سينما

حين تخلى “آل باتشينو” عن عينيه مقابل الأوسكار بقلم عبد الرحمن جاويش

حين تخلى "آل باتشينو" عن عينيه مقابل الأوسكار بقلم عبد الرحمن جاويش
قبل مشاهدتي لفيلم
Scent of a woman كنت أتساءل لماذا لا يغير “آل باتشينو” من طبيعة أدواره، لا شك في عظمة أعماله، لكنه حتى وقتٍ طويل غاب عن التنوع، وقد تنبأ الجميع في عصر آل باتشينو الذهبي الذي بدأ من سبعينيات القرن الماضي، أنه سيكون من أعظم الممثلين، وأنه سيحصل على الأوسكار يومًا ما عن واحد من أدوار الإجرام التي يبرع فيها، ولكن لسخرية الحياة يحصل عليها آل باتشينو سنة 1993 كأفضل ممثل عن فيلم شاعري هادئ مثلا Scent of woman.

حاز الفيلم على شهرة لدى المشاهد العربي حين ربطه البعض بفيلم “أمير الظلام” الذي لعب فيه دور البطولة الفنان عادل إمام، صحيح أن معالجة الأحداث مختلفة بعض الشيء، ولكن هناك الكثير من بصمات الاقتباس، كشخصية البطل، وهو رجل عسكري متقاعد، فقد بصره أثناء الخدمة.. وكذلك مشهد قيادة الفيراري لآل باتشينو الذي كان عادل إمام سخيًا في تمصيره ليقود طائرة، ومشهد الرقص الأشهر في الفيلمين، ومشاهد خداعه للآخرين بكونه مبصرًا، ومشهد ثورة البطل وسخطه أمام لجنة من ذوي الحيثية والقرار لأجل مجموعة من المراهقين لم يروا من الحياة ما رآه هو.. كل هذه تيمات كررها عادل إمام نقلًا عن آل باتشينو.

وعلى الرغم من كون “أمير الظلام” عملًا مميزًا، إلا أن Scent of a woman تميز كثيرًا عن أمير الظلام في رأيي، فهو لم يلجأ لحبكة فرعية من فئة “الأكشن” لإضافة حيوية للأحداث، وإنما جعل الحبكة الفرعية مشوقة بشكل أكثر بساطة وجمالًا، وهي تورط البطل الثاني للفيلم “تشارليز” بين اختيارين؛ إما الوشاية بزملائه أو الفصل من المدرسة.. كذلك لم يلجأ لخلق قصة  حب مثل التي حدثت في “أمير الظلام”، وشكَّلت خطًا دراميًا ثالثًا لم يقدم للأحداث أي شيء.

(ملحوظة: أغلب المُنتجين والموزعين في مصر مخلصون تمامًا لفكرة البطل الفارس أو الطيب، لا يؤمنون بمحبة الجمهور للبطل صاحب العيوب والنواقص.. لن أطلعهم بالطبع على فيلم “الجوكر” حتى لا يصاب أحدهم بالسكتة القلبية)

كذلك تفوقت النسخة الأمريكية في إظهار مشاكل شخصية لبطلها الذي لم يظهر فارسًا مثاليًا خفيف الظل يمزح دائمًا بخصوص مشاكله مثل النسخة المصرية، وأظهرت نقط ضعف لا تخطئها العين، فالعقيد كان “فرانك سلايد” مسحورًا بالنساء، لديه هوس بوجود امرأة تشاركه يومه، وهو ما يظهر ولعًا منه بالعطور النسائية، كما وفق الفيلم في إبراز نقطة العطور هذه وجعلها تخدم حبكة الفيلم، وكذلك فضوله تجاه شكل البشرة؛ فحاستي اللمس والشم هما كل ما تبقى لديه.

كما أن النسخة الأمريكية جعلت البطل هو سبب لعنته بنفسه، وهو من تسبب لنفسه بالعمى في لحظة سكر دفع ثمنها غاليًا، عكس النسخة المصرية التي جعلته بطلًا من أبطال الحرب، لا معضلات نفسية لديه، فهو مرتاح مع ضميره.

