ثقافة وفنون

نبيل فاروق .. شغف الطفولة

نبيل فاروق .. شغف الطفولةس١٨ في خدمتك يا سيدي!

في اليوم الأخير لامتحانات السنة الأولى من المرحلة الإعدادية، وكعادتي في تلك المناسبة السعيدة انطلقت لمحل بيع واستعارة الكتب المجاور لمنزلي، حاملًا ثروتي من المصروف المُدخر منذ شهر مضى استعدادًا لتلك اللحظة المنتظرة.. لحظة استعارة مجلدات بطوط -لا اعترف بميكي بطلًا لتلك السلسلة- والتوحد معها لأسابيع قادمة حسب المخطط وبضعة أيام كما يحدث على أرض الواقع طبقًا للخبرات السابقة.

 

لدقائق طويلة ظللت أغرق في حيرتي لاختيار أكثر الأعداد متعة؛ فالميزانية محدودة والخيارات أكثر من استيعابي! وأثناء المحاولات الفاشلة لأخذ قرار أصعب مايكون وعمل تضحيات أخاف من تبعتها.. وجدته ينظر لي وكأنه ينتظرني، كان ينتظر في صبر أن ينضج عقلي حتى أسير معه عبر عوالمه ثم نسافر بعدها إلى أماكن لن أسمع عنها في حياتي، قبل أن يتأكد من إحكام أحزمة الأمان وننطلق سويًا في رحلة عبر الأزمنة، وعندما يتملكنا الملل يمكننا التلصص على حضارة فضائية تكن للبشر النوايا السيئة لكن -لسوء حظهم- لا يعلمون ماذا يفعل  س١٨ بعد أن ينطق جملته الوحيدة والفريدة!

 

لازلت أذكر هذا العدد، كان اسمه “الاحتلال” من سلسلة “ملف المستقبل” أشك وقتها أنني كنت أدرك معنى كلمة “الاحتلال” كما أفهمها الآن، لكن كل ما جذب انتباهي وقتها هو الغلاف! كانت تفاصيله مختلفة كثيرًا عن ما اعتدت عليه في تجاربي السابقة؛ كائنات خضراء تحمل بنادق غريبة تنظر نحوي في عدائية! يقف ورائها متأهبًا طبق طائر يوحي شكله بالكثير من القدرات الشريرة. أخذت أقلب أوراقها وأنا أحاول التأكد من قدرتي على فهم اللغة العربية الفصحى، وجاءت الأوراق العشوائية على وصف لمشهد خروج الغزاة من مراكبهم وسيطرتهم على كوكب الأرض! شعرت بالفخر لأنني قد استطعت فهم كل الفقرة بدون أي تكهنات لمعاني بعض الكلمات أو التراكيب المبهمة! بررت هذا وقتها أنني بالتأكيد أمتلك عقلًا أكبر من سني، والآن أدرك أن السبب هو من فكر وإبداع فصاغ ونجح في اختراق قلب وعقل طفلًا صغيرًا.

 

كبر الطفل وأصبح يلتمس شغفه في الطريق الذي أدرك وجوده من كتابتك، لازال الركن الخاص من غرفته -والمُحرم على أي أحد سواه- يحتوي على جميع مقتنياته الثمينة من أعداد ” ملف المستقبل ” و ” رجل المستحيل “! شعر بوصم الخيانة يلحقه إذا قام بالتخلي عنها بسهولة بعد أن أمضى معها أجمل أوقات وحدته، فكيف يتخلى عن من كانت رفيقته المخلصة في أوقات صمته الطويل! توقف عن الاستعارة وأصبح اقتنائها يمثل حائط دفاعه الأخير قبل أن يتأكد أنه فعلًا بمفرده! فأصبحت هي ثروته الصغيرة -والوحيدة- إلى اليوم.

رحم الله دكتور نبيل فاروق ..

زر الذهاب إلى الأعلى