عن السيناريست أحمد عبدالله.. صفحة في قاموسك
معظم الجمهور العادي لا يعرف أحمد عبدالله، وإن كان قد أثر فيهم جميعًا، بقاموس جمله و”إيفيهاته” التي لا تخلو منها “كوميكس الفيسبوك”، ولا يخلو منها حديثنا اليومي.. بقصصه الطريفة وحكاياته المسلية، ولعل هذا لقلة ظهوره الإعلامي وتفاعله على مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك عدم رغبته في إبداء أية آراء معقدة أو ملفتة للنظر تخرجه عن حيِّز عمله الذي يجيده بجدارة.. أظن أن مسيرة أحمد عبدالله جديرة بالتوقف عندها، وتأمل أكثر من حالة مختلفة نجح في صناعتها بمنتهى الهدوء والاتقان..
(1) المضحكين الجدد
“اللمبي، محيي الشرقاوي، عبود عبده عبود، صلاح الدين عاشور، ميدو مشاكل، عيد سعيد رمضان كريم، تيمور الببلاوي، سلطان الغبي”
هذه الأسماء باختصار مخلٍ جدًا هم أبطال عوالم الكوميديا التي صنعها أحمد عبد الله.. تعمدت أن أذكر أسامي الشخصيات فقط دون ذكر اسم الفيلم نفسه، فستجد نفسك تعرفه بسهولة، وتتذكر إيفيهاته، بل وفي بعض الأفلام مثل الناظر واللمبي ستجد نفسك حافظًا للفيلم مشهدًا تلو الآخر، وكاردًا تلو الآخر، ستكتشف أنك تتذكر أسامي الشخصيات الثانوية وطريقة حديثهم وتقلدها بسهولة.
لم يكن أحمد عبدالله سببًا في إخراج جيل كوميديانات الألفية الثالثة، والمعروفين باسم “المضحكين الجدد” وحدهم.. بل ساهمت أفلامه في إدراج الكثير من الجُمَل والتراكيب لقاموس “الإيفيهات” المصرية.. جُمَل لا تعلق في ذهن المشاهد لأن قائله نجم أو صاحب كاريزما عالية، فستجد نفسك تتذكر جُمَل عارضة لأبطال لم تعرفهم، يكفي مثلًا أن أقول لك “يوه وأنا مالي يا لمبي؟” أو أقول لك “ده ميمس ومعاه بليغ حمدي”، أو “الكبدة دي صح الصح”.. لتسترجع على الفور وجه وآداء الممثل الثانوي الذي قال جملة واحدة وسط أحداث الفيلم ورحل، مستحيل أن تتذكر جملته؛ لو لم تكن من عوالم أحمد عبدالله.
(2) المسرح
أما على مستوى الحضور المسرحي فكان قليلًا غير باهتٍ، فقد تعاون فيه مع شركائه الأقرب من المضحكين الجدد وعلى رأسهم علاء ولي الدين الذي كتب له أحمد عبدالله كل الأعمال التي مثلها كبطل أول.. وذلك من خلال مسرحيتين من أفضل ما قدمه هذا الجيل، وهما “ألاباندا” و”حكيم عيون”.. لم تكتفِ الكتابة المسرحية لعبدالله بتلميع جيل المضحكين الجدد، بل ساهمت في تصعيد نجوم كانوا وقتها شبابًا صاعدين؛ مثل أحمد حلمي وكريم عبدالعزيز وأحمد عيد.
(3) رواسب جيدة
أما عن الرواسب الإبداعية، أو بتعبير أقل ذوقًا “النحتات”، وهي بالمناسبة مرحلة ضرورية وحتمية في مسيرة أي مبدع، سواء كان هدفها الاستراحة من الأعمال الهامة، أو السعي وراء مكسب سريع، أو مجاملة لأحد الأصدقاء داخل الوسط الفني.. فأعمال أحمد عبدالله التجارية كانت وسط نظيراتها “جيدة”، ولم تخلُ من قصة وحبكة تحترم المشاهد، وبعضها قد نجح وعاش في ذهن الجمهور، عكس توقع الجميع ومن بينهم عبدالله نفسه..
فمن بين الأفلام المعروفة باسم “أفلام العيد” أو “أفلام السبكي” قدم أحمد عبدالله” عليا الطرب بالتلاتة”، و”لخمة راس” و”قصة الحي الشعبي”، وهذه الثلاثية من بين أفلام العيد أظنها الأفضل، ويمكن وصفها بالأعور وسط العميان.
أفلام مثل “أحلام الفتى الطايش”، و”حد سامع حاجة” على الرغم من أن فكرتيهما مقتبستين عن أفلام أجنبية، إلا أنهما وضعا رامز جلال على طريق البطولة المطلقة، حتى وإن أخفق فيما تلاهما من خطوات.. فيلم مثل “ابن عز” هو أقل أفلام علاء ولي الدين الثلاثة، لكنه أفضل من أفلام كوميديا هذه الأيام، ويكفي مشهد “أم عمرو” الشهير.. وكذلك الحال بالنسبة لفيلم “55 إسعاف” الذي لم يعلق مع الجمهور، وتناساه تاريخ السينما على الرغم من إيراداته المرتفعة وقت عرضه،.
كما حاول عبدالله أن يقدم “أفلام هادفة” مرتين؛ الأولى مع يسري نصر الله في “الماء والخضرة والوجه الحسن”، ومع الخالدين صالح والصاوي في “الحرامي والعبيط”.. وعلى الرغم من فشل المحاولتين.. إلا أن عبدالله أثبت أن حتى أفلامه قليلة الجودة ليست بهذا السوء إذا ما قورنت مع أعمال أخرى، وأن الوجه الآخر منه “مقبول” على أقل تقدير.
(4) دراما الشخصيات
وعلى مستوى الدراما، نجح أحمد عبدالله في صناعة دراما اجتماعية تعتمد على الشخصيات، على طريقة أستاذ هذه المدرسة “أسامة أنور عكاشة”.. وقد وُفِقَ ونجح في بعضها مثل “بين السرايات”، “رمضان كريم”.. في حين خرج مسلسل “الحارة” باهتًا مكررًا يشبه حكايات رأيناها ألف مرة.. أما تجربة “أرض النفاق” فيمكن تصنيفها كرواسب جيدة هي الأخرى.
(5) أفلام اليوم الواحد
أما الحالة الأبرز في تاريخ “أحمد عبدالله” والتي جعل منها بصمة مميزة يمكنك أن تعرف بها أعماله، فهي “أفلام اليوم الواحد”، وهي تيمة معروفة عالميًا، لكن عبدالله نجح في عمل معالجة مصرية خالصة، مميزة عن أي شيء قد تكون رأيته من قبل، فأفلام مثل “كباريه” و”الفرح” و”ساعة ونص” هي أفلام أصلية يمكن أن تضعها في قائمة أفضل الأفلام المصرية المعاصرة بضمير فني مرتاح.. وهي تعتمد على عرض قصص الكثير من البشر تجمعهم وحدة المكان والزمان على مقياس صغير جدًا، وصناعة سياق وتفاعلات بين شخصيات يصعب لقائها في أحداثٍ أخرى باستثناء اليوم الذي يدور فيه الفيلم.
وقد حاول بعض المؤلفين تقليد بصمة أحمد عبدالله، في أعمال مثل “صندوق الدنيا” و”يوم وليلة” و”رأس السنة”.. لكنها ظهرت رديئة، لدرجة أن أقل أعمال عبدالله في هذه التيمة “الليلة الكبيرة” كان أفضل منها بمراحل.