القاتل المجهول
القاتل المجهول:
جريمة قتل غريبة وقعت في إحدى المحلات التجارية “في منطقة مصر الجديدة، وقع ضحيتها صاحب المحل وبنت عاملة، لم يتم الاستدلال على القاتل بعد، مازال التحقيق مستمرًا”.
هكذا كان الخبر في الصحف، ولكن لم يطلبني للشهادة أحد بالرغم من كوني متواجد بالمحل طيلة الوقت، لكني لا أتحدث، ليس لدي القدرة على الكلام، وهم يعتقدون أيضًا أنني أصم ولكني أسمع جيدًا وأرى كل ما يدور، كانوا يتصرفون بحرية طيلة الوقت أمامي ظنًا منهم أنني مجرد صنم لن أتحدث بما أرى، ولكنهم لم يعلموا قط أنني أكرههم بشدة ولكني مجرد عامل بالمحل.
ظل التحقيق مستمرًا لمدة طويلة، بأول يوم لم يجدوا سلاح الجريمة، فقد طُعنت الضحيتين عدة طعنات متفرقة في الجسد أودت بحياتهم، ويبدو على المكان آثار عراك ومحاولة الضحية الأنثى للفرار وذلك لوجود آثار دماء لأصابع أيديها على باب المحل وعلى الأرض مشيرة أنها قد وقعت وتم سحبها للداخل مرة أخرى، ولكن الضحية الرجل متواجد على كرسيه خلف المكتب، ولكن لم تكن هذه الوضعية التي قتل بها، فقد تم نقله من مكان قتله داخل المخزن للخارج، ربما كان يحاول القاتل توصيل رسالة ما، كان هناك أمر محير، فقد كانت عينة الدماء للعاملة تحتوي على نسبة من المخدر!
ما قبل الجريمة:
جئت للمحل منذ فترة طويلة، ولم يفرط بي حتى وإن كُسر زراعي ولم أعد أساعده بالشكل المطلوب، ولكنه أعطاني مهمات أسهل، لا أعلم هل هو حبًا لي أم أنه لا يتحمل أجر شخصًا آخر!!
(أستاذ ضياء) أو (مستر ضياء) كما يُحب أن يُنادى، هو مالك المحل في أوائل الأربعينات من عمره، ولكنه يتصرف تصرفات شاب في العقد الثاني من عمره، متزوج ولديه ولد وزوجته ( ليلى) لا تظهر كثيرًا في المحل، تأتي فقط معه من حين لآخر ولكنها تبدو غير سعيدة وغير مهتمة لأمر (ضياء) وهذا يفسر عدم تواجدها وعدم ترددها على المحل كثيرًا.
بالنسبة للمحل تم تغيير نشاطه أكثر من مرة ولكن كل النشاطات تصب في اتجاه واحد، بالأول كان محلاً للملابس التنكرية، ثم أصبح للملابس العادية، ثم إلى ملابس مهنية، وتحول مرة أخرى لملابس تنكرية جديدة ومستعملة، وظل على هذا النشاط حتى اليوم الذي قُتل به (ضياء) و(سعاد).
(سعاد) فتاة من منطقة شعبية، في العشرينات تبدو بمظهر مبتذل طوال الوقت، تلك الحرب بين العادات والتقاليد والدين وبين الموضة وإظهار المفاتن، اختلاف مؤذي للعين تجدها تلبس تنانير طويلة ولكن ضيقة تبرز مفاتنها أكثر مما تخفي، فوقها قمصان خامتها أشبه بالمطاط، ولتكملة التباين الفظيع مع زينة الوجه المبتذلة ترتدي الحجاب الذي يظهر أغلب شعرها والذي تخلعه بمجرد أن تصل المحل، كانت ذات طبع مائع وكان (ضياء) يناديها باسم دلع طوال الوقت عندما لا يكون هناك أحد بالمحل، لابد أن (ضياء) ذو ذوق رديء بالنساء، ولكن الشيطان اللعين الذي يجعل طبعها المائع وأسلوبها الركيك أداة لإغواء الرجال.
