حكاياتحكايات وأماكنطلاسمقصص الرعب

مقابلة.. أرجوكي توفي في صمت

مقابلة.. يتم اليوم بث الجلسة الطبية بحضور المُتهم مصطفى أحمد مبروك، وذلك في حضور الطبيب النفسي المختص في تلك القضية، وبتسجيلك المقابلة من أجل عرضها على الجهات التنفيذية للنظر في حكمه النهائي.

مرحبا بك مجددا مصطفى

= مرحبا بك أيها الطبيب

كيف تشعر اليوم؟

= لا أعلم.. أعتقد أنني بخير

وما الذي لا يجعلك واثقًا أنك بخير؟

= أعتقد أن الأدوية التي أعطيتها لي تجعلني مُنهكًا.. أنا دائمًا أشعر بالدوار، لماذا؟ 

كما تعلم أعطيتك تلك الأدوية من أجل أن أجعلك تغفو، ألم تخبرني أنك لا تستطيع النوم؟

= ولكنني لستُ بخير، أنا خائف. 

من ماذا؟

= لا أريد أن أراهم مجددا.

من تقصد بحديثك؟

= لقد أخبرتك مُسبقًا.

استمع إلى يا مصطفى، هذه هي الجلسة الأخيرة فيما بيننا، لذلك أريدك أن تجيبني على جميع أسئلتي، لذا أرجوك أخبرني.

= ح ح حسنًا.. لا أريد رؤية زوجتي ووالدتي وطفلتي.

كيف تراهم؟

= أراهم كما أراك.. ولكنهم ليسوا مثلك، ليسوا مثلنا نحن البشر، هم بشعين للغاية، أرجوك لا أريد تذكرهم. 

كيف هم مُختلفون عنا؟

= إنهم إنهم.. أرجوك

كيف هم مُختلفون عنا يا مصطفى؟

= إنهم بشعين كما أخبرتك، كانت زوجتي ترتدي ذات الملابس التي كانت ترتديها في ذاك اليوم ولكنه كانغارقًا في الدماء، وجهها كان يتساقطكنت أستطيع رؤية أجزاء وجهها الداخلية، أرجوك كفىلا أستطيع.

أكمل..

= كلما أنظر إليها أراها تنظر إليّ تلك النظرة، عيناها تحملان بغضًا لا يُحتمل، أستطيع أن أستمع إلى عيناها تتحدثان وتقولان لي أنني المتسبب في ذلك، أنني من جعلتهم يسكنون مُخلدين في ذلك الجحيم.

وماذا عن الإثنين الآخريين؟

= والدتي.. أراها كما اعتدت أن أراها دائمًا، مُنحنية وذلك بسبب ما اجتازت من العمر، ترتدي ملابس مُمزقة لا تؤدي تلك المُهمة التي قد صُنعت لها، أرى شفتاها ليستا موجودتين، تصدر ذلك الصوت الذي يتشابه مع صوت الأفعى، فحيح كريه وتخرج الدماء من فمها المتمزق كالماء الساخن، مُنبعثًا في جميع الاتجاهات، أرجوك لا أريد أن أتذكرهم.

أكمل..

= أرجووووك

– …..

= أراها دائما قادمة في اتجاهي، ولكنها تسير ببطء.. ببطء شديد للغاية، ما إن تتساقط عليّ بعض قطرات الدماء التي تبعثها حتى أشعر أنني أحترق، كأنها قد فقدت الذاكرة، لا تعلم أنني طفلها...

وطفتلك؟

= أرجوك لا تدعني أتذكرها.. أرجوك فلتقتلوني.. لا أريد أن أتذكرها.

لا أستطيع وأنت تعلم ذلك، فلتخبرني وأعدك أنها سوف تكون نهاية حديثنا عنهم. 

= هل تعدني؟

لقد أخبرتك.. أعدك.

= حسنا.. أنا أثق بك، طفلتي حينما أراها أجدها لا تنظر إليّ، أراها عارية وجسدها مُحاطا بأكمله بتلك الخدوش.. لا أستطيع، تلك طفلتي فأرجوك لا تدعني أتذكرها وهي بتلك الهيئة. 

