من العوالم التي برع وحيد حامد في خوض مدمارها بسلاسة مميزة كانت عوالم الجريمة، وشخصيات عصابات “المافيا” على اختلاف منازلهم ورتبهم داخل العصابة الواحدة.. يجيد وحيد حامد تخيل هذه الشخصيات التي أثق أنه لم يتعامل مع أحدهم على أرض الواقع، فهذه الشخصيات ليست ملهمة بهذه الدرجة في الحياة، لكن السينما تحيل كل ما هو تقليدي لأكثر الدروب إثارة.
واحد من هذه العوالم تقليدية كانت عصابة “السحراوي” في فيلم الوعد، فهي عصابة تقليدية تنفذ عمليات القتل والتهريب،لا يتميز من أفرادها سوى شخصين، هما “عادل”، و”يوسف”، يجمعهما القدر في عملية أخيرة قبل وفاة يوسف بالسرطان، يدرك كلاهما أن علاقة الصداقة والأبوة التي جاءت متأخرة كان يحتاجها كلاهما بشدة، يُكَلَف عادل بالقضاء على يوسف، لكن عادل لا ينفذ المهمة.. ويقرر تنفيذ مهمة أخيرة تتعلق بدفن يوسف نفسه، ليوفي بـ”الوعد”.
أما العصابة الثانية فهي بجميع شخصياتها تعتبر البطل في فيلم “الأولة في الغرام”.. وهي عصابة “مولانا” أو “مغاوري الأشول” الذي لعب دوره أحمد راتب ببراعة كعادته، والتي يلجأ إليها البطل “عمرو السيوفي” احتماءًا من الشرطة، حتى يستطيع إقناع عمه الملياردير بتسديد ديونه.. تقوم العصابة بخلق العديد من المشاكل والمصاعب أمام عمرو.. وقد تفنن وحيد حامد في جعل أفراد العصابة يضربون “عمرو” في كل النقاط غير الآمنة من شخصيته، فقد جعلوه يعمل عاملًا للنظافة بعد أن كان يتمرد على إدارة شركاته، وأوهموه بفقدان عضوه الذكري وتوديع خصوبته التي كان يتفاخر بها طيلة الفيلم، ببساطة جعلوا كل ما كان يقوي شخصيته تحت أقدامهم.
وفي دم الغزال يطلعنا حامد على عصابتين تتشاركان نفس الحبكة.. الأولى في عالم العشوائيات الذي تعيشه “حنان”.. حيث مطواة البلطجي في مواجهة رشاش الإرهابي، وحكاية “عاطف” البلطجي والهجام الذي يحب حنان ويرغم زوجها على تسريحها، ويقهر “ريشة” الطبال الذي عبر عن حبه لها.. وعلى الناحية الأخرى عالم “نادية صفوان” وفساد أصحاب السلطة ورأس المال.. وكلما حاول حامد إبراز الاختلاف بين العصابتين وطريقة حصول كلا منهما على مبتغاها، نجد الفرق منعدمًا.. فجميعهم تسببوا في إسالة دم الغزال.
في “معالي الوزير” قدم وحيد حامد مافيا من نوع جديد، مافيا تحلف القسم، تمتلك الشركات، تحضر المؤتمرات والاجتماعات الوزارية، أظهر حيل الوزراء الفاسدين، وبرأ آخرين من هذا الفساد.. لكنه خلق عالمًا من المسئولين المجرمين، فهذا يصنع تقريرًا أمنيًا في ذاك، وآخرون يتحايلون على إجراءات الذمة المالية، وثالث يمد يده ليأخذ أنثى تعجبه أو قطعة أرض يراها هامة دون إذن أو شرط.. وأخيرًا رأفت رستم يفعل كل هذا، وحين يرويه على مساعده يقرر قتله حتى لا يفشي أسراره.
أما العصابة الأبرز والأهم –في رأيي- خلال مسيرة وحيد حامد، فهي عصابة “الشيطان”، وهي عصابة لا وجود لها سوى للإسقاط، خلقها وحيد حامد ربما في عقل أبطاله، في حبكة خيالية أكثر منها واقعية، وهي حكاية “أبو المحاسن” الذي سجن ظلمًا لمدة عشرين سنة.. خرج دون أي طموحات في الحياة ليفاجأ أن العصابة التي ورطته في هذا السجن أشخاص من ذوي الأخلاق الرفيعة، تخلوا عنه طيلة فترة الحبس، لكنهم ادخروا له نصيبه من عملية التهريب التي ورطوه فيها.. وسلموه نصيبه من الصفقة كمهرب، ليجد أبو المحاسن في حساباته سبعة ملايين جنيه، ويصحبه مساعدان لشراء سيارة والإقامة في فندق فخم، بل يحثان “أبو المحاسن” على طلب الحسناوات ممن يريد مرافقتهن بأي مواصفات يريدها..
يكتشف أبو المحاسن أن كل هذه الأموال ليست كافية لتعويضه ما فاته من حرية، وما نقص داخل روحه من آدمية، فهو لا يستطيع النوم على فراش الفندق الوثير، ويريد النوم على بلاط حمام كما كان يحدث في السجن، ولا يتبول إلا داخل دلو.. لا يستطيع تدخين سيجارًا فخمًا، بل يحوله لأعقاب أو “سبارس” مطحونة كما كان يفعل في السجن، حتى العلاقة الحميمية التي كان يتوق لها طيلة فترة حبسه لم يستطع ممارستها كما كان يتخيل.
بل ظل أسيرًا لأوهامه التي تجعله يسرح في العملية الجنسية بمفرده دون شريك.. يحاول فعل كل شيء يمكنه من استرداد آدميته، كبناء بيته على هيئة سجن ويحضن المساجين القدامى ليمثلوا نفس الدور، فهو كالطير الذي اعتاد القفص، وخاف السماء، ورأى العالم كله بين جدران أربعة وأكل يقدم له في نفس الموعد كل يوم، وشركاء قفص قساة لا يتركون له حرية الاختيار.. يكتشف في النهاية أبو المحاسن أن العصابة لم تسرقه سنوات عمره، وأن الأموال ليست هي المقابل، بل الآدمية.
أقرأ أيضًا
في عوالم وحيد حامد “موظفون ولكن..”