كان نشاط المحل في ازدهار وبالأخص عندما تعامل (ضياء) مع القطع التنكرية الأثرية، فقد عرض عليه تاجر آثار أن لديه قطع ملابس أثرية بمبالغ ضخمة وتباع وتستأجر أيضًا بمبالغ ضخمة لأصحاب الذوق الرفيع في حفلات الهالوين الخاصة من الطبقة العليا بالمجتمع.
فهو شيء مثير بالفعل أن ترتدي فستان من فساتين (مارلين مونرو) أو حُلة رئيس سابق، ولكن أتعلم ما هو المثير أكثر، تلك القطع التي تعود للقرون السابقة، ملابس من العصر المملوكي وأخرى من العصر الڤيكتوري وغيرها، كانت لكل قطعة طابع خاص وتحمل من روح صاحبها ومن استخدموها، لكل قطعة طابع خاص أشعر به بمجرد أن تدخل من باب المحل…
ذات يوم جاء (ضياء) بقطعة مميزة، لن أنسى هذا اليوم بسبب التغيرات الجذرية التي حدثت للمحل وقتها، بداية من انقطاع الأنوار بالمحل حتى المشاجرة الكبيرة بين (سعاد) و (ضياء) بدون سبب واضح فهو يفضلها عن الأخريات ممن لم يكملوا عملهم معنا في المحل، وكان بينهم تجاوزات تنم عن عشق، فقد رأيتهما مرارًا وتكرارًا يعبران عن حبهما الرخيص لبعضهما البعض أمامي دون أدنى اعتبار لوجودي.
كانت القطعة المميزة تلك تعود للقرن الثامن عشر، فهي حُلة رمادية محددة بخط أحمر من القطيفة على أطراف الأكمام والصدر، لها قميص أبيض ذو صدر منقوش بتطريز يدوي ورقبة طويلة تغطي صدر البدلة، ولها أزرار مميزة الشكل محفور عليها أحرف لا أعرف معناها ولكنها لابد أن تكون أول أحرف من اسم صاحب الحُله (C L).
منذ أن دخلت البدلة للمحل وأحسست أنني أريد أن أرتديها وتمنيت ذلك، لا أعلم هل دعوتي مستجابة أم أن الحُلة ارادتني أيضًا، توجه (ضياء) نحوي وساعدني في ارتداءها.. يا له من إحساس عظيم أحسست به منذ أن لمست الحُلة جسدي، شعور بالعظمة تملكني ووجدتني أرى بعض الذكريات لا أعرف لمن تلك ولكن كانت في العصر الخاص بالحُلة، العصر الثامن عشر، وجدتني أعرف اسم صاحب الحُلة فهو ( تشارلز ليلاند – Charles Leland) وأعتقد حسب ما أرى أنه ساحر عظيم، يا لها من كارثة أوقعت نفسي بها!
فقد اعتاد أستاذ (ضياء) أن يجعلني أرتدي الأزياء التنكرية الغريبة ذات المقاسات الصغيرة نظرًا لحجمي الصغير، لم أُبد رد فعل تجاه ما رأيته كعادتي لا أتحدث وأتظاهر بأنني لا أسمع وكذلك لا أبدي رد فعل تجاه أي شيء.
ولكن كانت الحُلة تسيطر علي وتجعلني أرى ليلًا ذكريات (تشارلز) وجلساته في تحضير السحر والعزائم، بل إنه أيضًا ألف كتاب أسماه (إنجيل الساحرات) (Aradia) فقد كان له باع في عالم السحر والجن والصفقات السُفلية الملعونة.
من بعد ذلك اليوم الذي دخلت فيه حُلة (تشارلز) متجرنا لم تعد الأحوال كما كانت، أصبح (ضياء) أكثر عصبية مما كان عليه، فهو بالفعل ذو طباع سيئة، ولاحظت على (سعاد) الارتباك معظم الوقت.
بعد مرور أسبوع، كنت أرى أطياف تخرج من أزرار الحُلة لا أقدر على التحكم بها ولحسن حظي لا تريد إيذائي، هي فقط تبتسم لي ابتسامة مريبة وتذهب طوال الليل وتعود بالنهار، ولكن ذات يوم تحكمت بي تلك الأطياف وجعلتني أتحرك.. ماذا !! كيف أتحرك وأنا مجرد (تمثال عرض)!!!