أكمل.. مُحاطا بتلك الخدوش

= فلتقتلني أرجوك، لا أريد أن أتذكرهم. 

لن أخبرك ثانيا.. أكمل

= حسنا حسنا.. كان جسدها مُحاطًا بتلك الخدوش، جسدها بأكمله ينبعث منه الدماء، ولكنها ليست دماء حمراء، بل سوداء كريهة الرائحة، وحينما تسير.. تسير على أطرافها الأربعة، كأنها ليست بشر، لا كانت تسير مثل الحيوانات، تستطيع أن تتبين إلتصاق جلد يديها حينما تسير، تستطيع رؤيته كيف يتمزق من يداها وقدماها.

جيد جدا.. أريدك أن تخبرني لماذا تراهم هكذا، في تلك الهيئة كما أخبرتني. 

= ولكنك أخبرتني أن ذلك الحديث سوف يكون الأخير عنهم؟ 

مصطفى.. أنت تعلم جيدًا أنني لا أستطيع أن أنهي تلك المُحادثة دون أن أعلم بما حدث.

= دون أن تعلم بما حدث؟ ألم أخبرك عدة مرات بما حدث، أتمزح معي؟ 

ولكن تلك الجلسة ليست مثل الجلسات السابقة، اليوم يتم تحديد إذا ما كُنت مُذنب أم لا، لذلك فلتجب عن أسئلتي.

= ولكنني أريد أن أعدم، أريد أن أقتل، لا أريد العيش في ذلك العذاب. 

 لست أنت من تُلقي الأحكام هنا، تذكر ذلك جيدًا، والآن فلتخبرني ما الذي حدث؟ ما الذي جعلك تراهم هكذا؟ 

= اللعنة.. اللعنة.

أنا أنتظر.

= حسنًا سأخبرك، سأخبرك لأنني أعلم كم أنت وغد، أعلم ما تريد أن تفعل. 

– …..

= كانت ليلة ذات شتاءً قاس، كانت الأمطار تنهال في الخارج بغزارة، ليلة عصيبة، كنت عائدا من عملي من ذلك المصنع شبه المتهالك، تستطيع أن تتبين على وجهي معالم الأسى والحزن، لقد قاموا بطردي من العمل بسبب عدم حاجتهم إلينا بعد الآن، كانت الأسئلة تجوب عقلي في تزاحم، كيف سأقوم بإعالتهم؟

ماذا أفعل الآن ونحن نتكفل قوت يومنا بمحاولة مستحيلة؟ هل تعلم أيها البغيض كم نعاني نحن الطبقة المُتناهية؟ ما إن عدت إلى المنزل حتى وجدتهم، كانوا لا يدرون ما الذي سوف يحدث لهم في تلك الكوارث المُقبلة، أعدت لي زوجتي العشاء ظنًا منها أن أعضائي ستقوم بفرز عُصارتها من أجل تقبلها، لم تعلم كم تتآكل أعضائي من الداخل تفكيرًا وحسرةً، لم أخبرهم بشيء ظللت أبحث عن عمل ولم يرد أحد توظيفي، من سيوظف شخصًا متوفى فاقد ملامح الحياة! 

عدت إلى المنزل وأنا لا أدري ماذا أفعل؟ حينها رأيتها كانت تحوم فوق رأسي مُعلنة قدوم تلك الفكرة لدي، لما لا نأخذ جولة في أنحاء مملكة الرب؟! أليس هو أرحم بي من أولئك الملاعيين؟ قتلت خلايا عقلي تفكيرًا، يدي ترتعش بشدة، تجوب عيناي نظرًا في وجه الجالسين أمامي، وقعت عيناي على صغيرتي، هل أشارت لي برأسها أن أفعلها؟

ربُما أنا أسير في الطريق الصحيح، حسنًا فلنفعلها الليلة، فلنجوب مملكة الرب، انتظرت حتى استقر القمر منتصف السماء، ما زلت انتظر، ربما هناك حلًا آخر، ربما هناك ملاذًا آخر يمكنني منه تجنب تلك الرحلة، ولكن لم تكن هناك دلالات أخرى، لقد خُيم على عقلي بتلك الفكرة واكتفى بها.

