قصص الرعب

الساعة ١٢

بقلم: حلمي مطر

الساعة ١٢
الساعة ١٢ أجلسُ وحيداً فى غُرفتى قبل حلول مُنتَصَف الليل كالعادة, مُترقباً ما سيحدُث. الساعة الأن الثامنة مساءاً, كُلُ أفراد عائلتى مُستيقظين, جالسين فى غُرفة المعيشة يضحكون أثناء مشاهدتهُم التلفاز و غير مُبالين (كالعادة) بما سيحدُث لاحقاً.

“أحمد!! يا أحمد!! تعالى أٌقعُد معانا يابنى!”

“معلش يا بابا!!, أنا قاعد شوية بكتب حبة حاجات!!”

“سيبو على راحتُه يا (فايز). ده شاب و من حقُه يبقى لُه شوية خصوصية”

“خصوصية إيه؟! هو إحنا نعرف عنُه حاجه يا (منال)؟ ده بقالُه كام يوم على الحال ده”

“معلش يا فايز, هو بس بقالُه فترة مش لاقى شُغل يا عين أُمُه…فا أكيد أعصابُه تعبانة”

ها.. دائماً ما يتهامسونَ بصوتٍ خافت…أو بمعنى أصح, (هُم فقط) من يعتقدون ذلك. فأنا أستطيع سماعَهُم بكُل وضوح و هُم يتحدثون عن عدم إيجادى للوظيفة المُناسبة بعد. و أننى أمُرُ بظروف نفسية صعبة, كعادة جميع الأباء و الأُمهات…الأشياء الملموسة فقط هى كُل ما يُهِمُهُم.

ما يحدُثُ لى أكبر و أخطر بكثير. ما يحدُثُ لى, أنا فقط من يستطيع رؤيتُهُ و الشعور بِه. مُنذ قدومنا لهذا المنزل اللعين, و كُل شئٍ قد إنقلب رأساً على عَقِب بالنسبَةُ لي. مُنذُ وجودى فى تلك الغُرفة اللعينة, و أنا أُعانى بشكل متواصل كُل ليلة. حتى عندما أخرُجُ كُل صباح و أقضى فترة النهار فى البحث عن وظيفة أو مُقابلة بعض الأًصدقاء, يُهاجمنى فجأة ذلك الشعور المُخيف بأننى عائد لا محالة…. لتلك الغُرفة.

“الساعة كام يا (نُهى)؟”

“9 و نص يا ماما, عايزة حاجه؟”

“ما تقومى تعمليلنا أى حاجه ناكُلها يا بنتى؟ أنا جُعت. …أحمـــــد!!؟ ….هتـــاكُل؟!”

“لا يا ماما مش جعان!!…مليش نِفس!!”

“إنت مأكلتش حاجه من الصُبح يابنى!!”

“سيبيه براحتُه, لما يجوع هياكُل…إنتى هتتحايلى عليه؟”

نعم…عندما أشعُرُ بالجوع, سأتناول الطعام.عندما أشعُرُ بالبرد أيضاً, سأرتدى بعض الملابس الثقيلة. و لكن يا أبى العزيز, هل أدرَكتُ يوماً أننى قد لا أستطيع التَغَلُّب على كُل ما يواجهنى بمُفردى؟ رغم أننى أبلُغُ من العُمر الخامسة و العشرين؟ هل جال فى خاطِرَكَ و لو للحظة, أننى (قد أكون بالفِعل) ضحية لشئ مُرعِب, مُخيف, يتغذى على عقلى و روحى كُل ليلة؟

“تفتكر حالتُه النفسية, مُمكن تخليه يرجع يشوف اللى بيشوفها دى تانى؟”

“الواد كان عندُه 10 سنين لما عَزِلّنا و نقلنا هنا. و طبيعى جداً إن ده كان يحصل عشان نقلنا لبيت جديد! مش فاكره كان بيقول إيه؟ (عايز أرجع بيتنا القديم), (فى حاجة بتطلعلى بالليل)…مع إن أنا بدلت معاه الأوض كذا مرة, و نمت مكانُه و مكانش فيه أى حاجة…بلاش نتكلم فى السيرة دى تانى! كانت أيام ما يعلم بيها إلا ربنا…إبنك كبر يا منال..مبقاش عيل صُغير”

“بس يا بابا أحمد مكانش بيكدب!”

