أساطير

سمية بنت مسرور و الحصان مسحور الجزء الثاني .. من حكايا العرب

سمية بنت مسرور و الحصان مسحور الجزء الثاني .. من حكايا العرب

مسحور

صعدت سمية إلى أخيها فقال لها بسخرية: هل سمح لك الحصان العاشق بالإنصراف؟!

قالت: كفى مزاحًا يا عمرو، هذا الحصان ليس كأي حصان آخر، لقد شعرت من داخلي أنه مختلف، شعرت أن هناك سرًا وراءه، شعرت أنه يفهم ما أقول وأن نظراته تشبه نظرات البشر، لا يمكن أبدًا أن تكون هذه نظرات حصان.

ضحك عمرو بقهقهة وقال: لا هو حصان، لكن لم يستطع أن يقاوم فتنة جميلة بني أصلان.

قالت: هل أطلقت عليه اسمًا؟

رد: لا لم أطلق عليه اسمًا بعد، لكن ماذا برأيك نسمي هذا الفرس المسحور بجميلة بني أصلان.

ردت: نسميه “مسحور” نعم، مسحور، هذا يليق جدًا به، فهو  ليس عاديًا، هو كأنه مسحور. كانت تقول ذلك وهي تنظر للسقف كأنها فقدت صوابها.

ضحك عمرو بقهقهة ثم قال: سميه ما تشائين فأنا لا أهتم بخيالات النساء وأوهامها، المهم أن لا يثور مرة أخرى مثل هذه المرة فيهدم البيت فوق رؤوسنا.

قالت: لا تقلق، لن يثور، لقد وعدني أنه لن يثور طالما أحضر له الطعام كل يوم.

ضحك عمرو بقهقهة وقال: وعدكي؟! يبدو أن الحصان ليس وحده المجنون، ضحك مرة أخرى بقهقهة.

أوفت سمية بوعدها وزينت حصانها وظلت تجيئه كل صباح ومساء فيحملها ويطوف بها كافة الأرجاء، ورفض أن يمتطيه أحد سواها حتى عمرو لم يثبت على ظهره بعدها.

وبعيدًا عن سمية وحصانها مسحور كانت هناك مكيدة يعدها بنو منذور.. ففي حرب قحطان قتل مسرور عائلة شهباء بنت منذور، فقد تحداه الواحد منهم تلو الآخر للمبارزة، فسقط سيفه على رقابهم جميعًا، قتل مسرور أبوها وأخوها وعمها وخالها وحماها وزوجها، فعاشت تأكلها نيران الانتقام مع ابنها الرضيع إيزام. ولما مات مسرور متأثرًا بجراح في معركة أخرى، استشاط غضبها وتأججت نارها، وتوعدت أن تفتك بعائلته كما فتك بعائلتها، وربت ابنها إيزام على الرغبة في الانتقام.

كبر إيزام وصار فارسًا لا يشق له غبار وجمع خلفه من بني عمومته الكثير وظلوا يعدون ليوم الانتقام من بني أصلان. ووعد إيزام أمه أن يأتيها برأس عمرو بن مسرور، ويسبي لها سمية فتكون جاريتها فتذلها وترى النار تأكل كبدها ما بقي في عمرها.

تحددت ميعاد الغارة وقرروا أن تكون بعد الظهيرة في وقت القيلولة حتى تكون ضربة لا تبقي ولا تذر. هجم إيزام ومعه ثلاثمائة فارس وسرعان ما تعالت أصوات صراخ النساء بعدما أنشب بنو منذور النار في البيوت.. أمسك الرجال بسيوفهم ونزلوا يزودون عن حرماتهم لكن المفاجأة جعلت المقاومة صعبة.

نزل عمرو يمسك بسيفين، يجندل الفارس تلو الآخر وتطيش أمامه الرؤوس.. وأخته من خلفه تشجعه وتهجو المعتدين. رأى إيزام الأسد الشاب واقفًا أمام عرينه لا يقوى عليه فارس وحده، فنادى لخاصة الفرسان وأمهرهم ووجههم جميعًا إلى عمرو، فهجموا عليه جميعًا فصد الضربة تلو الأخرى.

في تلك الأثناء كان مسحور ثائرًا كأشد ما يكون حصان، يحاول فك قيده، شد القيد بكل قوته حتى خلع الوتد من مكانه فتصدع البيت وكاد أن يسقط.. خرج مسحور كالبرق يبحث عن سمية، فوجدها تصرخ وتنحب بينما أخوها واقفًا مسربل بالدماء وبدأت قواه تخور وضرباته تضعف، و هو بينهم محاصر كأسد جريح حاصره قطيع الضباع. ثم أنهم رغم ذلك لم يجرؤ أي منهم على الاقتراب منه المسافة الكافية لقتله بالسيف، وظلوا كذلك حتى أمسك أحدهم برمحه فرمى به عمرو فسكن الرمح صدره.. نظر بعين شاخصة ناحية الفرس.. ثم سقط على الأرض.

نزل إيزام من على حصانه وتوجه ناحية سمية ليمسك بها  وبينما هو على وشك أن يلطمها إذا بوحش أسود يهجم عليه فيقذفه بعيدًا.

ضربه مسحور بأماميته فأسقطه مغشيًا عليه، ثم وقف أمام سمية خافضًا ظهره لتمتطيه، فقفزت على ظهره، فجرى بها بين السيوف  المتضاربة والرماح المرمية والدماء المسكوبة والغبار المتطاير، ولم يعر اهتمامًا لسهم أصابه به أحد الرماة، شق طريقه كما يشق البرق طريقه بين السحاب.. ورغم محاولة بعض المعتدين اللحاق به، إلا أنه سرعان ما اختفى عن العيون وسط الغبار.

ظل يجري مبتعدًا بعد الظهيرة إلى أن صار ظله مثل طوله، فوجد شجرة صغيرة فوقف تحتها، ونزلت سمية التي أجهدها التعب وحرق قلبها رؤيتها أخيها يقتل أمام عينها. أما مسحور فقد نال منه التعب كذلك وارتمى على الأرض وهو أمر لا تفعله الخيول الأصيلة فلاحظت سمية السهم في فخذه، فقامت مسرعة، ولحسن الحظ كان السهم يغلق الجرح، فلم ينزف مسحور الكثير من الدماء، قطعت سمية قطعة قماش من ملابسها ولفته حول السهم بدون أن تنزعه لتوقف النزيف تمامًا.

ثم قامت وبحثت عن بعض الحطب، فأشعلت النار وسخنت قطعة حجرًا حتى أحمرت، أمسكتها من طرفها بقطعة من ثيابها، ونزعت السهم من فخذ مسحور وبسرعة وضعت الحجر المشتعل مكان السهم لتكوي الجرح وتوقف النزيف، فانتفض الحصان واقفًا من الألم لكنها كانت قد أنهت المهمة.

بعدها أخرجت إبرة خياطة كانت تحملها ونزعت شعرة من رأسها وقطبت بها جرح الحصان. ثم جلست فجلس بجانبها، وضعت رأسها على بطن الحصان وتذكرت موت أخيها فانهمرت الدموع من عينيها، ظلت تبكي حتى غشيها النعاس ولم تفق إلا على شروق شمس اليوم التالي، لترى شيئًا أفزعها…

سمير أبوزيد

باحث ومهندس في مجال النانو تكنولوجي بمدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وله عدة أبحاث علمية منشورة. ألف ثلاثة روايات " صندوق أرخيف" و " الرفاعي الأخير" و " عز الدين"، كما كتب للعديد من المجلات وله ما يزيد عن الثلاثمائة مقال.
زر الذهاب إلى الأعلى