دعك من كل ما سبق، توجد مشكلة في “أمير الظلام” لا تنتقص من جماله كعمل سينمائي بعيدًا عن المقارنة مع Scent of a woman، وهذه المشكلة تتلخص في إظهار فترة زمنية من حياة البطل أقل أهمية من الفترة التي يريدها المشاهد؛ المشاهد لا يريد أن يرى بطل الفيلم وهو قادر على العطاء والمحبة والمضي قدمًا في حياته.. وهو ما أرضاه Scent of woman عبر رحلة الأربعة أيام.. رحلة تبدأ مع شخصية كارهة للحياة، تجلس وسط أقارب لا تعرفهم حقًا، لا تدع فرصة لإظهار الغضب والوحدة إلا واستغلتها.. شخصية كريهة تدعى “العم فرانك”.. وهو رجل تكلفة رعايته في العطلة الأسبوعية 300 دولار في التسعينيات، تخيل صعوبة المهمة!

(تحذير بالحرق، وإن كان هذا الفيلم تجربة ثرية بكل مشاهده، حتى وإن رُوِي عليك مشهدًا تلو الآخر) 

اليوم الأول: عشاء فخم

يُفاجأ المراهق تشارليز بالعم فرانك يحجز تذكرة طيران لنيويورك، ويقرر قضاء عطلة استثنائية، لا يفهم تشارليز سبب هذه الحيوية التي دبت في فرانك فور وداعه لأقاربه الذين سافروا وتركوه بمفرده.. تظل الأمور مبهمة حين يصلا نيويورك وينزلان في فندق فخم، ولكن على العشاء تتضح خطة “فرانك” كاملة: سأقضي أفضل يومين في حياتي، وأفجر رأسي بعدها.

اليوم الثاني: أقارب وإخفاق

لا يقتنع تشارليز بصدق فرانك، أو لا يهتم، فلديه مشكلة في مدرسته، وبالطبع يراها أكبر من مشاكل كهل فقد بصره ويريد الانتحار.. يرافق تشارليز فرانك في زيارة لأسرة أخي فرانك الأكبر، وحينها يعلم تشارليز أن فرانك ليس بطلًا حربيًا كما كان يظن، وإنما هو ضابط عابث فجر قنبلة بالخطأ ليفقد نور عينيه للأبد.

اليوم الثالث: تانجو وفراش بارد

يبدأ تشارليز وفرانك في الانسجام سويًا، ويحاول فرانك معرفة لغز ذلك المراهق الخجول، يخبره أنه لن يستطيع الصمود في هذا العالم، ويقرر أن يدعوه لشراب، وهناك يقوم فرانك بأشهر رقصة تانجو في تاريخ هوليوود، وفي نفس الليلة يذوق طعم النساء مرة أخرى، لكنه مذاق فاتر دفع الأموال لأجله.

اليوم الرابع: صفقة رابحة للطرفين

يستيقظ “فرانك” في حالة انهيار تام، يشعر بخواء تام، وقد أتم ما كان يفكر فيه لإعطاء حياته مذاق، لكن جميع محاولاته فشلت، فلا التانجو أعاد له الحياة، ولا النساء، ولا زيارة العائلة ولا العشاء الفاخر، ولا قيادة الفيراري بسرعة عالية.. كلها كماليات للحياة لكنها ليست الحياة.

ينفجر تشارليز في وجه رفيق رحلته، يخبره أنه أخفق ككل البشر، ويجب ألا تفقد حياته المعنى.. تغير هذه الرحلة القصيرة كلا من تشارليز وفرانك؛ فيصبح الأول قويًا، ويعود الثاني للحياة، ليستنشق عطرًا نسائيًا آخر، نظنه سيعيش في كنفه للأبد.

اقرأ أيضاً

عن رامي وصراع الهوية

كذب the simpsons ولوصدقوا

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى