
سفينة صرخات الموت
سفينة صرخات الموت ، يحمل لنا المحيط الكثير من الألغاز، منها الغامض، ومنها المرعب، ومنها ما يتركك حائرا خائفا لا تدري ماذا تفعل، ومنها ما يدفع داخلك شعورا بالرغبة للهرب.
لذا دعني أقص عليك إحدى تلك الألغاز :
في عام 1897 وفي ساينت بطرسبيرج تم بناء سفينة الشحن المسماة ” آيفان فاسيلي”، سفينة تم بنائها خصيصا لنقل البضائع عبر بحر البلطيق و خليج فنلند، كانت تمتلك محركا بخاريا مع مخزن يتسع لكمية كافية من الفحم، كافية لجعلها تقطع 2500 ميل بسرعة ثمانية عقدات.
السفينة ذاتها لا تحمل أي شيء مميز، فهي عادية جدا و مستقرة جدا فوق الماء حتى أنه كان يقال عنها بأنها سفينة مملة تصيب البحارة بالملل، ولكن كان كل ذلك قبل الكابوس الحقيقي الذي حولها لكارثة بالنسبة للبحارة.
في عام 1903 حينما قررت الحكومة الروسية الإستعداد للحرب مع اليابان، تم تغيير وظيفة السفينة، و أصبحت مهمتها أن تحمل شحنة من المواد العسكرية و تسبق بها السفن الحربية الروسية إلى فلادفوستوك.
عبرت السفينة المحيط الأطلنطي، ثم الساحل الجنوبي و الغربي لأفريقيا وصولا لأفريقيا الجنوبية قبل أن تقرر التوقف في زينزبار للتزود بالفحم قبل عبور المحيط الهندي.
و من هنا يبدأ الكابوس حينما يدرك الطاقم بأنهم لم يحضروا الفحم فقط، فهناك شيء أخر قد صعد معهم إلى السفينة من زنزبار، في البداية كان كل شيء طبيعي، إلى أن بدأ البحارة يشعرون بأنهم مراقبون، و بأن حضورا خفيا ما يرافقهم جميعا أينما ذهبوا.
لم يفهم أحد منهم ماهية هذا الشعور، أو طبيعة الشيء الخفي، ولكن كل ما أدركوه أنه كلما شعروا بوجوده تملكت البرودة أجسادهم و شعروا بالموت يخيم على نفوسهم و إستمر هذا الأمر لآيام طويلة.
إلى أن جائت الليلة المحددة حينما رآوا جميعا الشيء ظاهرا و متجسدا فوق سطح السفينة، بدا من الوهلة الأولى كالبشر، ولكن ملامحه كانت مستحيلة التصديق، فقد كان أشبه بالضباب، وكان يسير في إتجاهات عشوائية بلا هدى قبل أن يختفي مجددا.
كان الطاقم في حالة من الصدمة، ولكن حينما لم يتكرر الأمر حاولوا نسيان ما حدث، إلى أن وصلت السفينة لميناء آرثر العسكري في الصين للتزود بالفحم.
وفي الليلة التي سبقت دخول السفينة للميناء، سمع أفراد الطاقم صرخة أحدهم تخترق كل زاوية حولهم قبل أن تسيطر عليهم حالة من الذعر و الجنون ويبدأوا في قتال بعضهم البعض، وإنتهى القتال الغير مفهوم بموت أحدهم حينما ألق جسده في البحر قبل أن يستفيق الرجال و يعودوا لطبيعتهم مجددا.
بعد التزود بالفحم، بدأت السفينة رحلتها من جديد إلى وجهتها، شعر الطاقم بالراحة قليلا، فقد مرت بضعة أيام ولم يحدث شيء، ولكن راحتهم لم تستمر، ففي وسط المحيط عادت الصرخة و تجدد القتال الهيستيري بين أفراد الطاقم قبل أن ينتهي بموت أحدهم في المحيط مجددا.
وحينما وصلت السفينة إلى فلايدفستوك، غادر إثنى عشر رجلا بلا رجعة، فقد سيطر عليهم الخوف مما يسكن السفينة و ما يدفعهم جميعا للجنون و القتال، ولكن سرعان ما تمت إعادتهم فالحكومة الروسية تحتاج لكل بحار من أجل الحرب.
تكرر الكابوس أكثر من مرة خلال رحلتها التالية إلى هونج كونج حيث تجدد القتال الجنوني ما يقارب الثلاث مرات و في كل مرة كان هناك بحار يقتل نفسه، وحين وصلت السفينة إلى وجهتها غادر معظم أفراد الطاقم هربا، ولكن القبطان كريست هينسين لم يغادر سفينته و حصل على طاقم جديد لها وقرر أن يبدأ رحلة جديدة إلى أستراليا من أجل التجارة.
ولكن رحلته المرجوة تلك لم تثمر عما كان يريده للأسف، ففي وسط الرحلة شعر القبطان برغبة بشعة و لذيذة، رغبة مهووسة بالموت، فأمسك مسدسه و أطلق النار على رأسه، لهذا حين وصلت السفينة إلى سيدني في أستراليا غادر الطاقم مجددا عدا البحار هارى نيلسون و الذي قرر البحث عن قبطان جديد و طاقم جديد للسفينة، قبطان لا يصدق بالخرافات و الأشباح، و إستغرق هذا منه أربعة شهور كاملة قبل أن تعود السفينة للمحيط.
ولكن لم يمر أسبوع واحد قبل أن يقتل القبطان الجديد نفسه، لذا قرر هاري العودة بالسفينة إلى روسيا وهناك تركها نهائيا و تخلى عنها طاقمها الجديد كذلك، ومهما عرضت الحكومة الروسية على البحارة من مال و مكافئات لقيادتها، لم يقبل أحد أبدا، فكل ما يعرفه الناس بأن السفينة تقتل بحارتها.
وفي النهاية قرر الروس إشعال النار في السفينة على أمل إنهاء ذلك الكابوس المستمر، وفي ليلة شتوية من عام 1907 شاهدت أعينهم النيران وهي تلتهم بدن السفينة بلا توقف، ولكن لم ينعموا بليلتهم أبدا، فجميع من شهدوا الحريق أقسموا بأنهم سمعوا صرخة بشعة تخرج منها بينما تغرق في أعماق المحيط.