سمية بنت مسرور والحصان مسحور الجزء الثالث “حازم” من حكايا العرب
ظل يجري مبتعدًا بعد الظهيرة إلى أن صار ظله مثل طوله، فوجد شجرة صغير فوقف تحتها، ونزلت سمية التي أجهدها التعب وحرق قلبها رؤيتها أخيها يقتل أمام عينها. أما مسحور فقد نال منه التعب كذلك وارتمى على الأرض وهو أمر لا تفعله الخيول الأصيلة فلاحظت سمية السهم في فخذه، فقامت مسرعة، ولحسن الحظ كان السهم يغلق الجرح، فلم ينزف مسحور الكثير من الدماء، قطعت سمية قطعة قماش من ملابسها ولفته حول السهم بدون أن تنزعه لتوقف النزيف تمامًا.
ثم قامت وبحثت عن بعض الحطب، فأشعلت النار وسخنت قطعة حجرًا حتى احمرت، أمسكتها من طرفها بقطعة من ثيابها، ونزعت السهم من فخذ مسحور وبسرعة وضعت الحجر المشتعل مكان السهم لتكوي الجرح وتوقف النزيف، فانتفض الحصان واقفًا من الألم لكنها كانت قد أنهت المهمة.
بعدها أخرجت إبرة خياطة كانت تحملها ونزعت شعرة من رأسها وقطبت بها جرح الحصان. ثم جلست فجلس بجانبها، وضعت رأسها على بطن الحصان وتذكرت موت أخيها فانهمرت الدموع من عينيها، ظلت تبكي حتى غشيها النعاس ولم تفق إلا على شروق شمس اليوم التالي، لترى شيئًا أفزعها.
وجدت رجلًا ممدًا على الأرض عاريًا من أي ملابس إلا من سرج الحصان يغطيه، قفزت سمية إلى الوراء مذعورة صارخة، فأفاق الرجل ولما رأى الوضع غطى عورته وظل ينظر لجسده باندهاش.
وجه نظره لسمية وقال لها: لا تخافي .. لا تخافي.
قالت بنبرة مهزوزة: من أنت؟ ولماذا كنت راقدًا بقربي بهذه الطريقة ألا تستحي؟ وأين حصاني، أين مسحور؟
قال مبتسمًا: ها هو حصانك أمامك، ألا تريه؟
قالت: عن أي حصان تتحدث؟
أشار للجرح الذي خيطته بشعرها وقال: أليس هذا هو الجرح الذي قطبتيه البارحة؟
نظرت واتسعت عيناها بدهشة بالغة .. قالت: كأنه هو.
قال: بل هو هو .. وأنا هو الحصان مسحور.
قالت: هل أنا أحلم؟ لا أظن ذلك.
رد: لا تحلمين، سأقص عليكي القصة كاملة، لكن يجب أن أجد ملابسًا أغطي بها سوئتي في البداية .. هناك قبيلة قريبة من هنا، أعرف فيها شخصًا كنت قدمت له معروفًا قبل ذلك، وهو لا بد يرده إلي، سنذهب إليه يستضيفنا حتى نعد أمرنا ونرى ماذا سوف يحدث. سأمشي معكي حتى نقترب من القبيلة وسأصف لك بيته، اذهبي وأخبريه أني أنتظره خلف النخلة ذات الساقين، وأن يحضر معه ملابسًا لي.
قالت: وماذا أخبره عنك حتى يعرفك؟
حازم
رد: قولي له.. الحازم بن حرب بن مرة قد عاهدته عهدًا وعليك بره، عند النخلة ذي الروحين مستقره.. ثم أخبريه بأمر الملابس.
انصاعت لأمره وتقدمته في المشي، حياء منها أن تنظر لجسده العاري.. ذهبت للبيت الذي وصفه وقالت للرجل الكلام الذي أمرها، فبدت الدهشة على وجه الرجل لما سمع الاسم.. دخل إلى بيته وأحضر الملابس ثم تبعها إلى النخلة.. أمرته بالوقوف بعيدًا، وأخذت منه الملابس وناولتها للرجل الذي كان حصانًا.. ارتدى ملابس، ثم نادى: شيبة يا شيبة.
تقدم شيبة مهرولًا: نزلت أهلًا سيد بني مرة، لقد سمعنا عنك كلام لم يسرنا، والله لو كنا نعرف أرضك لأثارت خيولنا رمال الصحراء لأجلك.. لقد ركب السيادة هذا الأحمق ومن يومها لم يرى بنو مرة خير، ولولا القرابة وصلة الرحم لنشبت بيننا الحروب. مرت خاطرة بعقل الرجل فأزعجته فقال: ويحي، كيف أذكر لك هذا الحديث وأنت حتى لم تسترح من أثر السفر.. هيا يا ابن العم تفضل.
قال الحازم: لا أريد أن يعلم أحد بوجودي عندك يا شيبة، فأنت تعلم تحرج موقفي.
رد: لا تقلق.. سأتركك في البيت الغربي وسآمر الجواري ألا يقربنه، وسأخدمك بنفسي.. أنت والسيدة.. هل هي زوجتك؟
رد الحازم: كفى كلامًا يا شيبة وخذنا إلى الدار.. وفي السمر نحكي كل الحكايات.
قال: ما أقصده يا حازم أين ستبيت؟
رد: معي في نفس الدار.. نظرت إليه سمية شزرًا.. تابع: أليس في الدار غرفتان؟
رد: نعم بها غرفتان.
قال: وهو كذلك.
لما دخلا الدار وغادر شيبة بادرها الحازم بالكلام فقال: أما عن المبيت فإني ورب الكعبة لا أنوي بك شرًا، ولكن خشيت أن تذهبي معه فتبيتي مع الجواري فتعلم إحداهن بأمرك فيصل إلى هؤلاء المجرمين الذين أعتدوا على قبيلتك، ففي هذا الأمر خطورة عليك، خصوصًا أن لك شكلًا مميزًا يثير الكلام والتساؤلات.
ردت: لا عليك لقد فهمت مقصدك، لكن ألن تخبرني ما حكاية الحصان؟!
يتبع…
كف الإيد بن عبد الحميد .. من حكايا العرب القديمة