سينما

السيرة الذاتية لإمبراطور السيرة الذاتية

بقلم عبدالرحمن جاويش

السيرة الذاتية لإمبراطور السيرة الذاتية
تُعتَبر السيرة الذاتية لأحمد زكي درسًا في أعمال السيرة الذاتية في حد ذاتها، وهو من نجح في تجسيد ثلاثة شخصيات من أهم مئة شخصية مصرية في العصر الحديث؛ ناصر والسادات وحليم.. وقد أبدع في رصد تحولات كل شخصية وانفعالاتها الشخصية لدرجة التوحد معها.. فبالتأكيد ستكون تجسيد مسيرة “زكي” هي التحدي الأصعب في مسيرة “محمد رمضان” الذي تعاقد رسميًا على دور البطولة في مسلسل الإمبراطور.

يستمد المسلسل أهميته من رحلة زكي الإنسانية والمهنية.. فإن وضعت تصنيفًا لأفضل عشر ممثلين مصريين فزكي سيصير منهم، وإن كانوا خمسة سيصبح منهم، وإن كان فردًا سيكون هو.. زكي الذي لا تزال قصصه الشخصية محل اهتمام الإعلام حتى هذه اللحظة.. زكي الذي أثار إعجاب رواد السينما العالميين، زكي الذي يستخدم مرجعًا لتعليم التمثيل وتقنياته المختلفة.. ما بين الدراما والكوميديا والحركة؛ يتحرك زكي في مسيرة بدأت من مسرحية “هالو شلبي” بدورٍ بسيط أخذ يكبر مع توالي عرض المسرحية.

وبمنتهى الصخب بدأت مسيرة زكي السينمائية مع “أبناء الصمت”، لتنتهي بعد ثلاثين عامًا لم تنزل فيها جودة أفلام زكي عن حدٍ معين هو سقفٍ لفنانين آخرين من نفس جيله ومن أجيال لاحقة، ثلاثين عامً حصد فيها ما لم يحصده غيره من الجوائز والتكريمات محليًا ودوليًا.. حتى تشاء الأقدار أن تُخلَّد جنازته ليتم إدخالها من ضمن مشاهد فيلم “حليم” كأنها جنازة العندليب الذي خرج معجبيه لتأبينه كما فعلوا مع أحمد زكي.

تحدٍ صعب سيواجه الكاتب “بشير الديك” الذي لم يشتعل نجمه إلا مع”الطيب” و”خان”، وهو الذي سيقوم برواية سيرة “زكي” التي عايش بعضًا من أجزائها خاصةً حين عمل معه في “موعد على العشاء” و”النمر الأسود” و”ضد الحكومة”.. بعد أن اعتذر عنها وحيد حامد والذي عاصر زكي في ثلاثية “البريء” و”اضحك الصورة تطلع حلوة” و”معالي الوزير”. أما ما يجعل مهمة “الديك” ليست الأسهل، وقد اختلفت الكثير من الروايات حول زكي، وكذلك مع ترقب الجميع للمسلسل كوْن بطله “محمد رمضان” صاحب النصيب الأكبر في جدالات الوسط الفني..

أما التحدي الثاني.. ففي رأيي الفني كون أغلب أعمال السيرة الذاتية المصرية  السابقة لا تحمل قيمة فنية كبيرة؛ فإذا أخرجت الأعمال التي جسدها أحمد زكي نفسه من المعادلة، وكذلك مسلسل “أم كلثوم”.. ستجد أمامك مسلسل “العندليب” و”السندريلا” و”أبو ضحكة جنان” و”أسمهان” و”كاريوكا” و”أنا قلبي دليلي”.. وهي ليست الأعمال الأفضل كتابيًا ولا إخراجيًا، حتى آداء الممثلين فيها “باهت” أقرب للتشخيص، باستنثاءات محدودة جدًا، وهو تحدٍ فُرِضَ على كل صُنَّاع “الإمبراطور” بلا استثناء.

 أما التحدي الثالث فهو تعدد الروايات المتعلقة بتفاصيل حياة زكي الشخصية؛ بدايةً من الستار الذي حجب علاقاته بالسيدات في حياته؛ سواء صديقاته ورفيقات كفاحه مثل شهيرة وسعاد حسني ونجلاء فتحي.. أو عفاف شعيب التي تتفاخر دومًا بكونها أمًا ثانيةً لأحمد زكي.. أو زوجته الوحيدة وحب حياته “هاله فؤاد” والتي أنجب منها ولده الراحل “هيثم زكي”.. أو في علاقته الملغزة بالفنانة “رغدة” والتي لم يسهب أحدهما في شرح أبعادها، وإن صرحت رغدة بعرض زكي الزواج عليها في آخر أيامه بعد الشائعات التي طالتها؛ لمجرد كونها من القلائل الذين تصدروا مشهد رعاية “الإمبراطور” في أيامه الأخيرة.

تحدٍ رابع يواجه صُنَّاع “الإمبراطور”؛ وهو أكبر المخاوف في حياة زكي، وهو “الوحدة”؛ كونه لم يحضر والده الذي تركه يتيمًا بعد سنة واحدة من قدوم زكي للحياة.. كما لم يحضر والدته التي تزوجت بعد أبيه تاركةً الطفل الأسمر لجده.. علاوةً على فراق حبيبته “هاله فؤاد” التي عزف عن الزواج من بعدها، وخوفه من ترك ولده “هيثم” يحيا نفس حياته؛ الأمر الذي حدث بالفعل.

جانب آخر من معاناة زكي يحصره في موقف مع المنتج والموزع رمسيس نجيب الذي رفض إعطائه دور البطولة في فيلم “الكرنك” معللًا: “بقى الولد الأسمر ده هيمثل دور حبيب سعاد حسني؟”.. تلك الواقعة التي آلمت زكي لدرجة أنه كان يذكرها في أغلب حواراته الصحفية والتلفزيونية، وكأنه يذكر نفسه أن “الولد الأسمر” هو من انتصر وبقى، وتنافست جميلات السينما على التمثيل أمامه!

أما التحدي الخامس فأظنه الأجمل والأمتع؛ خاصةً لدى الممثل محمد رمضان، الذي ينظر لزكي كأيقونة فنية وقدوة صنعت نفسها بالموهبة فقط، دون أي عوامل مساعدة.. وهو تناول الجانب المهني من حياة زكي، وكيف أثقل موهبته، وتحضيره لكل الأدوار، واعتكافه على كافة تفاصيل العمل، وكذلك تناوله لنفس المهنة أكثر من مرة بشخصيات مختلفة.. وكذلك صداقاته ومنافساته مع أقرانه التي لم تصل لدرجة العداوة.

كواحدٍ من عُشاق زكي، لا يشغلني أمر مسلسل “الإمبراطور” كثيرًا؛ فإن وُفِقَ فهو لصُنَّاعه، وإن خاب مسعاه فعليهم.. ولن يبقَى للإمبراطور الحقيقي في أذهاننا إلا حظه من اسمه.. فهو صاحب الذكر الزكي دائمًا وأبدًا.

اقرأ أيضاً

عن رامي وصراع الهوية

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى