرح بها ما مررت به وأخبركم أن الحل في الاختباء … الاختباء والانعزال هم من جعلوني علي قيد الحياة لفترة طويلة واستطعت بهما النجاة من أهوال دمار الجنس البشري.
ومن الأسباب المهمة أيضاً هي أمي … لم أري أمي منذ ثلاث أيام، أنا حقا أشعر بالحزن لا أعلم ماذا حدث لها، ربما ذهبت للبحث عن موارد ولم تنجح في العودة، أو ربما أصابها وباء أنهي حياتها في تلك الأيام الثلاث …
….قبل ذلك بفترة ….
أنا تشارلز، لم أكن ذلك الشخص المحبوب في المدرسة، بل كُنت من هؤلاء الذين يُطلق عليهم غريبي الأطوار، اعتدت على العزلة حتى أصبحت أرفض بشدة الذهاب إلي المدرسة، بعد أن سئمت الذهاب إلي مكتب الأخصائية الاجتماعية بسبب تنمر الأولاد علي بسبب كوني انطوائي، ولهذا قررت أمي تعليمي بالمنزل و كنت أذهب للمدرسة فقط في الامتحانات تحت مسمي (حالات خاصة) ..
.اختباء (معدل) 40%
لم أجد مشكلة في عدم الاختلاط، فكما تعرفون الناس ليسوا ودودون للغاية حتى أحب مخالطتهم، ولكن سرعان ما لفت ذلك انتباه الجيران والأقارب، كُنت أهرب الي القبو عندما يزورنا أحد، ولكن كنت أسمعهم وتتخالط نبرات أصواتهم بالآسي أحياناً وبالتشفي أحياناً وعروض جارتنا مدام(انچيلا) الطبيبة النفسية، بأن تتم معالجتي بدون مقابل منها، ولكني سئمت كل الجلسات وكل محاولات العلاج ورفضت بشدة أي محاولة أخري للعلاج، فمن الأساس أنا لا أجد مشكله في حبي للانعزال، فأنا إنسان انطوائي ما المشكلة في ذلك !!
اختباء (معدل) 30%
آخر أيام امتحانات المرحلة الثانوية، بعد أن وافقت المدرسة أخيراً بأن أتم الامتحانات بالمنزل مع مراقبة من الوزارة، كنت قد أتممت أيضاً نقل أغلب حاجياتي إلي(القبو) و صنعت مكتبة عظيمة فهي ونيسي الوحيد في حين أنه لم يحبذ أحد مصاحبة ذلك غريب الأطوار المحب للمنزل والذي يصادف أيضاً أنه الطفل الوحيد لأبويه، كانت كل العوامل تقودني إلى أن طريق الانعزال أسلم الطرق للحياة، فأنا طفل وحيد بلا أصدقاء لا أحب مغادرة المنزل ..
وصف المنزل
أصبحت أمضي أغلب يومي بالقبو، ولكن دعني أوصف المنزل بالكامل لك:
منزل متوسط الحال مكون من طابقين، الطابق الأول به غرفة المعيشة وغرفة مكتب أبي، الذي ترك أمي منذ كنت أبن التاسعة، و المطبخ و الحمام ؛
الدور الثاني به أربعة غرف.. غرفتي وغرفة أمي، و غرفة للضيوف معده دائماً لاستقبال ضيوف لا يأتون أبداً، و غرفة اعتادت أمي أن تتركها فارغة في انتظار أن يأتي لي أخ أو أخت ولكنا ظلت فارغة حتى الآن .
القبو …هناك طرقه صغيرة بجانب المطبخ يوجد بها الحمام وأمامه باب القبو، كعادة أي منزل فإن القبو عاده ما يكون ممتلئ بأشياء متناقضة، خزين المنزل، شنطة أدوات، سلم، وأشياء تم الاستغناء عنها …
اختباء (معدل) 20%…..
ولكن عندما وجدت أن القبو المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالأمان، عملت علي تنظيفه وترتيبه وصنعت مكان مخصص بي ومكتبة عظيمة لأصدقائي الكتب و نقلت سريري أيضاً، العيب الوحيد للقبو هو عدم وجود أكباس كهربائيه، كانت أمي تأخذ هاتفي عندما تنفذ بطاريته وتعيده لي، لم أكن استخدم الهاتف سوي في الاتصال بأمي عندما أحتاج منها شيئاً، فهي كانت تزودني بالطعام والشراب وما إلي ذلك، و لحسن حظي أن دورة المياه قريبة من باب القبو ..
استيقظت ذات نهار بسبب كابوس رهيب حول نهاية العالم ولم أكن أعرف أن تلك النهاية وذلك الحلم علي وشك أن يصبح حقيقة!!!
