قصص الرعب

حدوتة بتخوف (الجزء الثاني)

حدوتة بتخوف الجزء الثاني
10 أكتوبر 2010

كان يوم صعبًا! المزيد من الأحاديث التي أسمعها في أذني طوال الوقت بدون أي قدرة على تحديد مصدرها! تحدثني عن كل شيء تقريبًا.. أخبرتني عن مشكلة زميلي مع زوجته، الخلاف الذي نشب بين “صفاء” ووالدتها أمس بخصوص رفضها لقاء العريس الجديد، والمزيد من الأخبار والتفاصيل التي لا تهمني! بل لا تهم أي شخص في الواقع.. لم أجسر على التأكد من صحتها بكل تأكيد! الشك أني أصبحت مجنونًا أهون عليّ من أني أصبحت ساحرًا أعلم الأخبار.. التافهة فقط!

 

اتخذت اليوم القرار في احتياجي لعرض مشكلتي على طبيب نفسي! أتمنى أن يكون الأمر بسيطًا ينتهي بعدة حبوب.. فقدرتي المالية لا تسمح بجلسات نفسية طويلة مكلفة. قمت بحجز موعد عند ذلك الطبيب الذي كان تحتوي صفحته على الأبلكيشن الخاص بالعيادات الطبية على تقييمات عالية.

12 أكتوبر 2010

 

مرت عقارب الساعة بطريقتها المستفزة والتي دائمًا ما تسلكها عندما تعلم أنك تنتظر! لم أنجز أي شيء تقريبًا في وقت العمل، أمضيت اليوم في عمل المشروبات الساخنة والتحرك بين المكاتب ومحاولات شغل نفسي عن الأصوات التي تتردد من وقت لآخر! حتى انتهى وقت العمل فلملمت أشيائي وكنت في الشارع بعدها بدقيقة واحدة متجهًا للطبيب النفسي.

 

لحسن الحظ لم أضطر للانتظارطويلًا، فلم يمر الكثير حتى كنت اتخذ موضوعي أمام الطبيب، تأملت ما حولي في صمت كانت الحوائط مزينة بعدة أشياء مثيرة للانتباه ولكني لم أكن في المزاج المناسب للاستفسار عن رمزيتها فأزحت تساؤلاتي جانبًا محاولًا التغلب عن قلقي وإقناع نفسي أنه يستحق الثقة ولديه القدرة لتحليل أسباب ما يحدث لي.

 

أظنه كان في أوائل الأربعينات، نبرته هادئة ويوجد ابتسامة صادقة ترتسم في أواخر عبارات الترحيب والتعارف ساهمت بشكل كبير في تخفيض هرمونات القلق الآخذة في الدوران خلال عروقي منذ أن دلفت العيادة.. فأخبرته بكل شيء ولم يقاطعني إلا ببعض الاستفسارات التوضيحية من آن لآخر.. وعندما انتهيت من روايتي، بدأ عليه التفكير العميق وأخذ يتشاغل بكتابة بعض الملاحظات بخط غير واضح لي في المفكرة أمامه وإن كنت أظن أنه يفتعل هذا لكسب وقت أكبر في التفكير بدون مقاطعات مني.. وأخيرًا نظر لي بابتسامته الدافئة ثم قال:

 

– محتاج بس أستفسر عن حبة حاجات عشان أقدر أحدد الطريقة اللي ممكن أساعدك بيها؟

– آه طبعًا يا دكتور، اتفضل.

أمسك بالقلم مرة أخرى وعاد للتشاغل بالكتابة، ثم سألني بدون أن ينظر إليّ:

– أستاذ “حسام” بتتعاطى أي نوع من المكيفات أو كحوليات؟

 

شعرت بالغضب الشديد.. فلو كان الموضوع بتلك البساطة لما كان هناك أي داعي لقدومي هنا من الأساس، ولكني تمالكت نفسي وأجبت بصوت حرصت أن يكون حازمًا لصرف هذا التفكير عن ذهنه:

– لا، سجاير بس.. كام مرة بس جربت سجاير محشية تفاريحي  كده بس مش كتير ومش كل يوم.

ولم أستطع استكمال دور الهاديء.. فاستطردت في اندفاع:

– هو حضرتك فاكرني بهلوس أو بتخيل كل اللي حكيتلك عليه!