يوم وقوع الجريمة ( القاتل المجهول ):
تملكتني الأطياف وجعلتني أتحرك بخفة في وقت استراحة المحل وأضع (لسعاد) كمية وفيرة من دواء الاكتئاب الخاص (بضياء) في زجاجة المياة الخاصة بها.
عدت مكاني ومددت يدي في جيب الحُلة وجدت سكين غريب الشكل له يد من الفضة ورأيت أنني أقتل ضياء وأقتل سعاد بدم بارد.. فأنا حرفيًا ليس لدي دم.
بعد وقت إقفال المحل، يأتي وقت الهيام والعشق ولكن كانت (سعاد) تعاني من دوار شديد بسبب تأثير المخدر الذي وضعته لها، كان المحل مغلق من الداخل حيث يخرجون من الباب الخلفي حيث يوجد المخرن.
كانت نظرات الرعب تعتلي وجوهم حينما شاهدوني واقفًا بجانبهم وهم في وضع حميمي، بالطبع لم يكن خوفهم من وضعهم بل كان خوفهم من كون تمثال العرض يتحرك الآن، فأنا لم أعد صنمًا كما اعتادت أن تقول (سعاد) ولا أنا بلا فائدة مثل ما اعتاد أن يقول (ضياء)، فأنا الآن المتحكم بمصيركما بمباركة أعظم ساحر في التاريخ (تشارلز ليلاند) أعطاني القوة لإيقاف حياتكما المذرية.
كانت الخطة أن تفقد (سعاد) وعيها لأقتلها بهدوء بينما يتعذب (ضياء) قليلًا لإهانته لي تلك السنين، كما أن الأطياف تتلذذ وتتغذى على الألم، ولكن يبدو أن تلك اللعينة لم تشرب ما يكفي من الماء تلك الليلة، لذلك سحبت السكين وطعنتها أولًا طعنة واحدة كافية لتعطيلها حتى أتلذذ بتعذيبهما معًا، فرت من المخزن لواجهة المحل ولكني لحقت بها بعد أن طعنت (ضياء) عدة طعنات لم يتحملها وفقدت متعتي في تعذيبه، لحقت بسعاد وسحبتها لأرضية المحل بجوار المخزن، كانت تنظر لي وتصرخ برعب، كان الوقت متأخر كما أن الواجهة الزجاجية مضادة للرصاص وعازلة للصوت ولذلك تركتها تخرج أخر صرخاتها وأنا والمتحكمين بي نتلذذ بها ونتغذى على خوفها.. بعد أن لفظت أنفاسها الأخيرة، ذهبت للمخزن وحملت ضياء ووضعته على كرسيه، فقد رغبت طوال الوقت أن أراه غارقًا في دمه على هذا المقعد اللعين، هذا المقعد والمكتب هما المشهد الوحيد الذي كنت أراه منذ أن تواجدت بهذا المحل.
وضعت السكين في جيبي ولكنه اختفى بمجرد أن دخل جيبي، واستلقيت بجوار (سعاد) في منتصف المحل وأنا أنتظر مصيري وما سوف تطلبه مني الحُلة مرة أخرى.
جاء الصباح وتم اكتشاف الأمر بمرور أول شخص بجانب المحل، أتت الشرطة وفُتح التحقيق.
بعد يومين من التحقيق لمعرفة القاتل المجهول :
تم احتجاز (ليلى) زوجة القتيل كونها مشتبه بها، والتحقيق مع عامل النظافة، ومراجعة كاميرات الشارع، وكانت الكاميرات داخل المحل جميعها معطلة بالصدفة منذ أسبوع ولم يأت عامل التصليح، ولكنها لم تكن معطلة بالصدفة، فقد كانت أولى خطواتي.
لم يتم إيجاد أداة الجريمة ولذلك تم وصفها بالغامضة والغريبة، وتم الإفراج عن زوجة القتيل لوجود حجة الغياب وعدم كفاية الأدلة، وبعد فترة من التحقيق قُيدت القضية ضد مجهول، وأُقفلت للأبد.
باعت (ليلى) المحل لتاجر يعمل في نفس المجال (الأزياء التنكرية) ويبدو أننا على مشارف رحلة جديدة…
اقرأ أيضًا: