سينما

عن مناورة الملكة.. عن مسلسل The queen’s gambit

بقلم عبدالرحمن جاويش

عن مناورة الملكة .. ملايين المشاهدات، زيادة الطلب على لعبة الشطرنج على موقع أمازون ثلاثة أضعاف، إقبال غير مسبوق على نوادي ومدارس الشطرنج المختلفة لتعلم اللعبة، كلمات مثل “الدفاع الصقلي” و”خطة نابليون” أصبحت عادية.. كل هذا بعد أشهر قليلة من عرض مسلسل قصير قوامه سبع حلقات.. مسلسل حين تسمع قصته ستظنه مملًا، فأي عملٍ ممتع يتحدث عن لعبة ساكنة مثل الشطرنج، يجلس فيها شخصان يفكران في حركة بعض القطع، ويحاول كلا منهما خداع الآخر باستخدام المناورات المختلفة.. هو منظر إن حاولت مشاهدته على “يوتيوب” لن تحصل على أي متعة إلا إذا كنت من هواة اللعبة بالأساس.. فكيف نجح “مناورة الملكة” في جذب كل هؤلاء المشاهدين، وتضخيم كرة ثلج محبي الشطرنج؟ أظنه “سر الصنعة”.

حكاية مسلسل مناورة الملكة

يحكي المسلسل عن “بيث هارمون” الطفلة اليتيمة التي نجت بمعجزة من حادث سيارة مُفتَعَل بواسطة أمها بنية الانتحار، لتجد نفسها في دار رعاية خاصة بالأيتام، وهناك تجرب مشاعر أخرى بجانب الوحدة، فهناك تجرب الالتزام، وتجرب الصداقة، وتجرب لعبة الشطرنج على يد أحد عمال دار الرعاية، والذي يشبهها في الانطواء، ويعلمها دون إجراء أية حوارات جانبية تخصه أو تخصها.. تكتشف “بيث” أن لديها موهبة فطرية في الشطرنج، وذكاء يؤهلها للخوض في عالم كل خصومها فيه من الرجال.

وعلى ذكر “الصنعة” فالمسلسل من أفضل الأعمال التي رأيتها مؤخرًا من حيث الاهتمام بالصورة والألوان وكادرات التصوير والملابس والأماكن، وكذلك اختيار الممثلين، وجاءت جميع الاختيارات ملائمة تمامًا للحقبة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، حتى المحاورات ونوعية النقاشات لم تكن غريبة على هذا العصر.

بطلة مسلسل مناورة الملكة

أما عن البطلة “بيث” فهي ليست بهذا التعقيد الذي تبدو عليه، لديها فلسفة بسيطة تجاه العالم، هي لا تستطيع التحكم فيه ولا تغييره، لديها الكثير من الأسئلة بلا إجابة، ولديها الكثير من ردود الأفعال تنتظر أفعالًا لن تأتي من أشخاصٍ لا يكترثون.. لذلك فقد وقعت أسيرة لهذه الرقعة التي تتكون من 64 مربعًا، هي بالنسبة لها كل العالم، تستطيع التحكم في كل أركانه، تهرب من واقعها إليه.. تديره بطريقة جعلتها في كثير من الأحيان كيف تدير الحياة خارج هذه الرقعة.

المسلسل ينتمي لقصص “البطولة”، وهي نوعية معروفة ينتمي إليها أفلام مثل Rocky و Dangal.. ومن الأفلام العربية “النمر الأسود” بالطبع.. أما تكملة الحكاية فهي محفوظة: البطل الموهوب الذي يحاول التدرب على يد مرشد ملهم، وينتصر انتصارًا صغيرًا يقوده لغرور أو إحباط يعرقل مسيرة البطل، حتى تنقذه الفكرة التي يؤمن بها من الأساس، وهي إما قصة حب أو إخلاص لوطن أو لمبدأ، أو سعي لإثبات الذات، فيعود لينتصر ويسطر اسمه وسط العظماء.. وقد تحركت القصة في نفس الاتجاه، جميعنا يعرف أن “بيث” ستنجح في النهاية، وستواجه العقبات في المنتصف، وستنتصر بشكلٍ ساحق في البداية، القصة معروفة لكن كيفية حكيها هو ما جعلها مبهرة.

ومع كل “حركة” في حياة “بيث هارمون” ستسأل نفسك: أين هي الملكة؟ الملكة في رقعة الشطرنج (أو الوزير وفقًا للتصرف العربي) تتحرك في جميع الاتجاهات، وتغزو دون حساب.. لكن “بيث” ليست كذلك في الحياة، هي فقط تتصرف بهذا الأسلوب المندفع في نطاق رقعة الشطرنج.. لكنها في الحياة تسير كبيدق (عسكري وفقًا للتصرف العربي) تتحرك في اتجاه وحيد.. بحركات محدودة، لا تخرج عن النص كثيرًا، لم ترفض طلبًا لأمها بالتبني أو تعارضها، لم تطلب حبيبًا ولم ترفض آخر، ربما هذا ما أثار سؤالها للاعب الشطرنج الروسي المراهق حين تحدث عن طموحه للفوز ببطولة العالم في الشطرنج: “وماذا بعد ذلك؟ ستفوز وعمرك 16 عامًا، ماذا ستفعل باقية حياتك؟”.. وهي في الحقيقة لم تكن تسأله، ولم تنتظر منه الرد، وإنما كانت تسأل نفسها.. فالبيدق حين يبلغ آخر الرقعة يتحول ملكةً، ولكن إن وصلت الملكة لنهاية الرقعة، واضطرت للخروج عنها.. فأين ستذهب؟

الحقيقة أن الإجابة عن سؤال كهذا تستوجب مسلسلًا جديدًا، بالتأكيد سيكون أقل متعةً من “مناورة الملكة”، فرحلة “بيث” مع الشطرنج انتهت بانتصارها على خصمها الروسي مستعينةً بأصدقائها وكل من قابلتهم خلال رحلة حياتها القصيرة، وكذلك رحلتها كشخصية عامة انتهت برفضها الدخول في صراعات دينية أو سياسية بين الولايات وروسيا.. فقد قررت أن هذه رقعة غريبة عليها، تتطلب حركات مختلفة عن حركات القطع التي تعرفها.. سوى الجلوس وسط عوام الروس ومزاولة الشطرنج وسط العجائز والهواة.. ممن يحبون الرقعة، فهؤلاء لن يورطوها في أي صراع، ولن ينتظروا من الملكة أن تناور مجددًا.

 

اقرأ أيضاً

 عن فيلم حبيب مضاف بلا مضاف إليه

عبدالرحمن جاويش

كاتب وروائي شاب من مواليد محافظة الشرقية سنة 1995.. تخرج من كلية الهندسة (قسم الهندسة المدنية)..صدر له عدة رويات منها (النبض صفر،) كتب في بعض الجرائد والمواقع المحلية، وكتب أفكار العديد من الفيديوهات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما دوَّن العديد من قصص الديستوبيا على صفحته الشخصية على موقع facebook وحازت على الكثير من الإشادات من القراء والكُتَّاب كذلك..
زر الذهاب إلى الأعلى