نهضت في بطء حتى لا تشعر زوجتي المُستلقية بجانبي بي، دلفت إلى غرفة تناول الطعام، اجتذبت السكين المصقل جيدًا، أريدها أن تكون رحلة ميسرة لكلانا، اتجهت إلى غرفة والدتي، ألا يمنحني ذلك امتيازًا من قبل الإله على حُسن اختياري؟ ما إن رأيتها نائمة وتتطبع عليها معالم التقدم في العمر، قمت بطبع قبلة على جبينها.

استيقظت من نومها بعينان ما زالتا مقفولتان، هويت على جسدها في سرعة حتى لا أنظر إلى عيناها فأتراجع عما أفعله، لا تقلقي يا والدتي لقد قمت بحزم أمتعتنا جميعًا، صدرت تأوهات الألم من شفتيها، كانت الدماء تنسال من جسدها بغزارة، قبلتها مجددًا ثم اتجهت إلى زوجتي، فعلت كما فعلت مُسبقًا مع والدتي، هويت على جسدها بعدة طعنات في أنحاء مبعثرة.

أطلقت صيحة فوضعت يدي على فمها مانعًا إياها، لا تقلقي عزيزتي طفلتنا لم تستيقظ بعد، أرجوكي توفي في صمت فنحن لا نريد طفلتنا أن تصيح فزعًا، ما إن تأكدت من أنها اتجهت إلى المكان المُخصص لنا مُنتظره إياي أنا وطفلتي، اتجهت سريعًا إلى طفلتي، كانت غارقة في ثُبات ساكن، قبلتها ثم احتضنتها بقوة، لم تكن في وضع أفضل من الآخرين، كان السكين مترصع على جسدها مُمزقًا ما ترتديه من ثياب.

صحت بقوة وأنا أعلم أن ثلاثتهم ينتظروني من أجل اللحاق بهم، ولكنني لم أستطع، لم أستطع تركتهم ينتظروني ولم آتي إليهم بعد، شعرت بجسدي يتهاون ويتساقط أرضًا، لم أعلم ما الذي حدث، ما إن استيقظت حتى وجدتني أقبع هنا، ولكن أرجوك أريد اللحاق بهم، أرجوك.

هل انتهيت؟ 

= ماذا؟

مصطفى أنت تعلم جيدًا أنك كاذب..

= ماذا تقول؟! 

في الحادي عشر من ذلك الشهر، لقد هرولت إلى منزل أحد العائلات التي تسكنه زوجة أحد الأشخاص ووالدة زوجها وطفلتها، لقد قمت باقتحام المنزل في الساعة الواحدة صباحًا..

= ماذا تقول أيها الوغد، أنت كااذب..

قمت بجذب السكين وبدأت في قتلهم، لم نستطع تبين ما إذا كان هناك صلة لفعلتك، ولكن بعد البحث لم نجد شيئًا..

= أنت كاااااذب..

أنت تعش في منزل مُتهالك وحيدًا بعد ما توفت زوجتك نتيجة تسلل المرض جسدها، أنت تعاني من مرض يُدعى انفصام الشخصية.

= لا لا تلك كانت زوجتي وطفلتي، أنا أتذكرهم جيدًا..

أعتقد أنه من الأفضل أن تظل هنا طيلة حياتك.. ولكن سوف ننتظر ما سيقوله القاضي لك..

= أريد اللحاق بهم أخبرتك.. أرجوك دعني ألحق بهم إنهم ينتظروني..

سوف يأخذك المُمرض إلى غرفتك، وسنتقابل غدًا..

= لا سوف ألحق بهم..

نهض مصطفى سريعًا ولم أعلم كيف استطاع أن يقوم بِحل قيوده، قام بجذب القلم الموضوع أمامي، لم تنقضي سوى لحظات حتى استقر في جوف عيناه، نهضت فزعًا مما حدث، صحت بصوت مرتفع إلى المُمرض القابع بالخارج، ولكننا لم نستطع اللحاق به، كان قد سقط مصطفى صريعًا، نتيجة عدة طعنات متتالية في عيناه ورقبته، لم نستطع إنقاذه، أظنه الآن سيلحق بتلك العائلة في مملكة الرب، مُعذبًا بها للأبد. 

زر الذهاب إلى الأعلى