حلت نهاية الجنس البشري ولم يتبقي سوي القليل من الناجين، و لم أكن أعلم أنني جبان ، فلم أستطيع الخروج للبحث عن موارد تساعدنا في النجاة، و اكتشفت أن أمي شجاعة جداً، فلم تطلب مني الخروج للبحث معها عن طعام أو حتي جعلتني أشعر ولو بالقليل من معاناة النجاة، فكانت دائماً تنزل للقبو محملة بالطعام والشراب والفواكه الطازجة، فكنت دائماً ما أقول لها أن تقتصد من أجل أيام التقشف فهي قادمة لا محالة، ولكني لم أفهم النظرة التي تعلو وجهها فهي نظرة شفقة محملة بحنان الأم، و تقول إنه لا يجب أن أحمل لذلك بالاً !!
ظللت علي تلك الحال أيام كثيرة لا اعرف لها عدد، كانت الكتب هي الونيس الوحيد لي، كان منزلنا بالقرب من المكتبة العامة ولذلك كنت اطلب من أمي التسلل وإحضار كتب في مجالات معينة خاصة بنهاية العالم والأوبئة و كيفية النجاة منها، و لكن لم أتوصل لحل سوي انتظار النهاية المحتومة، هل ستكون نهايتنا بواسطة وباء منتهي عاد للظهور مثل الكوليرا أو الطاعون، فكل تلك الأوبئة عادت لتضرب من جديد، فالأرض الآن خصبة لتطور الميكروبات، أم ستكون النهاية علي يد آكلي لحوم البشر الذين ضرب الجوع أوصال عقولهم فأصبحوا مثل الحيوانات يصطادون البشر ببشاعة من أجل ألا يموتون جوعاً !!
اختباء (معدل) 10%….. .
مهلاً … دعكم من كل هذا الهراء، فالهاتف الآن ينذرني بأنه أوشك علي أن يفقد حياته بسبب نفاذ البطارية، يجب أن أعترف الأن إن كنت سأموت قريباً ؛
فأنا اعاني من(رُهابُ الخلاء /agoraphobia)، و أعاني أيضاً من الهلاوس، بدأت الأعراض منذ المرحلة الابتدائية، و لهذا السبب قررت أمي تعليمي بالمنزل، و تفاقمت الأعراض في المرحلة الثانوية، ولم تفلح أياً من محاولات الأطباء حتى رفضت الخضوع للمزيد منها، و قررت أن التعايش مع مرضي .
اكتب سطوري الأخيرة بعد أن تعاطيت جرعة دوائي التي تحسن من الهلاوس ولكن لا تفعل شيء مع رُهابُ الخلاء، اكتب سطوري وأنا بأفكار متخبطة، أعتقد أن العالم لم ينتهي حقاً ..و أعتقد أيضاً أنني … أنني قد قتلت أمي منذ ثلاث أيام !!!
لا تحكموا علي فقد حاولت أن تخرجني من القبو بالقوة فقد فاض بها الكيل من تحملي كل تلك السنين وقررت إخراجي من القبو عنوة ولكني وسط الشد و الجذب استطعت أن أتناول مفك من شنطة الأدوات وضربتها في رأسها عدة مرات…
شعرت بالراحة المؤقتة بعد ما سكنت جثتها …شعرت بالراحة لأنني نجحت في عدم الخروج من المنزل او حتي من القبو، ولكن سرعان ما أحسست بغصة في حلقي، فهي أمي وأملي الوحيد في النجاة فأنا غير قادر علي الخروج، و الآن معي جثه في طريقها للتحلل، ولذلك قررت أن أنتظر الموت الحتمي واكتب سطوري هذه لأنه لابد أن يأتي قريباً أحد من الجيران أو الأقارب ..
نصيحتي الأخيرة هي أن المرض النفسي أسوأ وأصعب من المرض العضوي ولا تيأسوا من العلاج ولا تستسلموا مثلي فتكون العواقب وخيمة ….
اختباء (معدل) 0%….
اليوم الرابع أتت جارة والدة (تشارلز) مدام (انچيلا) لتطمئن عليهم، فقد اعتادت والدة تشارلز أن تترك باب المنزل الخلفي مفتوح، وبعد بحث وجدت تشارلز في القبو يبكي بجانب جثة والدته، وبعد صراخ و بكاء اتصلت انچيلا بالشرطة و تم القبض علي تشارلز وفي التحقيق قال لهم أن كل ما يريدون معرفته مسجل في رسالة لم تبعث لأحد علي هاتفه في القبو، وكان محتوي الرسالة كما قرأتم أعلاه، تم إيداع تشارلز في مستشفي أمراض الصحة النفسية و العصبية، قضى بها ثلاث سنوات حتى امتثل للشفاء تماماً وخرج من المشفى وهو الآن مواطن طبيعي، نرجوا أن لا ترجع له الهلاوس أو الرُهاب مرة أخري …
إقرأ أيضاً
ڤودو – بابا لجبا (الجزء الثالث)