 

هنا نظر لي في هدوء ثم أجاب:

– لسه مكونتش أي فكرة أو رأي معين.. في المرحلة دي كل اللي بحاول أعمله هو إني أعرف تفاصيل اللي بيحصلك، معلومات أكتر عن طبيعة حياتك والروتين بتاعك فيها، لأن كل ده بيخلينا نقدر نحدد هنقدر نساعدك إزاي.

 

نظر في حركة سريعة للساعة خلفي حاول أن تبدو تلقائية ولكن لم تفتني بالطبع، ثم أكمل راسمًا بعض الخطوط الغير مفهومة في روشتة طبية ناولها إليّ بعد أن فرغ من رسمه..

 

– عايزك تجرب تاخذ الدوا ده قبل النوم، معمول من مكونات طبيعية ويساعدك على النوم الهاديء.. وأشوفك بعد أسبوعين، بس محتاج منك خلال الفترة دي تكتب في ورقة أي فكرة أو موقف يحصلك عشان نتناقش فيه لما نتقابل.

ثم نهض بطريقة عملية راسمًل ابتسامة هادئة وهو يمد يديه بالسلام منهيًا الجلسة.

 

انتظرت وسيلة المواصلات في مكان الانتظار والأفكار تكاد أن تحطم رأسي من دورانها وتصادم بعضها ببعض، هل من المحتمل أن يكون كل هذا  تهيؤات تحدث فقط بداخل عقلي! وصلت حافلتي ولحسن الحظ كان هناك مقعدًا شاغرًا مما سيتيح لي بعض الوقت لاستكمال ترتيب أفكاري.. لم استطيع الاقتناع أن كل هذا غير حقيقي.. وماذا عن إفاقتي في تلك الليلة الملعونة  ملقى أرضًا بجوار باب الغرفة! هل هذا يعني أني أتحرك أثناء النوم.. وفجاة سمعت ذلك الصوت اللعين يهمس قائلًا:

– خلي بالك من اللي وراك!

 

نظرت خلفي بشكل لا إرادي مصطدمًا بزوج من العيون المذعورة، يد تنسحب بسرعة وارتباك واضح على كل ملامح وجسد من كان يجلس في خلفي.. أخذت في التفكير.. على الأقل هذه المرة أنقذتني تلك الأصوات من سرقة ما تبقى من راتبي والذي أعاني ليكمل معي لآخر الشهر.. أخذتني الخواطر فاستغرقت في تحليلها وأنا أراقب لا مباليًا النشال وهو يحاول جاهدًا التصرف بشكل طبيعي، متحركًا من مكانه باتجاه المحصل سائلًا له على محطة ما، التي صادفت أنها تكون المحطة القادمة وعليه كان لابد أن يقف بجوار الباب لينزل بها.. لم أهتم إلا بفكرة اشعلت الحماس بداخلي.. لماذا لا أستفيد بتلك اللعنة وأحقق منها بعض المكاسب!

..

 

15 أكتوبر 2010

 

مرت عدة أيام منذ أن بدأت في تعاطي الدواء.. لم تتوقف الأصوات ولكن على الأقل لم يتكرر الكابوس المرعب مرة أخرى.

 

18 أكتوبر 2010

 

أصبحت مع الوقت قادرًا على تحقيق أكبر استفادة من قدراتي الخارقة ومعرفة أخبار غير متاحة للغير.. استخدمتها في تحسين علاقاتي الاجتماعية بمن حولي وكسب بعض نقاط الشجاعة أمام الآخرين.. لم يشبع هذا طمعي بالطبع، اتخذت القرار على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب باستخدام تلك القدرة، لكن لم يكن هذا ممكنًا بشكلها الحالي لأنها كانت تحدث بشكل غير إرادي.. تحدث حسب رغبتها وليس حسب إرادتي.

وهنا اتخذت أهم قرار في حياتي.. قررت البحث وراء تلك “الموهبة” ولكن هذه المرة لتقويتها وتحقيق مكاسب مادية منها.. بل وجعلها مصدر لتحقيق جميع أحلامي المؤجلة.

زر الذهاب إلى الأعلى