“أخوكى كان بيتهيألُه!! هو كان خايف عشان حاجة جديدة عليه, حاجة أول مرة يجربها. بيت جديد, أوضة جديدة…”

و زائرة (أيضاً جديدة) غير مرغوب فيها تأتى لتُحيل حياتى جحيماً!… كُل ليلة مُنذُ قدومى لهذا البيت, و فى تمام الساعة الثانيةعشر, أسمعُ صوت الخوار المُخيف! كصوت من نُحِرَت عُنُقُه! و أجدها عِند ذلك الرُكن المُظلم من الغُرفة! مُرتدية الفُستان الأبيض المُلَطَخُ بالدماء! و رقبتها تنزف بغزارة!…ثُمَ تبدأُ بالزحف نحوى!..تزحف!..تزحف! أتجمدُ فى مكانى! لا يسعنى سوى الصُراخ! و حين يستقيظ أبى و أُمى, بالتأكيد…لا و لن يجدوا أى شئ….فما من لِصٍ يُظهِرُ نَفسُه لمن يبحثُ عَنهُ.

“يا بابا! يا بابا كان بيقول فى واحدة مدبوحة بتطلعلُه فى الأوضة بالليل!!”

“بقولك إيه يا بت إنتى!!!….مش عايز أسمع كلام فى السيرة دى!!”

“طيب بعد إذنكم أنا داخلة أوضتى…تصبحوا على خير”

و قد كان…لم أعُد أتحدث مع أحد بخصوص هذا الموضوع. قضيت فترة طويلة من حياتى و أنا أتعرضُ (للتحرُش) من قِبَل كيان غير أدمى, يتغذى على خَوفى! تزورنى كُل ليلة مُنذ خمسةعشر عام. فقدتُ الإحساس بالحياة, فقدتُ القُدرة على الشعور بالسعادة تِجاه أى شئ. أعود للمنزل بعد عدم قبولى فى أى وظيفة. و عندما يسألوننى كيف سارت المُقابلة؟ يكون ردى واحد, “مليش نصيب”. لا أحدً يدرى بأننى أصبحتُ أراها فى كُل وقت خلال النهار! أخر مُقابلة لى, رأيتها تقف خلف مُدير الموارد البشرية! و هى تنظُرُ لى فى غضب, مما أثار إرتباكى و خوفى, و بالتالى لم أستَطِع مواصلة الإختبارات.

“فايز! إنت مش فاكر زمان, لما قابلنا السمسار إللى ورّانا الشقة؟ فى واحد من الجيران سألناه عليها و قال فى واحدة إتدبحت فى الأوضة بتاعة أحمد؟”

” كُنتى عايزانا نعمل إيه يعنى؟!! الفلوس كانت على قدنا, و الشقة لُقطة, و سعرها مكوناش نحلم بيه! هو إنتى يعنى فاكرة إنها الشقة الوحيدة إللى بالمنظر ده؟ ياااااما شُقَق تانية حصل فيها جرايم قتل.لا حد سابها و مشى, و لا حد سَكَن فيها و حياتُه وَقَفِت….ما عفريت إلا بنى أدم يا منال…و بعدين أنا نمت فيها كذا مرة, و إنتى نمتى فيها كذا مرة….نعمل إيه تانى يعنى؟”

“ولا حاجه يا فايز…أنا… أنا بتكلم معاك عادى يعنى”
“لأخر مرة بحذرك يا منال, الموضوع ده يتقفل نهائى…بلاش ندخُل فى سكة إننا نسيب الشقة…إقفلى الموضوع ده أحسن تلاتة بالله العظيم! هرمى عليكى يمين الطلاق!…ولا عايزانا نرجع زى زمان؟ هااااا؟!”

“حاضر يا فايز, حاضر…هسكُت!”

إلتزمى الصمت يا أُمى…أخافُ عليكى أن يستشيط غضب أبى و يقوم بالإعتداء عليكى ضرباً كما السنين الماضية! إلتزمى الصمت ولا تُخبرينى بأنَكُم تعلمون بأن هُناك من يسكُن غُرفتى و يقوم بإيذائى كُل ليلة..إلتزمى الصَمت و إكتفى بوعدى أن كُل شئ سيكون على ما يُرام كالعادة, عندما أستيقظ و تجدين العلامات الزرقاء مُنتشرة فى جميع أنحاء جسدى. إلتزمى الصمت, فما عاد بإمكان أحد إنقاذى منها. تناسوا ما أمُر به كعادتِكُم و تناسونى. فاليوم, سأتخَلَّص أخيراً من مخاوفى.

الساعة 12
الساعة 12

“الساعه كام دلوقتى يا منال؟”

” الساعة 12 إلا رُبع”

“طيب أنا داخل أنام…تصبحى على خير!!”

“و أنا كمان جاية وراك, هروح بس أتطمن على أحمد……حبيبى إنت كويس؟ مش جعان؟”

“لا يا ماما…أنا شبعان…و كويس الحمدُلله”

“فى حاجه مضايقاك؟ إحكيلى”

“لا يا ست الكُل, كُل حاجة كويسة و زى الفُل. إنتى إدخُلى نامى بقى…و بُكرة نتكلم…بُكرة كُل حاجه هتبقى تمام”

“طيب يا حبيبى…تصبح على خير”

“و إنتى من أهلُه يا ماما”

(تيت…تيت…تيت…تيت…تييييييت!!)

الثانيةعشر!!…هيا أظهرى نفسَكِ, الضحية فى الإنتظار. لا تقلقى, فأنا لن أصرُخ أو أهرب كعادتى. لن أستغيث بأبى و أمى, فأنتى تعلمين جيداً أننى لا أملُكُ من يتصدى لكِ.

“غغغغغغغغغغ!!”

أهلاً, لقدُ إفتقدت صوت خوارِك اللعين…!!

“غغغغغغغغغغأ..أ..أحـــمـــد!!”

بالكاد تنطقين إسمى ..ها… حسناً. حالما أنتهى من ما أكتُب, سأُصبِحُ لكِ للأبد.

“أحــمــــــــــد!!…ســـيبلى نفسك يا أحــمــد!!”

صدقينى, أنا لن أُقاوم. اليوم, ستحصُلين على روحى البائسة. و لكن بشروطى!

أُحِبُكَ يا أبى رغم قسوتك. أُحِبُكِ يا أُمى رغم ضعف حيلتِك. و لكن, لعل فنائى يجعلَكُم تدركون أننى تَعذَبتُ فى حياتى, دون وجود من يشعُرُ بما يحدُث. لا تناموا فى غرفتى ليلاً, لا تجعلوا “نهى” تنام فى غرفتى ليلاً…و إن حَدَث, و أفصحت عن وجود ضيف غير مرغوب فيه, فإستمعوا لها…أرجوكم…إستمعوا لها!!

“غغغغغغغغغغأ..أ..حـــمـــد!!”

أشعُرُ بأنفاسها الكريهة من خلفى, أشُمُ رائحة الدماء المُتَجَلِطة من حولى…الأن, أغمِضُ عيناى بكُل هدوء و رِضا عن ما سيحدُث…أنا مُستَعِد…. يا ملعونة!!

(بعد مرور 3 سنوات)

“خلاص يا (حاج موافى). هناخُد الشقة…بس إيه أخر كلام فى السعر؟”

“يا أُستاذ والله ما هتلاقى شقة بالسعر ده أبداً فى المنطقة دى. حضرتك مش شايف المساحة و موقع العمارة؟”

“خلاص يا (مجدى), على بركة الله. الشقة جميلة و مش هنلاقى سعر أحسن من كده”

“ماشى يا (أمينة) خلاص… تمام يا حاج إحنا موافقين …صحيح, هو إنت أول مالِك للشقة يا حاج؟”

“لا كان فى عيلة ساكنة هنا قبل منكُم, باعولى الشقة و سافروا من فترة”

“بس إعذرنى يا حاج, إيه إللى يخليك عايز تبيع شقة بالمساحة الكبيرة دى و كمان بالعفش بتاعها فى الموقع الجميل ده؟”

“ها؟…أنا…أنا لقيت شقة تانية أكبر فى نفس البيت إللى أخويا عايش فيه!”

“ممممممم…على البركة…إيه يا (على) يا حبيبى؟ عجبتك الشقة؟”

“أوى يا بابا أوى…الشقة جميلة جداً”

“ها هتاخُد أنهى أوضة بقى يا بطل؟”

“تعالى معايا, هوريهالك………هاخُد دى يا بابا!!”

“ماشى يا سيدى, مبروك عليك الأوضة الجديدة…هخرُج أنا أتكلم مع عمو…أوعى تلمس حاجه فى الكهربا!!…بقولك يا حاج موافى….”

“حاضر يا بابا…..
شوفت بقى؟ بابا وافق إن أنا أعيش هنا, أنا مش عارف إنت ليه مش عايزنى أعيش هنا معاك فى الأوضة؟!…صحيح…إنت إيديك الإتنين راحوا فين؟ و ليه عينك بيضا كده؟….إيه ده.. ومين الست إللى واقفه هناك جنب الدولاب دى؟….و مين إللى عورها فى رقبتها كده …..؟!”
تمت….

اقرأ ايضاً

شيطان بني مزار

اللوحة الغارقة “الجزء الثاني”

حلمي مطر

حلمى مطر, كاتب قصص رُعب قصيرة من الأسكندرية. بدأت بالنشر الإليكترونى منذ فترة من خلال صفحات التواصل الإجتماعى و نالت كتاباتى و الحمدلله إستحسان الناس.
زر الذهاب إلى الأعلى